نيلسون مانديلا: آخر عظماء القرن العشرين
الجمعة, 05 ديسمبر 2014 08:51

 

altكتب هذا المقال ونشر قبل عام، تأبينا للمناضل الكبير نيلسون مانديلا، ونعيد نشره اليوم في الذكرى الأولى لوفاته

كان القرن العشرون قرنا عظيما بامتياز. خاصة ضحاه وظهره؛ حيث انتهت الحرب العالمية الثانية فيه بهزيمة النازية والفاشية، وبانهيار الاستعمار القديم. فهبت شعوب الأرض من منيتها تحدوها حركاتُ التحرر الوطني والاستقلال، والقوى الثوريةُ والاشتراكيةُ وعظماء من أمثال: غاندي، ماو تسي تونغ، هوشي مينه، تيتو، جمال عبد الناصر، أحمد سوكارنو، كوامي نكروما، لومومبا، أحمد شيخو توري، كاسترو، أحمد بن بلا، الإمام الخميني، المختار ولد داداه... الخ.

وفي هذه الفترة البطولية العظيمة بزغ نجم المناضل الأفريقي العظيم نلسون مانديلا الذي أعلن الثورة على الميز العنصري في بلاده وعلى اضطهاد واستعباد  شعبه العظيم.

كانت ظروف وطنه - جنوب إفريقيا - مختلفة عن كل الظروف؛ فنظام الفصل العنصري الذي تتبعه الأقلية الأوروبية البيضاء المستوطنة الحاكمة لا يوجد له مثيل في العالم سوى النظام الصهيوني وما كانت تتبعه أقليات أوروبية مماثلة في بلاد مجاورة (ناميبيا وروديسيا والموزنبيق). فالفصل العنصري ليس استعمار دولة أو أمة لشعب، بل هو استحواذ الدخلاء المستوطنين على الأرض والسلطة والمال وكل شيء، وفصل السكان الأصليين أصحاب الأرض في حظائر بائسة لا يتوفر فيها أي سبب من أسباب الحياة، وحرمانهم من جميع الحقوق.

لقد وضع المستوطنون البيض والغرب شعب جنوب إفريقيا وامتداداتها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستكانة والخنوع والذل الأبدي، وإما الثورة. فاختاروا الثورة.

ورغم ما يمثله خيار الثورة الصعب من تحد في ذلك المكان والزمان فقد انتصرت إرادتهم فكسروا وألغوا نظام الفصل العنصري، وتحرروا ووحدوا وبنوا أوطانهم بفضل كفاحهم المستميت، وبفضل شجاعة وحكمة هذا الرجل الذي يندبه ويبكيه اليوم العالم أجمع.

لقد حاز نيلسون مانديلا - من بين ما امتاز به من خصال- أربعا قلما اجتمعت  في غيره هي:

1.الشجاعة. لقد تحدى وهو شاب أعزل نظام الفصل العنصري رغم جبروته وقوته الظاهرة وما يملكه من دعم ومدد غربي،  وأصر على التشبث بحق شعبه في الحرية والحياة الكريمة، وقدم حياته قربانا ومهرا لحرية شعبه. ولعل مرد هذه الشجاعة إيمانه الراسخ بأن الحق أقوى من القوة الغاشمة. وخاصة إذا كان وراءه طالب جبار ـ هو الشعب ـ يريد استرجاعه، ويجمع القوة الضرورية الكفيلة بذلك.

2.الصبر. ولتحقيق النصر على نظام الفصل العنصري وإلغائه، صبر الرجل عقودا وهو قابض على الجمر. لم يمتهن التسكع في الفنادق وإصدار البيانات الفارغة، ولم ينخرط في عُصب الإرهاب؛ بل راهن على شعبه وشرع في تربيته وتنظيمه وتسليحه.. سالكا بذلك النهج الثوري الصحيح، حتى ولو تطلب ذلك مائة عام. فالقرون هي ليالي الشعوب المضطهدة الأصيلة كما قال الشاعر أحمدو ولد عبد القادر. وبالتالي فإن عقود السجن الانفرادي الثلاثة ما كانت - في نظره- سوى لحظة عابرة من حياة شعبه العظيم.

3.الحِلم. ما من رجل في تاريخ البشرية الحديث عانى من أعدائه وعانى شعبه مثل ما عانى نلسون مانديلا وشعبه ثم يقف شامخا منتصرا قادرا ويقول لعدوه مثلما قال الرسول الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلم- لقريش يوم الفتح: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». لا كراهية، ولا انتقام، ولا ثورة؛ بل حب وتسامح وعفو وعيش مشترك ومساواة منبعها الإخلاص وعظمة النفس وسمو الروح.

4.الزهد. كان الرجل - كبقية أقرانه من عظماء عصره- زاهدا في الدنيا. لم يمد يده إلى الشيء العام عندما أصبح سيدا دون منازع. ولم يتخذ بطانة. وعندما انحرفت شريكة حياته ورفيقة دربه انفصل عنها. ثم تخلى عن السلطة طوعا بعد مأمورية رئاسية واحدة.

فتحية وإجلالا لسيرة وذكرى آخر عظماء القرن العشرين الذي يتهافت المتهافتون من كل حدب وصوب لاستغلال "أصله النضالي" والانتماء إليه؛ جاهلين - أو متجاهلين- قول شاعرنا المتنبي العظيم:

إذا اشتبكت دموع في خدود     تبين من بكى ممن تباكى.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 7 زوار  على الموقع