| مارون عبود.. العروبي المستنير (1/ 4) |
| الأربعاء, 02 مارس 2016 08:20 | |||
|
إدارة الموقع. غسان الشامي: مساء الخير؛
مارون أبو محمد.. عذرا أيها المارون عبود الآتي من عين كفاع.. وتريدنا أن لا نستغرب بعد أن حط بنا التاريخ إلى هذا الدرب من الطائفية والمذهبية والقتل والسحل والعواء الوقح للعصبيات المتوحشة! لو فعلتها اليوم وأسميت وليدك محمدا لأنكرك وكفرك فقهاء الظلام! هل رأيتم كيف سبقنا نهضويون في عبور الديانات والطوائف إلى الوطنية والإنسانية؟! وكم نحن بحاجة إلى نهضة جديدة! عن النهضوي مارون عبود يسرنا في "أجراس المشرق" أن نستضيف الدكتور أسعد سكاف مؤلف كتاب "مارون عبود ناقدا" و"تاريخ العلوم عند العرب".. وكتب أخرى. لنتحدث عن عبود النهضوي ودوره في أدب الحياة وفي سياق التنوير. قبل الحوار تقرير تذكيريّ عن مارون عبود. ولد مارون عبود عام 1886 في عين كفاع، ودرس تحت سنديانة وفي مدرسة مار يوحنا مارون في قرية كفر حي في البترون، وتخرج في مدرسة الحكمة ببيروت. مثقف بدرجة عالية، أتقن العربية والسريانية والفرنسية، وعرف بصدقه ونزاهته وموضوعيته. وكان عروبيا صريحا في قلمه وعمله، وسمى ابنه محمدا وابنته فاطمة. عمل في التدريس عام 1906، وخلال الحرب العالمية الأولى انصرف إلى مزرعته، ثم انتقل إلى عاليه لإدارة وتدريس آداب اللغة العربية في الجامعة الوطنية حتى عام 1937. عمل عبود في الصحافة وكتب في "الروضة" و"النصير" وجريدة "لبنان" وجريدة "الحكمة".. وغيرها. وترك 60 مؤلفا، وله مجموعة شعرية وحيدة بعنوان "زوابع". كان عبود ناقدا وساخرا. من كتبه النقدية "على المحك" و"الرؤوس" و"مجددون ومجترون" و"دمقس وأرجوان". وله في النقد الاجتماعي "سبل ومناهج" كتاب "الشعب" وفي النقد السياسي "أشباح ورموز" و"قبل انفجار البركان".. وغيرها. وله دراسات أدبية منها "المحفوظات العربية" و"زوبعة الدهر" (أو أبو العلاء المعري) و"رواد النهضة الحديثة" و"أمين الريحاني" و"أدب العرب" و"بديع الزمان الهمذاني". وله في القصص "الأمير الأحمر" و"فارس آغا" و"وجوه وحكايات" و"أحاديث القرية".. وترجم قصصا عن الفرنسية وكتب مسرحيات قصيرة، وترجم بعض أعماله إلى الروسية والفرنسية، وما يزال له العديد من المخطوطات. نال أوسمة في لبنان والأردن وإيطاليا وفرنسا، وتوفي عام 1962. غسان الشامي: أهلا بكم. أهلا بك دكتور سكاف في "أجراس المشرق". ما هذه الجرأة؟ أن يسمي ماروني قبل حوالي 90 عاما ابنه محمدا! كيف تقرأ ذلك؟ أسعد سكاف: أقرأ ذلك ولا أستغرب، والسبب أن نشأة مارون عبود في بيئة مارونية خالصة جعلته في حيرة وتساؤل مما كان يدور بين الناس وفي الأذهان وما كان قد ترسب فيها من هواجس ولّدتها أحداث عام 1860. ولم يكن مارون راغبا في أن يصدق مثل هذه الأشياء أو الإشاعات. وأشَبِّه هنا وضعه حيالها بوضع الحنفاء الذين ظهروا قبيل مجيء الدعوة الإسلامية وكانوا رافضين لما كانت عليه وثنية الجاهليين، يتطلعون في الآفاق ليروا بديلا، ولكن لم يكن عندهم البديل حتى جاءت الدعوة الإسلامية. غسان: ولكن هو كان يمكن أن يصبح كاهنا.. أسعد: مارون عبود في أعماق شخصيته لم يكن قابلا أن يأخذ بتلك الإشاعات، وكأنه كان كالحنفاء يبحث في الآفاق عمن يخرجه من هذا إلى الحقيقة التي كان يحلم بها. وكان أن خرج من مدارس القرية ومن جو العزلة التي كان يعيش فيها في عين كفاع والقرى المجاورة، ودخل مدرسة الحكمة في بيروت. غسان: أي أن هذا التحول جرى في مدرسة الحكمة؟ أسعد: مدرسة الحكمة كانت منعطفا.. غسان: (مقاطعا) هل يعقل كاهن أبو محمد؟ كيف تعرب هذه؟ أسعد: الثوروية التي حاول مارون عبود أن يفتح بها ثغرة – بل ثغرات- في هذا الجدار الذي أقيم نتيجة تلك الإشاعات، والذي كان في أذهان القرويين المجاورين لعبود في ذلك الوقت أن الدرزي غول يأكل الأولاد! فعند ما جاء إلى مدرسة الحكمة يقول بالفم الملآن وبصراحة: إن أصدقائي كانوا من الدروز. ويسمي "الأمير شكيب أرسلان، وكان قدوة لنا" ويسمي سواه "سعيد حماده، وكان من المنفتحين" والذين طردوا من ذهن عبود تلك الصورة. غسان: لو حصل هذا الآن في البيئة المسيحية كيف ينظرون إليه برأيك؟ أسعد: لا تستطيع التعميم؛ فمن المسيحيين اليوم من عنده من الانفتاح ما يمكن أن يقبل معه مثل هذه الخطوة قبولا حسنا، ومنهم من ربما يقف منها موقفا معارضا. وهذا ما صادفه مارون عبود عندما سمى ابنه الأوسط محمدا، وكني به! عادة في قرانا كما هو مألوف في حياتنا يكنى المرء بسم ابنه البكر، ولكن جرأة مارون عبود تجلت في زاويتين: الأولى أنه أقدم وهو الماروني، جداه كاهنان، وهما أخوان، ونشأ في بيت قائم على العبادة المسيحية التي لا أقول صارمة، ولكنها شديدة بحيث إن كل ذويه كانوا يأملون أن يرث منصب جديه ويكون كاهنا. غسان: هذا يدفعني إلى السؤال عن كيفية قراءة مارون عبود للتاريخ العربي في مسألة الهوية. أسعد: المتبحر في ثقافة مارون عبود وتثقفه يجد أن إحساسه أو وعيه للعروبة يدل على أنه وعي عروبة حضارية ثقافية تاريخية جغرافية، وليس وعي عروبة شعارات، وهذا ما يجعل انتماءه العربي انتماء ثقافيا. غسان: في ضمن هذا السياق، الهوية التي ينطلق منها إلى ماذا تتكئ، على ماذا ترتكز، ماذا تقدم؟ أسعد: تتكئ على وعي كبير وجد فيه مارون أن الوطني لا يتناقض مع القومي، وهما لا يتناقضان مع الإنساني، فكان مخلصا في وطنيته ولبنانيته، دون أن يشعر أن هناك مفارقة بين أن أكون منتميا إلى لبنان وأغار على كل ما هو لبناني وبين أن أكون أيضا منتميا إلى الإطار الأكبر الذي لبنان بأسره دائر فيه؛ وهو الإطار العربي، وكان يرتاح - أو يستريح- عندما يجد في هذين الإطارين أيضا منطلقا أو دافعا إلى الإطار الإنساني. وهذا الذي جعله يجد نفسه في صف واحد مع أمين الريحاني الذي أستطيع القول إنه أول من دعا دعوة عربية تاريخية حضارية قائمة على الفكر وليس على الشعارات والحماسات. غسان: أي عروبة هذه التي تسير عكس عروبة الشعارات؟ أسعد: توجد عروبتان: عروبة صحيحة تستمد جذورها من التراث العربي، من التاريخ العربي، من الجغرافيا العربية، ومما أبدعه أبناء العربية خدمة للإنسانية. أما ما نسمعه من جماعات يغيرون مع كل خيل مغيرة (كما يقال) فذاك ربما يكون من الآثار غير المحمودة، أو التي توظف سياسيا لنيل مأرب أو لنيل منصب. |
