مارون عبود.. العروبي المستنير (2/ 4)
الاثنين, 07 مارس 2016 07:56

altغسان: ما أخذه مارون عبود من العربية وتسمية ابنه محمدا قوبل بموقفين: موقف إيجابي كان أساسه أمين الريحاني، ولكنه قوبل بمواقف سلبية!

أسعد: الشعب اللبناني في ذلك الوقت كانت تتنازعه تيارات. أما من حيث الانتماء العربي فكانت هناك أيضا اتجاهات متنازعة. منهم من يرى أن توجه لبنان اتجاها عربيا قد يفقده خصوصيته وثقافته، ومنهم من كان على غير ذلك لأن لبنان عربي. أما قولهم: ذو وجه عربي فكان مرفوضا أيضا.

لا نستغرب أن يقف أناس مع مارون وقد ضاقت صدورهم بكل ما كان يجري على الساحة اللبنانية من تنازع طائفي، وكانوا يجدون، مع أن هذه الخطوة مؤشر وليست ذات دلالات أعمق من ذلك، وإنما تدل على أننا نستطيع أن نتخطى كل الآثار السلبية التي غرسها الأجنبي في أذهاننا عند ما صور لنا الطوائف الأخرى عدوة لغيرها وأن النزاع بين هذه الطوائف هو الطابع الأساسي الذي بني عليه لبنان.

في رسالة طويلة له (لعبود) يقول: "أسميت ابني محمدا نكاية بالطائفية والطائفيين". وتبقى هذه الفكرة واضحة جلية ليس فقط في القصيدة التي قالها مُحليا ابنه ومباهيا بعروبة النبي المصطفى الذي يتبرك بأن يسمي ابنه باسمه، فيقول أيضا في مواقع أخرى في قصيدة تتغنى على كل قارئ، احتواها ديوان لمارون عبود اسمه "زوابع" وهي قصيدة لا أقول إنها في مديح النبي، وإنما في النبي محمد. لو قلت: في مديح الرسول لتبادر إلى الأذهان ما قاله كعب بن زهير وما قاله البوصيري وما قاله أحمد شوقي في مديحيات الرسول. هي أكبر من ذلك وإن كانت شاعريا - أو شعريا- أقل من مستويات تلك. أنا أعرف..

غسان: (مقاطعا وضاحكا): عدت إلى ميدانك الأساسي: النقد!

أسعد: بالضبط. حتى مارون عبود نفسه في مقدمة ديوانه يقول ما معناه: وويل لمارون الشاعر من مارون الناقد!

هذه القصيدة أتمنى أن تقرأ لنرى أن العروبة التي أحسها مارون؛ والتي تجلت في تسمية ابنه محمدا يصدر عنها في غير هذا الموقع.

ثم إن لدي تنبيها.. يا أخي اسم محمد ليس إسلاميا؛ فالذي سمى محمدا محمدا هو أبوه وأمه (جده عبد المطلب) قبل أن يجيء الإسلام! فهو اسم ذو صلة بتكويننا العربي.

غسان: مثلما أن مارون ليس اسما مارونيا. مار مارون قبل أن يوجد موارنة!

أسعد: بالضبط.. بالضبط! ومن هنا ما تسمعه الآن من تسمية أبنائنا خالدا ومروانا وعمر وعامرا.. وغيرها، هذا أمر عادي. هذا عودة بنا إلى أصالتنا العربية، وإذا كانت هذه الأسماء قد اكتسبت قدسية إسلامية فبها ونعمت!

غسان: دكتور سكاف.. أعود إلى الإعجاب بالتراث العربي. هذه فترة تنويرية. هل التنويريون.. النهضويون حاولوا الاتكاء على هذا التراث لتقديم ما نراه نحن الآن تراثا نهضويا؟

أسعد: أعتقد أن مارون لم يكن وحيدا في هذا المضمار، فكان لنا مجموعة من كبار الأدباء الذين تناولوا التراث العربي بكثير من الدقة والاحترام، وبكثير من العناية. وقد اكتشفوا فيه كنوزا بنوا عليها مواقفهم ومواقف الجيل الذي أتى بعدهم. فإذا ذكرنا الريحاني وذكرنا مارون عبود وذكرنا أحمد فارس شدياق وذكرنا عبد الرحمن الكواكبي.. فهؤلاء أيضا من الذين بنوا مواقفهم النضالية والسياسية اعتمادا على ما يزخر به التراث العربي من قيم.

غسان: نعم، التنويريون النهضويون عرفوا بانفتاحهم، رغم كل المرحلة العثمانية المنغلقة والقليلة التعليم، ما هي صفات انفتاح مارون عبود على الآخر؟

أسعد: اسمح لي هنا أن أضيء إضاءة - ولو سريعة- على أدباء كبار في تاريخنا، نهضويين ظُلموا بعدم فهمنا للعلاقة التي كانت قائمة بين العثمانية والعروبة. منهم سليمان البستاني الذي ترجم الإلياذة، شكيب أرسلان الذي جئنا على ذكره، نشؤوا – عند ما نشؤوا- عثمانيي التوجه السياسي، لماذا؟ لأنهم كانوا يشعرون بمواطنيتهم في إطار الامبراطورية العثمانية، ويحاولون راغبين وصادقين إصلاح النظام الحاكم عن طريق إيجاد دستور معاصر يحكم الخليفة بموجبه.

غسان: فيما يتعلق بمارون عبود؟

أسعد: مارون عبود تتلمذ لهم! درس الآثار التي خلفوها وكان بينه وبين الشدياق وسليمان البستاني مودات – إذا سمحت لي بهذا التعبير- عن طريق الثقافة والاطلاع، فكان في تطلعه العربي بعد 1908 من بعد ما صدر الدستور العثماني وهلل له العالم العربي نظرا لأنه أعطى انفراجا من ظلم العثمانيين، لمس أصحاب التوجه العربي الذين كانوا عثمانيي التوجه أن الدستور مهزلة. يعلق ساعة يشاء الخليفة ويعمل به ساعة يشاء! فمنهم هم الذين كانوا في وسط المعمعة تكَوَّن الاتجاه العربي. أذكر – من قبيل التذكير- أن سليمان البستاني كان وزيرا في الدولة العثمانية، وعند ما أحس بأن تلك الدولة ستدخل الحرب وقف معارضا لذلك في مجلس المبعوثان، لأنه رأى فيه انهيارا للامبراطورية، وعند ما لم يستجب له تخلى عن وظيفته وذهب إلى سويسرا.

غسان: دكتور سكاف.. مارون عبود كان مربيا، هل يمكن أن نلحظ دوره التربوي ووجوده تحديدا في الجامعة الوطنية؟ ماذا قدم خلال أكثر من 20 عاما أمضاها مدرّسا؟

أسعد: بعد انقضاء سنوات الحرب التي أمضاها مارون عبود في عين كفاع يتولى زراعة الأرض ويساعد بإنتاجه إخوانه وعائلته ومن حوله من الذين عضتهم الحرب بأنيابها، خرج إلى التعليم مجددا. كان قد بدأه في جامعة القديس يوسف، وفي مدرسة الفرير. وانقطع لموقف وقفه مارون عبود مطالبا الطائفة المارونية باستحداث المجالس المِلِّية، فعوقب – إن شئت- بفصله عن المدارس التي كان يشرف عليها القاصد الرسولي.

في الجامعة الوطنية بعاليه يجد مارون عبود منبره، أو دعني أقل: يجد أبرشيته، فكان فيها مديرا للدروس إلى جانب تعليمه اللغة العربية وآدابها. وكان يتعامل مع طلابه كما صور بعض هؤلاء؛ وهو الأستاذ فؤاد الأطرش – ومن التسمية نعرف الانتماء- يقول: كان كالطبيب، لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء. وما يقوله الطرش يتلاقى مع وصية كان عتبة بن أبي سفيان قد أوصى بها مؤدب أولاده عند ما أتي به ليؤدب أبناءه. قال له: ليكن تأديبك لبَنِيَّ تأديبك لنفسك، فإن أعينهم معقودة بعينيك، فالخير عندهم ما استحسنت والشر عندهم ما استقبحت.

وبعد ما بين له ما يلزم تعليمهم إياه قال له: وكن لهم كالطبيب، لا تعجل في وصف الدواء قبل أن تعرف الداء.

مارون عبود باتصاله بالتراث وبإخلاصه لهذا التراث تبنى قيما تربوية برزت في تعامله اللين والمرن مع طلابه الذين ما زالوا يذكرونه فيشكرونه.

غسان: هل من دور سياسي لمارون عبود؟

أسعد: من الصعب الفصل بين ما قام به مارون عبود في عاليه وفي عين كفاع وفي مطالبته الدائمة للسياسيين بأن يقوموا بواجباتهم كاملة اتجاه القرى التي كان يسميها المحرومة، وكان يشارك أبناء عين كفاع وبيجي وغيرها من القرى..

غسان: أقصد في السياسة اللبنانية.

أسعد: وفي السياسة كان ينتقد النواب الذين "لا يزوروننا إلا في الانتخابات". وقد صور هذا في أقاصيصه وحكاياته، حتى في مقالاته الصحافية لم يكن يقبل التخلي عن زعامته، ولا أدري هل نقبل هذه التسمية. الزعامة لم تكن عنده أن يكون له أناس يحملونه على الأكتاف ويهتفون باسمه، لكنها كانت لديه اهتماما بكل الناس الذين كانوا حوله. 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع