| ضيف وقضية (19) |
| الخميس, 18 فبراير 2016 08:01 | |||
|
نحن إذا بقينا نكرر الشعارات الفارغة التي لا تنطبق على الواقع يكون ذلك غير مجد. من الناس من يقول: سيطرة العسكر والنظام ما يزال عسكريا.. وكذا وكذا. ما أستطيع قوله من شيء مهم هنا هو أني عندما فكرت لم أجد انقلاب العاشر من يوليو انقلابا عسكريا، وإنما هو انقلاب مدني! كيف ذلك؟ الانقلاب العسكري هو ما وقع في مصر وفي الجزائر على سبيل المثال. أي أن ينقلب الجيش على السلطة المدنية ويطويها بحسناتها وسيئاتها ويقيم سلطة عسكرية قوية تكون الكلمة الأولى والأخيرة فيها للجيش.. وهذا ما لم يقع في موريتانيا! وأود أن أقول إن الانقلابات أنواع (وسبق أن عبرت عن ذلك) فليس كل انقلاب سيئا ولا كل انقلاب حسنا، كما أنه ليس كل إنسان سيئا ولا كل إنسان حسنا. ينبغي تحليل طبيعة الظاهرة حتى نحكم عليها. بم نحكم عليها؟ في كل ظاهرة تناقضات، عندما يكون الطرف الرئيسي في الظاهرة إيجابيا تكون إيجابية، وعندما يكون الطرف الرئيسي فيها سلبيا تكون سلبية. انقلاب جمال عبد الناصر في مصر كان انقلابا تقدميا. انقلاب كيتانو في البرتغال كان انقلابا تقدميا. انقلاب أمدو توماني توري في مالي كان انقلابا تقدميا. لماذا؟ لأنها انقلابات فتحت أبوابا موصدة استعصى فتحها؛ الدكتاتورية في البرتغال، النظام الملكي والتخلف في مصر، النظام العسكري الفاسد فسادا مزمنا في مالي (منذ حوالي 1964). أصحابها لديهم مشروعات في رؤوسهم. لديهم تصور عن بلادهم. كيتانو فتح الباب على مصراعيه للديمقراطية في بلد رأس مالي، وهذه حسنته. جمال عبد الناصر أقام نظاما تقدميا جمهوريا في بلد كان ملكيا رجعيا، أمدو توماني توريأزاح سيطرة العسكر وفتح الباب على مصراعيه لنظام ديمقراطي أفاد مالي كثيرا في عهد الرئيس الأسبق ألفا كوناري. ما هي طبيعة الانقلاب الذي وقع في بلادنا وماذا أفاد؟ حسب وجهة نظري فهو أولا انقلاب أقلية من الجيش، وثانيا خططت له ودبرته وقادته ونفذته المجموعة المدنية المعروفة التي تحدثنا عنها. وقد استغلت الأوضاع والعلاقات القبلية والجهوية لبعض القادة العسكريين؛ وبهذا قلبت السلطة واستلمتها. لحسن: أي أنها وضعت العسكر في الواجهة وهي المنفذة. ذ. إشدو: تماما. استطاعت أيضا أن تحقق مكسبين بهذا الانقلاب: المكسب الأول السيطرة على قيادة الجيش؛ فقد اختطفت الجيش وظل زمنا طويلا مختطفا ينفذ به المدنيون غير التقدميين ما يريدونه. وقلت في هذا الكتاب (أزمة الحكم في موريتانيا) إن جميع الحركات التي وقعت بعد ذلك كانت كلها حركات ارتدادية لزلزال العاشر من يوليو، هدفها أن يستعيد الجيش زمام أمره. سواء 6 إبريل، أو 16 مارس، أو 12/ 12، أو 8 يونيو 2003، إلى 3 أغسطس 2005. وكانت عسكرية كلها مع أن في كلها مدنيين. لحسن: محاولة لاستلام زمام الأمور. ذ. إشدو: كلها محاولات. 6 إبريل، 16 مارس، 12/ 12، وهذا نجح، لكننا سنصل إلى الحديث عما حدث له.
إقصاء ممنهج لحسن: هل يمكن وضع النقاط على الحروف بخصوص هذه المجموعة التي تلقون عليها اللوم؛ والتي تسمونها بمجموعة اليمين، أو المجموعة التي انضوت تحت حزب سياسي، وقلتم إنها تسعى دائما إلى الجمع بين السلطة والمال؟ هل يمكن وضع النقاط على الحروف تحديدا بخصوص هذه المجموعة التي كانت سببا لخراب البلاد؟ ذ. إشدو: لا لا، أنا لا ألومها وإنما أحاول أن أحلل فقط. أقول إنها هي من دبر الانقلاب، وهي من قاده، ولم أصل إلى النتائج بعد. لحسن: ولكن نحن أيضا نحاول أن نعرفها. ذ. إشدو: سأعطيكم قدرا من أخبارها. قلت إنها حققت يوم العاشر من يوليو نتيجتين ليستا في صالح البلاد: إحداهما السيطرة على قيادة الجيش واختطافه. وأود القول إنه حتى الذين قادوا الانقلاب أقصي بعضهم! وممن كان له الدور الحاسم في نجاحه المرحوم جدو ولد السالك الذي زحف على العاصمة من الشمال. فبما أنه شاب، وبما أن خياراته قومية أساسا، وبما أنه قد لا يكون متفقا مع الجماعة في طرحها وفي أهدافها، صفّوه يوم العاشر من يوليو! بماذا؟ بأمرين: قالوا إن الرتبة هي المعتبرة من جهة، وإنه ينبغي الحفاظ على وحدة الجيش من جهة أخرى. لم يكن اعتبار الرتبة يخدمه فجاء رقمه 13 في اللجنة العسكرية، والحفاظ على وحدة الجيش جاء بجميع قادته الذين لم يشاركوا في الانقلاب أصلا، وإنما دعوا فأشركوا فيه! عينوا أعضاء في اللجنة العسكرية. لحسن: إذن كان حفاظا على إحكام قبضة اليمين.. ذ. إشدو: (مكملا) على قيادة الجيش. صفي الرائد جدو رحمه الله، وكذلك أخوه المختار - أطال الله بقاءه- مع أنه هو من ألقى القبض على الرئيس المختار رحمه الله، وقد تستضيفونه يوما ما. ترك هذا انطباعا سيئا جدا لدى جدو رحمه الله، وقال: خُدعنا.. لكننا سنعود! هكذا روى لي المختار أن أخاه جدو قال له، وقد حدثني بأشياء ربما نصل إليها. وأين حل الرائد جدو؟ حل بوزارة الداخلية! عينوه هناك فصار يمضي بياض يومه في لقاء رؤساء القبائل والزعماء وما إلى ذلك، وبقي الجيش في أيد أخرى. القائد العسكري عند ما يقود انقلابا فبماذا يقوده؟ بالقوة العسكرية! عندما يفصل بينه وبين هذه القوة فيجلس في كرسي وزارة فلم تعد لديه قوة! وقد ارتكبت جماعة 6 إبريل هذا الخطأ نفسه أيضا كما سيأتي. النتيجة الثانية التي حققها الانقلابيون يوم العاشر من يوليو هي هدم الجدار الذي أقامه المختار – رحمه الله- بين السلطة والمال. أصبح بعض الضباط أعضاء في الحكومة يتولون مسؤوليات سياسية، وبعض عناصر الفئة الاجتماعية التي انقلبت تولوا وزارات، ومنهم من جاء إلى الحكومة من القطاع الخاص، والبعض كان يتولى مسؤوليات سياسية أو إدارية فقط، فأصبح في قطاعات اقتصادية أو إدارية مدرة للدخل. لحسن: تحول البلد إلى كعكة! ذ. إشدو: لقد اختلط الحابل بالنابل ابتداء من يوم 10 يوليو 1978. وطبعا فإن انقلابا هذه طبيعته قامت به الفئة الاجتماعية التي وصفنا بواسطة بعض الجيش، وهذا توجهه السياسي لا يمكن وصفه إطلاقا بأنه تقدمي! إنما طبيعة انقلاب العاشر من يوليو هي أنه انقلاب رجعي نسف جميع ما تم بناؤه خلال العشرين سنة الماضية على هذه الأسس التي تحدثت عنها وجاء بأسس ومفاهيم أخرى مخالفة لها. تصور مثلا – وهذا مجرد مثال- أن أسماء ولاياتنا كانت بالأرقام: الولاية الأولى والولاية الثانية والولاية الثالثة.. بعد الانقلاب أعيدت تسميتها فأصبحت الحوض ولعصابة وتگانت والترارزه وآدرار وگيديماغه.. إلخ. الاعتبارات القبلية والجهوية - وحتى الأميرية- بدأت تعود. أتعرف أن الشباب الذين كلمتكم عنهم كانوا عشرات الآلاف يعملون معا على امتداد موريتانيا من أجل أهداف وطنية، لم يكن منهم من يعرف قبيلة الآخر قبل الانقلاب! لحسن: بعد العاشر من يوليو عاد كل منهم إلى جذره التربيعي؟ ذ. إشدو: تقريبا. لحسن: بدأت القبلية والجهوية؟ ذ. إشدو: نعم. |
