أدونيس: هذا هو اسمي (ح 18)*
السبت, 21 يوليو 2018 08:14

 

الفكر جزء لا يتجزأ من الجسد

altبيار: منهج الثابت والمتحول في زمن تطغى فيه السلفية والتحجر والثابت يطغى، وفكرة التحول اليوم في لحظتنا العربية، فكرة مارقة تقريبا..

أدونيس: صحيح.. لكننا ننسى تاريخنا. لو قرأنا التاريخ العربي قراءةليست بعين السلطة - وإنما هي بعين العقل- لرأينا أن هناك تاريخا آخر لا علاقة له بالتاريخ الذي وصلنا والذي نعيشه، وهو الذي كتبته السلطة؛ أي كتبه الفقهاء الذين خدموا السلطة. كل العمل الثوري الذي قام به المسلمون.. كيف يمكن أن نفهم مرحلة تاريخية قال المسلمون فيها – القرامطة مثلا:- ألغوا الملكية بكامل المعنى. وحتى العامل قالوا: يأخذ ما يحتاج إليه، ويضع ما زاد عن حاجته في صندوق المال، وهذا الصندوق يوزع المال على المحتاجين. ثورة داخل الدين لتغيير معنى الدين! ومن أجل ذلك لم يأتنا ولم نقرأ إلا التاريخ الذي يرضى عنه الفقهاء والسلطة.

لم تتوقف الحرب العربية - العربية في المجتمعات الإسلامية أسبوعا واحدا! اقرأ التاريخ. كل يوم كانت هناك ثورة أو تمرد أو عصيان أو مطالبة بشيء.. على مدى التاريخ العربي. وإذن هناك تاريخ مهمش، تاريخ حي كتبه البشر، وهذا تاريخ مهمل. خذ تاريخ اليد فقط؛ أين تاريخ اليد؟ أعني الصناعات والنسيج والتلاوين، والعمارة..؟ أين تاريخ الحياة اليومية في بغداد.. المدينة الهائلة التي كانت عاصمة العالم؟ كله مطموس إلا النادر القليل، لكن لم يُعْتَنَ به ولم يُدْرَسْ دراسةً جيدة.

الثابت والمتحول إذن هو محاولة بسيطة للإشارة إلى هذا التاريخ المطموس، الذي هو التاريخ الحقيقي للعرب، وإلى الحياة العربية، والتشكيك في هذا التاريخ المرتبط بالسلطة؛ والذي كان يسمي كل من ينتقد السلطة كافرا أو ملحدا أو فاسقا أو فاجرا.. إلخ، ويقتل أو لا يقتل، بحسب الحالة. فضح التاريخ العربي من داخله، وفضح المؤرخين أيضا.

هذا كان الهدف الأساسي من "الثابت والمتحول". وإذن فالتاريخ الحقيقي للعرب هو تاريخ التحول وليس تاريخ الثبات. وهذا ما يجب أن يعيه جميع المسلمين. ومن الخطأ القول إننا على مدى 14 قرنا لدينا 4 فقهاء فقط: الشافعي، أحمد ابن حنبل، أبو حنيفة، والإمام مالك. والبقية كلهم تابعون لهذا الفقيه أو ذاك. أي أنهم لم يقدموا شيئا جديدا، بينما علميا ومعرفيا صارت لدى المسلم إمكانيات يستطيع بها أن يكون أعمق وأكثر تفقها من أي إمام سابق، مع احترامنا الكبير لهم جميعا كعظماء في عصرهم. والفقه هو التعامل مع الزمن. فإذا كانت القاعدة الفقهية قائمة على الزمنية - أي على المشكلات الناشئة في الأزمنة المختلفة- فبالأحرى أن يكون عندنا فقه جديد يدرس المشكلات الناشئة اليوم.

الثابت والمتحول أشار إلى كل هذا ودرسه. وهذا ما جعل كل هواجس العرب تتمركز حول السلطة، لا شيء في المجتمع العربي غير السلطة، وما حولها ومَنْ حوْلَها، أي السلطة والهيمنة والمال والتجارة والعمل السياسي. همش العمل الثقافي تماما، بمعنى أنه ارتبط بالفقه، ونعرف أن الخلافة انتهت في صورتها العثمانية سياسيا، لكن ثقافتها تواصلت وظلت مستمرة مرتبطة بالسلطة. السلطة مثلت الثبات، والثقافة العميقة الهامشية الصوفية الثورية القرمطية مثلت هذه الطاقة الهائلة داخل المجتمع، والمتحولة باستمرار. أنا ركزت فقط على الجوانب الخلاقة في التراث والشعر والحياة العربية.

وهكذا الكتاب 12 جزءا في أربعة مجلدات في كل مجلد منها 3 أجزاء.

بيار: كيف يقرؤه القارئ، هل يستعمل عقله؟ وحينذاك أين الشاعر؟ أم حسه؟

أدونيس: أولا هل أنت تستعمل عقلك خارج حسك؟ العقل شيء، والعقلانية شيء آخر. الكائن وحدة لا تتجزأ بحيث يبدأ العقل هنا وينتهي الحس هنا.. العقل انفجار كلي وشامل لجميع هذه الملَكات والطاقات عند الإنسان. وتسميته بالفكر أحب إلي من تسميته بالعقل؛ فالعقل شيء آخر. الفكر وحدة لا تتجزأ، بالحس والمخيلة وغيرهما.

لذا أعود وأكرر:ليس في العالم كله شاعر كبير إلا وهو مفكر كبير. فإذن أنت تقرأ بفكرك، لكن هذا الفكر هو ذاته حواسك، وهو لا وعيك، وهو وعيك أيضا. الفكر شامل. ولم لا تكون للعقل متعة أيضا كأي طاقة أخرى!

altمشكلة الشعر ليست مشكلة شعرية؛ بل هي اجتماعية ثقافية. هي في الثقافة وفي المجتمع، وليست في الشعر ذاته. هذا من جهة، ومن جهة ثانية بناء على ذلك أنا أحترم القارئ كثيرا، وأريد منه، أو أحرضه لكي يكون خلاقا هو أيضا، لا مجرد متلق. يجب أن يكون خالقا آخر كقارئ يتفاعل مع النص، لتكون القراءة نوعا من الإبداع والخلق، لا نوعا من التسلية واللهو.

أنا لا أفرق بين الفكر والحس والوعي واللا وعي، إلا في الدرجة. حينما تعلو الدرجة الفكرية، أو تهبط، أو حين تتساوى بالشعور أو اللا شعور.. إلخ.

الفكر جزء لا يتجزأ من الجسد، والجسد هو المفكر الأول بكل طاقاته؛ الذهنية والحسية واللا شعورية، وحين نجابه قصيدة يجب أن نجابهها بهذا المستوى. نجابهها بالجسد كله، أي بثقافتنا كلها.

____________

 

* نقلا عن قناة الميادين.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 1 زائر  على الموقع