برنامج "اجماعه" (ح1)
الأربعاء, 21 فبراير 2018 08:22

 

altالإعلامي أتقانا ولد النامي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ ما زلنا في هذه الجلسات نواصل رحلتنا بين رجال الفكر والأدب والثقافة من أبناء هذا الوطن العزيز. والليلة حططنا الرحال ضيوفا على أحد هؤلاء الرجال.. أقول لكم: حقوقي ناضل ودافع عن قضايا أمته، وعن المبادئ السامية للإنسانية، فلا أكون كاذبا.

وأقول لكم: عرفتموه في قاعات المحاكم محاميا من الطراز الأول ويكون هذا صحيحا أيضا.

وأقول لكم: كاتب له عدة إصدارات مليئة بالفائدة والإمتاع والمؤانسة والسلاسة فيكون هذا - بحمد الله- ثابتا أيضا.

وأقول لكم: شاعر باللهجة الحسانية وبالفصحى، له دواوين من بينها الديوان الذي قدم له الشاعر أحمدُ ولد عبد القادر وشهد له فيه بأنه أول من قال القصيدة الحرة في هذه البلاد، فيكون هذا صحيحا، لأن "الكاذب يبعد شهوده".

وأقول لكم إنــــه القـــائل:

مندرتي يــــــــكان أرَبان ** ولَّ گبلُ كــان انجـــــــبنان
ولَّ يكان الكفـــــــيه كان ** والبال أول أحـمد يــــــورَه
والشيخ أفتيان البـــــظان ** التصدق فيهم ذي الصورَه

فيهم واحد شاف ال شفت ** افدار افلــــخلَ مهــــجورَه
نبكي وانظل انَّبَّش تــحتْ ** امناصبْهَ كيـــــف احموره.

ويكون هذا العزو ثابتا كذلك.

نحن الليلة في ضيافة الحقوقي والمحامي والشاعر الأديب محمدٌ ولد أحمدو بنبه ولد إشدو ولد أحمد ولد يا عبيد، وإذا كان المرء بمحضر الكبار كان الكلام لهم.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الأستاذ محمدٌ ولد إشدو: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

مرحبا بكم ضيوفا، ومرحبا بكم أنتم بصفتكم الخاصة.

في الحقيقة لم أكن متهيئا – وخاصة هذه الأيام- لهذا البرنامج، لو لم يكن معي فيه شخص مثلكم، مثقف، و"امغني" بالتأكيد؛ قد وقفت على إنتاجكم الأدبي، وأديب.. فقد شاهدت لكم برامج متميزة أخص منها حلقة استحسنتها جدا معدة عن المرحوم محمد سعد بوه ولد آده.

كل هذا دفعني للاستجابة وإن لم أكن على استعداد لهذا البرنامج؛ خصوصا هذه الأيام بالذات. ومرحبا بكم.

تفضلوا.. أنتم في داركم.

أتقانا: مرحبا وسهلا. نحن في مثل هذه المجالس، وإذا كنا مع أمثالكم نحرص على الاستفادة من هذه السانحة، من هذا الأدب، وهذه الثقافة من جميع مناحي حياة وتطور هذا الأدب الحساني الذي كانت هذه البلاد – ولا تزال- تتعاطاه.

ما ذا تقولون – أستاذنا الكبير- عن هذا الأدب الآن، هل ينبغي السعي للنهوض به، أم تراه وصل إلى حد غير قابل لذلك؟

ذ. إشدو: بسم الله الرحمن الرحيم.

أنا لم أكن قط من أهل اليأس، لأنه "لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس" خصوصا وأنني أرى محاولات جادة للنهوض، وأنه ممكن، وهناك فعلا تباشير للنهضة، وينبغي أن ننهض بأدبنا. ولكن هل يشكل الأدب في حد ذاته إحدى ضرورات الحياة بحيث "لو لم نجده عليها لاخترعناه" كما قال نزار؟ ذلك ما أرى أنه ينبغي أن يكون موضوع الحديث.

أتقانا: جيد جدا، فعلا.. إذا نظرنا إلى سلفنا الذي كان فيه الكثير من الأدباء المنتجين بالفصحى والحسانية - وأنتم أدرى- نجدهم لا يهملون مناحي الحياة الأخرى، ولم يعتمدوا على الأدب كوسيلة عيش وبحث عن المنافع فقط؛ وإنما وظفوه ضمن منظومة من الأخلاق، يقدمونه نصائح وتوحيدا وسيرة نبوية وأحكاما فقهية.. أي أنه ليس للاستغلال دائما. يمكن أن يوظف في الكثير من المجالات المفيدة للتنمية والمفيدة بشكل عام. أليس كذلك؟

ذ. إشدو: فعلا.. فالأدب عموما - يا سيدي- حكمه واحد، والأدب الحساني قد يكون أكثر التصاقا بالمجتمع البيضاني في موريتانيا بشكل أساسي.

ما معنى أن حكمه واحد؟

معناه أنه محكوم ببيتي أبي تمام الخالدين:

ولولا خصال سنها الشعر ما درى ** بغاة العلى من أين تؤتى المكارم
يُرى حكمةً ما فيه وهْو فــــــكاهةٌ ** ويقضي بما يقضي به وهْو ظالم!

فكل ما يقرره الأدب ماض (كالقاضي!) هذا حكم الأدب في المجتمعات العريقة والمجتمعات العالمة والمجتمعات الأديبة.

وهنا أود – ولا أدري هل حان وقت ذلك- أن أشير إلى أني لقيت مرة أحد شباب العصر ممن يهتمون بالعلوم – وهي إيجابية فعلا ومفيدة- وأنا مع ما سبق أن قيل في أهمية العلوم في هذه البلاد.

قال لي الشاب: أصارحك بأني لا أحب الأدب. قلت له: إنا لله وإنا إليه راجعون. وأنا أيضا أصارحك بأن في الحياة طريقين فقط: الأدب أو قلة الأدب! ولا يوجد طريق ثالث!

وفي الحقيقة الأدباء والمثقفون.. وعند ما أقول: "الأدباء" أعني بهم الأدباء الحقيقيين؛ لا أعني أي متعلم ولا أي ناظم ولا أي هاوٍ.

الأدباء الحقيقيون هم سادة العالم وقادته وموجهوه الذين لا تندثر أبدا أقوالهم ولا ذكرهم. كنت في لبنان مرة فسألتني مندوبة مجلة كويتية: من أكثر الشعراء المعاصرين حضورا في موريتانيا؟ فقلت لها: المتنبي! فقالت لي: المتنبي غير معاصر! قلت لها: أهم شاعر عندنا هو الشاعر أحمدو ولد عبد القادر، ولا أكْذِبُك لو قلت إن المتنبي يفوقه حضورا مع تقادم عهده!

هذه وجهة نظري آنذاك، وأظنها وجهة نظر كل الأجيال.

لولا المتنبي وأبو تمام والبحتري وأمثالهم لما كان بالإمكان الحديث عن العرب، كما أنه لولا هوميروس لما أمكن الحديث عن الإغريق، ولولا كرماني وطاغور لما أمكن الحديث عن الفرس والهند، وقل عن الصين نفس الشيء لولا كونفوشيوس ولوسين، وروسيا لولا ماكسيم غوركي وتولستوي، وكذلك الإنغليز لولا شكسبير، والفرنسيون لولا فيكتور هوغو وموليير وأمثالهما؛ خصوصا روسو وفولتير. ما ينطبق علينا ينطبق على الناس.

الأدباء الحقيقيون – لا أعني الزائفين- هم سادة العالم، وهم قادته، وهم مفكروه، وهم موجهوه الأبديون. يكون أحدهم قد مضت عليه ألف سنة ومع ذلك تظل أقواله نبراسا للناس، وهذا ما عبر عنه أبو تمام في بيتيه الآنفين.

فالأدب هو روح المجتمع ووقوده!

نصل إلى حالتنا نحن. نحن – يا سيدي- كانت في بلادنا إمارات.. فمن أقامها؟ من أنشأها؟ من نظمها؟ من سيَّرها؟ من وجهها؟ من خلد أمجادها ورسم منظومة الأخلاق الفاضلة التي تحكمها؟ غرظو، اعلي انبيط ولد حيب الله، سيد أحمد ولد آوليل، سدوم ولد انچرتو، البو واعلي ابنا مانو، وولد رازگه، وولد مبارك ولد يمين.. وأمثالهم.

هؤلاء هم منشئوا الإمارات. سدوم ولد انچرتو مثلا كانت تتشاركه ثلاث إمارات (أو أربع: إدوعيش، أولاد امبارك الشرقيون، أولاد امبارك الغربيون، أولاد امحمد البركنيين)

ما هو أول ما نظمه سدوم؟ إنه (يسمى تفرغ زينه):

فرص آفگراش انجوع أگيل ** أخيار الحله واَتْيَــــسْهَ
ماهي فرص آفگراش ابخيل ** إدوَّر بَاش إرخــــــسه
نعرف يوم امْنْ أيام الــــويل ** نفـــستُ فــــيه أنفَّـسهْ
هو نفــــسه بـــــيه ارجـــيل ** اُهي زاد اطويل انفـسه
فامنين اتحــــجل بيه اتمــيل ** عن بل الباس إكركـسه
فابلدهَ ذاك إلـــــين اتشــــيل ** ماهْ اعل مُرَاد انفـــــسه
الا گط اگبيلت شـرح اخليل ** اعـــــل مُـــدارَ نقـــــسه.

وهو القائل لهنون في "اتهيدينة" أخرى:

آفگراش انجوع انقـــــــيوان ** شيخ انزايله واحــــلله
بيه اتشومي لرض السيحان ** إرحـــــله وانــــــــــزله
واغلظه واكـــــبره ديــــوان ** وافگرشه واَســـــطفله
واطربه تو اللــــعب أكـــان ** افمصــــيبه يتــحــــمـله
الخيل الحرات ألظـــــــعان ** وارباب المــــلك امگـدله
امَسْلَ ذابحه في الكـــرعان ** فرظ اعل امبارك يوكـله.

وفي "اتعرگيبة" هذه "اتهيدينه" يرسم خطة أولاد امبارك في الحياة:

والخيل إلى غلبت تزيان ** والى ما غلبت لا يشگيك
إتم اعياط الخوف اگران ** وامخاليق الَّ فِيَّ فـــــيك

وازعيم امـــبارك رَجَّالُ ** يالداحستك لاه انوصــيك
اشياخت عمُّ واخــــــوالُ ** واشياخت بوه أجدُّ ذيــك

أخــــــير ألا تُخَـــــــلالُ ** كان ابن عم اهدَ يهـــديك
هــــــو گالـــعه بافـــعالُ ** وابْــــذِ ولَّ ذِ ولَّ ذيــــك.

وفيما يخص أهل أعمر أيضا حين جاءهم:

مير اعرب تـــزلاط ** أگــي وراط
وانيزرگ وانتشماط ** باسّمع شاع

(أحمد ديه صلـــباط ** جيل لنــباط
سلســـــلة تنــــــباط ** سر لُ گاع)

.. رسم أحمد ديه.

أضف إلى ذلك "أم ارثم" التي قالها في حصار احنيكات بغداد، وأبدع فيها وخلد صمودهم في الحصار.

إذا اتجهت إلى الجانب الآخر (أولاد امبارك الغربيين) تجد "اتهيدينته" التي يقولها في سيد أحمد ولد محمد ولد اللب:

گرو أگديگه وابَـــــزَار ** اكامور أهــــذاك المطـــراح
كيفـه واسويّـح فانُــتـار ** ولـول وأوهام والبحــــباح
خيـرن وامحاوز لبيــار ** ذوك اديار أولاد الفــــحفاح.

سدوم هذا قدمته لك نموذجا على قوة تأثير الأدباء يومئذ. (ويقول "اتهيدينات أخرى لأولاد امحمد البركنيين، كتلك التي مطلعها:

حلة أولاد امحمد لقنات..).

الخُ ولد مانو هو قائل "اتهيدينة" غسرم في الأمير أعمر ولد المختار:

مرحبتي بيك يلِّ كيدك أخير ** في الشر من كيد الِّ خاطيك

سيد أحمد ولد آوليل هو صاحب "اطلع الرسله" إلى سيد أحمد ولد المختار:

رسلت ازعــــــيم أولاد أُدَيْ ** تحــــفل انظـــــــيم الدَّوَّاي
اُگطــــعت امـعاه اعناد الزي ** أكان مگطــوع افـــــلودايَ
رسلت الضرغام الهــــــزبر ** لارجو فاسْــــخاه اتعـــبر
باش عن نظـــراه اتكـــــــبر ** اُجدد العهد اللـــــــــولاي
بالف من لعـــــــرب معــــبر ** كان ظــــل الــدم اشــلايَ

رسلت أرجل صعدت كرصَ ** لارجو عادت لي فــرصَ
جيش گرص وگـــــتن رَصَّ ** گيمُ مبـــظوع احــــــفاي
ألَيْنْ ابلــــعص مـــن يعــص **اگام بيه مـــــول اظـرايَ.

.. إلخ، فـ"اطلع الرسله" عديدة لا أريد أن أطيل عليك بها.

 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع