"مواهب في غياهب الإهمال".. ولكنـها واعدة!
الاثنين, 20 فبراير 2012 13:49

altكلمة في الندوة التأسيسية لمنتدى الشعراء الشباب

تحية إليكم أيها الشعراء الشباب، وإلى جميع عشاق الكلمة المجنحة..
من خصائص أزمن الاستبداد العسكري والقهر والانحطاط، التي طحنتنا ثلاثين سنة، و"مآثر" مناهجها الدراسية البالية البائسة المتعفنة، أن لا يفكر المرء - إلا نادرا - تفكيرا جدليا سليما؛ وأن يحشره القهر والجهل والإقصاء في حيز ذاتي ضيق لا يرى منـه إلا ما هو مباشر وآني وتافه. وإذا ما قدر له – بمعجزة - أن يلتفت إلى الشأن العام، فإن رؤيتـه

 لا تستوعب - في الغالب - إلا جانبا واحدا من الظاهرة: كأن يرى الحرية دون النظام، والديمقراطية دون المركزية، والحق دون الواجب، والجوهر دون الشكل، والأبيض دون الأسود، أو العكس.. الخ؛ فتظل نظرتـه إلى الأشياء وحيدة الجانب، سقيمة، قاصرة عن إدراك كنـهها؛ وبالتالي فلن تؤدي الحلول التي يقترحها إلى نتائج إيجابية.
خطرت في ذهني هذه الفكرة وأنا أتأمل شعار ندوتكم التأسيسية، التي تنعقد في ظرف حاسم وواعد: "مواهب في غياهب الإهمال"! فتساءلت - رغم اعترافي بصحة هذا الشعار الدامي- من المسؤول عن ذلك؟! وماذا نستطيع أن نقدم لهذه البراعم الحالمة بالنور؟ وماذا عليها هي أن تقدم لمجتمعها؟
أكيد أنكِ - أيتـها المواهب الشابة المطمورة "في غياهب الإهمال"- تستحقين على المجتمع وعلى نخبتـه - كل من موقعه - وضع حد للإهمال المنوه عنـه، وتوفير الرعاية، والعون المناسب، والأخذ بيدك - دون وصاية أو أبوة - إلى بر الأمان، وأن لا تُترَكي سدى عرضة للضياع والتسكع والجنوح.. وهذا الحق يجب أن يجد ترجمتـه – عمليا - في سلوكنا اتجاه الشعراء الشباب، وفي سياساتنا وبرامجنا الثقافية.. إن كانت.
ولكن، هل من العدل أن ننسى أن عليك واجبات أيضا!
وأهم واجباتك أن تكوني عند حسن الظن بك، فلا تخذلي مجتمعك الذي يحتاج إليك رافدا من روافد النـهضة والحرية والكرامة، بدل أن تكوني أداة تخدير وتضليل في يد جلاد أو مصاص دماء.

أيها الشعراء الشباب؛
إنكم شعراء، و"الشاعر صديق الحق" خاصة إذا كان شابا. فاصحبوا الحق، وانبذوا الباطل، وخذوا ممن سبقوكم أفضل ما لديهم. وتعلموا من الشاعر كرماني( ) الذي يحدثنا عنـه غوركي( ) في هذه الملحمة الرائعة: "تيمور لنك( ) - ويا للذكرى الكئيبة - أقام يوما احتفالا في وادي كانجولا الذي أطلق عليه شعراء سمرقند اسم وادي الأزهار. وكانت منائر المدينة الكبيرة الزرقاء، وقباب المساجد تتراءى للناظر من الوادي؛ حيث انتثرت على شكل مروحة، خمسة عشر ألف خيمة كأنـها خمسة عشر ألف سوسنة، وفي الوسط نـهض خباء تيمور لنك. كان الخباء مربع الزوايا، يقوم على اثني عشر عمودا من الذهب، وكانت جنباتـه مصنوعة من حرير مقلم، يثبتـه إلى الأرض خمسمائة حبل قرمزي، وتقف عند زواياه أربعة نسور فضية، وتحت القبة، على دكة وسط الخباء، جلس النسر الخامس تيمور غوروغان، ملك الملوك، نفسه؛ وكان وجه الفاتح الأعرج أشبـه بسكين عريضة النصل، صدئة بالدم الذي أغمدت فيه آلاف المرات. وكانت عيناه فتحتين ضيقتين، بريقهما أشبـه ببريق الزمرد البارد، ومن أذنيه يتدلى قرطان من جواهر سيلان، في لون شفتي عذراء بارعة الجمال.
وفي أرض الخباء، على سجاد لا يضارع روعة وبـهاء، انتصب ثلاثمائة إبريق ذهبي من أباريق الخمر، وكل ما يليق باحتفال ملكي. وخلفه جلس الموسيقيون، وعند قدميه جلس أنسباؤه وجماعة من الملوك والأمراء والزعماء، وكان أدناهم إليه كرماني، الشاعر الذي سأله تيمور وقد أخذه العجب بنفسه:
- يا كرماني، بكم تشتريني لو عرضت في سوق البيع؟
فأجاب كرماني قائلا: بخمسة وعشرين دينارا.
قال تيمور في كثير من الدهش:
- ولكن حزامي وحده يساوي هذه القيمة!
فأجاب كرماني: إنما كنت أفكر بحزامك وحده؛ لأنك أنت نفسك لا تساوي فلسا واحدا.
هكذا خاطب الشاعر ملك الملوك، رجل الهول والشر تيمور لنك. فليرفع مجد الشاعر، صديق الحق، فوق مجد تيمور لنك. فلنسبح بحمد الشعراء الذين لا يعرفون غير كلمة الحق الجميلة التي لا تـهاب"( )

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع