من تاريخ الكادحين (15)
الجمعة, 14 مايو 2021 07:47

 

بدن ولد عابدين (رحمه الله)     

altحل بالعاصمة انواكشوط من الثاني إلى الرابع من شهر فبراير سنة 1971 الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو ضيفا على فخامة المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه، خُصّصَ للضيف الكبير استقبال مشهود اصطف فيه الجمالة على جنبات الطريق وتجمهر المواطنون وأطلقوا الزغاريد وضربوا الطبول فرحا بالزعيم الفرنسي، وبينما كان الأمر على هذا المنوال إذ حدث ما لم يكن في الحسبان! شابٌ نحيف في عينيه بأسٌ وتصميم في قلبه شجاعة الأسد يُصيبُ الضيف المبجل برميةٍ لم تُخطئ هدفها!

الشاب الهداف اسمه لمرابط ولد حمديت، وما قام به احتجاجٌ على الزيارة وعلى الوجود الاستعماري في البلاد. حدث الأمر عصرا أمام عدسات الصحافة الفرنسية ولما جنّ الليل ووقع الشاب الجريء بين مخالب جلاديه تسطرت قصة اختلف الطرفان (الكادحون والحكومة) على مدلولها لذا نُقدم لكم فيما يلي الروايتين كما وردتا في مقال نشره أحمد محمود الملقب جمال في صحيفة "القلم" نعيا للراحل المرحوم لمرابط ولد حمديت. ويقابله نص ما أورده المرحوم المختار ولد داداه في كتابه "موريتانيا على درب التحديات" (الصورة).

وداعا لمرابط حمديت

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}

صدق الله العظيم.

استقبلت مدينة انواكشوط عام 1971 في عزّ الاحتجاجات على نظام المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه، الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو. حيث اصطفّ على جنبات شارع جمال عبد الناصر الرابط بين المطار وبين القصر الرئاسي ركاب الإبل ومتطفلون لا هَمَّ لهم وجمهور غفيرٌ حضروا استقبالا للزائر وليخصصوا له احتفالا جمع الحفاوة والاحتجاج من قبل طيف من السكان جُلّهم شباب مناهضون صراحةً "للاستعمار الجديد وأذنابه" كان ضمن الجموع طالب في الثانوية نحيف الجسم متشبعٌ بالأفكار الثورية، اندسّ بين الصفوف ليستقبل - على طريقته- الضيف الكبير!

وقد استطاع هذا الشاب أن يرمي بيضةً على بومبيدو الواقف جنب الرئيس المختار داداه في سيارة مكشوفة. وقع الأمر الغريب تحت أَعْيُن الصحافيين والمصورين وعدسات التلفزة الفرنسية! وعلقت الصحيفة الفرنسية الساخرة لكنار آنشينيه على الحدث بكاركاتور كتبت تفسيرا له "هذه هي الديكة التي باضت على بدلة بومبيدو في انواكشوط"!

وأظهر الموضوع للعالم حجم معارضة نظام المرحوم المختار داداه والوضع المزري الذي يرزح فيه معتقلو الرأي.

ولما اعتُقل المتهم واقتيد إلى السجن روى لزملائه في النضال، بأسلوبه الساخر قصة البيضة ورميها على بومبيدو! فقال: "خلال الاستجواب سألني المحققون عن من ألقى البيضة؟ أجبتهم: أنا من رماها. ومن هي المنظمة المصدر لمثل هذا الفعل؟ قلتُ وهل سمعتم بمنظمة يقتصرُ برنامجها على رمي البيض؟

لم يُقٍنِعِ الجواب المحققين فشرعوا في حصة التعذيب! عندها اقترحتُ عليهم توقيف العذاب وأن يسقوني ماءً ويُقدموا لي طعاما واعدا بقول
الحقيقة ولا شيء غيرها فقبلوا الحل المقترح.

وبعدما نلتُ قسطا من الراحة أجبتهم صراحة:

اشتريتُ البيضة من بقالة لبنانية بخمسِ أواقٍ وانتظرت في صفوف المستقبلين للموكب الرئاسي وعندما بلغ مستواي رميته بالبيضة لأتمتع بمنظر السائل الأصفر يتصبب على بدلة بومبيدو الزاهية!

ذلكم هو عام البيضة كما جاء في مدونة البيظان! وكان راميها المرحوم بإذن الله لمرابط ولد حمديت: حقوقي وموظف نزيه، أيقونة الحركة الوطنية خلال السبعينيات من القرن العشرين.

وقد صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم 28 أغسطس 2010 يلفها الوقار وتُزيّنها الرزانة، بعد صراعٍ مريرٍ مع المرض.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

كتبه أحمد محمود أحمدو (جمال لقبًا)

صدر في صحيفة القلم، سبتمبر 2010 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 8 زوار  على الموقع