| حتى ولو سقطت بغداد! |
| الجمعة, 08 أبريل 2016 08:30 |
|
"يا تراب الحسين.. نحن عَوَّدَنَا كُلُّ تاريخنا، أن يكون بأعناقنا الموت دين. ولأولادنا فوق مروءتنا، ونبوءتنا، أن آخر شمس ستشرق، من شمس بابل. وبعدها يرفع الملكوت. فإذا استشهدوا.. فكما يعلو النسر قمتـه ليموت.. لا كما تـهوي العنكبوت".1
.. ووقعت الواقعة.. غزت جيوش مغول العصر: أمريكا وبريطانيا أرض العراق، منتـهكة شرائع السماء والأرض، ومتحدية العالم أجمع! زعم الغزاة أنـهم قادمون لتحرير العراق! زعموا أنـهم خارجون في نزهة تستغرق يومين أو ثلاثة، يستقبلهم خلالها شعب العراق "المحرَّر" بالورود وأكاليل الغار.. ثم ينصبون جنرالا أمريكيا "ملكا" أو حاكما للعراق! زجوا بأكثر من ثلاثمائة ألف جندي، وآلاف الدبابات والطائرات وحاملاتـها، وبالأساطيل في المعركة! ضربوا العراق – لحد الأسبوع الثاني- بأكثر من ثمانية آلاف قنبلة تزن كل منـها طنا، فيها العنقودية والانشطارية وكروز وغيرها مما هو محرم دوليا! ذبحوا وجرحوا في الأسواق والحارات والمدارس والمستشفيات والسيارات والحافلات المدنية، آلاف المدنيين العزل أطفالا ونساء وشيوخا في محرقة عصرية تليق بمجد رعاة البقر! ورغم كل ذلك، تم تمريغ جبروتـهم واستكبارهم في الوحل: قتلوا، أسروا، أذلوا، أسقطت طائراتـهم، دمرت دباباتـهم وعرباتـهم المصفحة.. تقهقروا، أرغموا على مراجعة حساباتـهم وخططهم، طلبوا النجدة والإمدادات، ولم تحقق جيوشهم لحد اليوم 17 من الغزو أي نصر يذكر. ليس سوى العراق
ينزف الدم العربي والإسلامي ويسفك، منذ عقود، بقرار واحد ومال واحد وسلاح واحد "صنع في أمريكا" سيدة العرب وحبيبتـهم! هل هي حرب صليبية أو حضارية كما يدعي الأمريكان، أم غزو استعماري هدفه إبادة الغير واحتلال أراضيه ونـهب ثرواتـه الهائلة، أم مزيج من هذا وذاك؟ مهما يكن الأمر، فإن الغزو وما يجلبـه من قتل واحتلال وتدمير، يولد المقاومة والحقد والكراهية! والدم ينادي الدم! لقد بدأ الدم الأمريكي ينزف، ومعه دماء كل الغزاة.. وسيستمر هذا النزيف أمدا طويلا حتى تنزل أمريكا عن العرش وترحل! الآن يسجل التاريخ بأحرف مضيئة في أنصع صفحات المستقبل أنـه ليس سوى العراق على وجه البسيطة، منذ نـهاية حرب فيتنام، من قال لا قاطعة صريحة نـهائية للطغيان الأمريكي، وتحدى جبروت أمريكا، وقايضها الدم بالدم والنفس بالنفس والعين بالعين.. ومرغ هيبتـها وكبرياءها في الوحل! لا يوجد مجال لمقارنة قوة الغزاة بقوة العراق. ومع ذلك فإن انتصار جيوشهم الجرارة الوشيك، خاصة في ظل تقاعس العرب والمسلمين ونكوصهم في معركة المصير وخذلانـهم للعراق، لن يكون حاسما أبدا؛ فشعب العراق لن يوقع صك الذل ولن يسجد لغير الله.. وسيقاوم وينتصر، حتى ولو سقطت بغداد!
حتى ولو سقطت بغداد..
من الخطأ اعتقاد أن بغداد لن تسقط! أو مطالبة العراق المدمر المحاصر المخترق بصد جيوش أمريكا وبريطانيا وعملائهما في مواجهة نظامية؛ بينما العرب والمسلمون "هاهنا قاعدون"! فذلك يعني السباحة في الأوهام، ومطالبة العراق بما لا يملك! يكفينا أن العراق رفض الاستسلام لأعتى قوة في الأرض، وصمد في وجه الغزاة كل هذا الوقت، وما زال يقاوم.. ولكن من الخطل أيضا الاعتقاد أن سقوط بغداد يعني نـهاية حرب هو بدايتـها! فسقوط بغداد وتدميرها، وإبادة شعب العراق، في فجر الألفية الثالثة، تحت سنابك غزاة أجانب محتلين حاقدين أمريك وإنگليز ويهود صهاينة، إنما هو بداية تاريخ، ومؤشر سقوط منظومة بكاملها أهمها: *هيمنة أمريكا، وحضارة الغرب التي تجردت من كل مسوحها، وتوحشت على يد بوش، فأصبحت همجية غازية رسالتـها العدوان والقتل والاحتلال والنـهب! *الأمم المتحدة ومجلس الأمن اللذان أصبحا إسطبلا مهجورا في حديقة الأمن القومي الأمريكي! *الأنظمة العربية الفاسدة المتواطئة مع الغزاة والصهاينة؛ وكذلك جامعتـها التي تفرق ولا تجمع! *إسرائيل وكويت ربطا مصيرهما بالغزو الأمريكي وشكلا جسر عبوره إلى المنطقة ودعائم وجوده فيها.
لاءات الشعب
في تاريخنا احتل المغول بغداد ودمروها وأبادوا أهلها.. ثم أخرجوا منـها صاغرين! واحتل الصليبيون القدس وعاثوا فيها فسادا قرنين كاملين.. ثم أخرجوا منـها صاغرين! وبريطانيا.. وفرنسا.. ...... وفي حزيران 67 هزمت جيوش العرب، وسقطت القدس وجثت القاهرة ودمشق في ستة أيام. يومها كانت توجد أمة عربية، وأنظمة عربية، وجامعة عربية. يومها سقطت الجيوش والعواصم وبقيت الأمة. هب الشعب العربي في كل مكان رافضا الهزيمة. وانفجرت حركة تضامن عربية لا مثيل لها، واجتمعت قمة عربية في الخرطوم أعلنت لاءات الخرطوم، ورفضت الهزيمة! هنالك بدأ الصمود، وحرب الاستنزاف، والمقاومة، وإرهاصات انتقام أكتوبر. اليوم، بسبب سياسة الخنوع لأمريكا، لا توجد أمة عربية، ولا أنظمة عربية، ولا جامعة عربية؛ إنما يوجد شعب عربي أبي. وهذا الشعب وإن كان ما يزال مكبلا وعانيا في أجزاء كثيرة من وطنـه، فإن تداعيات الحرب وفداحة الخطر المحدق بـه كالحريق ستساعد في تحريره! وهو القادر وحده على رفع التحدي ورفض الهزيمة. فليقل الشعب العربي لا..مدوية للاستعمار الأمريكي، ويرفع راية مقاومتـه الشرسة في كل مكان من الأرض. "ليخرج بيروس من الجحيم، وليلطخ شارتـه السوداء الرهيبة بشارة أكثر شؤما: اللون الأحمر البشع يغطيه من رأسه إلى القدم، ودم الآباء والأمهات والبنات والأبناء جمده وأنضجه لظى الشوارع.. وليتلمس طريقه إلى بريام الأب الذي تمرد على ذراعه سيفه العتيق. اغربي، اغربي يا ربة الحظ الداعرة! وأنتم أيها الآلهة جميعا، لتتوحد كلمتكم، ولتسلبوها ما لها من سلطان! حطموا كل قضبان عجلتـها وإطارها". (شكسبير: هاملت) انواكشوط 5 /4 /03 (من كتاب أزمة الحكم في موريتانيا) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- عبد الرزاق عبد الواحد. |
