رحلـة الشتــاء (ح 15)
الأربعاء, 13 فبراير 2013 15:45

 

إرادة الحاكم هي القانـون!

altيوم 24/ 12/ 1998

هذا يومهم الثامن في الأسر! ولا يزال "مركزهم القانوني" مجهولا. وسيظل كذلك. إنها جريمة نكراء! فالسلطة لم تبلغهم قط أي إجراء قضائي أو إداري يضفي ذرة من شرعية على خطفهم وحبسهم ونفيهم.

(ومع ذلك، فسوف يجد متصفح الجريدة الرسمية اليوم، أن مرسوما بشأنهم صدر عن مجلس الوزراء يوم 24/ 12/ 1998 ونشر في العدد رقم 943 بتاريخ 30 يناير 1999، أي بعد الإفراج عنهم بنصف شهر! وفيما يلي نص المرسوم وبعض الملاحظات عليه:

"مرسوم رقم 98 ـ 920، صادر بتاريخ 24 ديسمبر 1998 يقضي بفرض الإقامة الجبرية على بعض الأشخاص.

المادة الأولى: يخضع للإقامة الجبرية، لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، الأشخاص التالية أسماؤهم:

ـ أحمد ولد داداه، اقتصادي، مولود سنة 1940 في بوتلميت،

ـ محمذن ولد باباه، أستاذ متقاعد، مولود سنة 1935 في أگجوجت،

ـ محمدن ولد إشدو، محام، مولود سنة 1947 في المذرذره،

المادة 2: تتكون لجنة التحقيق المنصوص عليها في المادة 6 من القانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير1960 من:

ـ وزير الداخلية والبريد والمواصلات، رئيسا.

ـ وزير العدل.

ـ نائبين يعينهما رئيس الجمعية الوطنية.

المادة 3. ـ يسري مفعول هذا المرسوم من تاريخ 17 ديسمبر 1998.

المادة4. ـ يكلف وزير الداخلية والبريد والمواصلات بتنفيذ هذا المرسوم الذي ينشر بطريقة الاستعجال وفي الجريدة الرسمية".

إرادة الحاكم هي القانون في "دولة القانون"!

ثمانية أيام من البغي!

وبعدها، يصدر مرسوم بأثر رجعي - لم يبلغ لهم وكأنه لا يعنيهم- يخضعهم للإقامة الجبرية مدة ستة أشهر قابلة للتجديد! بينما هم خاضعون في الواقع للحبس المغلق والنفي!

.. مرسوم أسوأ من اللامرسوم! وإن كان لا يختلف كثيرا عن المراسيم والقرارات الصادرة عن مختلف الأنظمة المتعاقبة في الموضوع:

ـ فالقانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير1960 الذي سنّ بموجبه هذا المرسوم، يوجب في مادته الأولى - من بين ما يوجب- أن يكون قرار فرض الإقامة الجبرية معللا، وأن يتخذ على أساس تقرير من وزير الداخلية. وهذا ما لم يتم إطلاقا حسبما ورد في نص المرسوم.

ـ والقانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير 1960 الذي سنّ بموجبه هذا المرسوم، يجيز إصدار قرار بفرض إقامة جبرية في مكان بعينه، يخضع بموجبه من هو صادر ضده للمراقبة لا الحبس. والمراقبة - حسب نص المادة 3 من ذلك القانون- هي: التأكد من وجود الشخص المعني في المكان الذي حددت فيه إقامته وفق جدول زمني يحدده قرار فرض الإقامة الجبرية، إمكانية منع زيارته من طرف بعض الأشخاص، رقابة بريده. وقد أخضعوا رغم أنف القانون للحبس المغلق، ومنعت زيارتهم للجميع بمن فيه محاموهم، حسب شهادة مجلس هيئة المحامين الذي تجشم عناء السفر إلى بو امديد.

ـ والقانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير1960 الذي سنّ بموجبه هذا المرسوم، نص في مادته 4 على استفادة الشخص الذي فرضت عليه الإقامة الجبرية، واستفادة كافة أفراد أسرته من خدمات المسكن ولوازمه، وحصولهم على النفقة مجانا، ما لم يكن لديه دخل كاف، أو يجد في مكان إقامته الجبرية عملا يدر عليه دخلا. ولم يتم شيء من ذلك!

ـ والقانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير1960 الذي سنّ بموجبه هذا المرسوم، يوجب في مادته 4 أن ينص القرار القاضي بالإقامة الجبرية على منح كل تلك الخدمات أو بعضها. ولم يتطرق المرسوم إلى شيء من ذلك.

 ـ والقانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير1960 الذي سنّ بموجبه هذا المرسوم، ينشئ لجنة تحقيق مكلفة بإعطاء رأيها بعد فحص القرار المتخذ تطبيقا للمادة الأولى من هذا القانون، ويلزم وزير العدل بإحالة القرار وما يتعلق به إلى تلك اللجنة في ظرف 7 أيام من صدوره، وتعد تلك اللجنة تقريرا في أجل شهر بعد استماعها إلى الشخص الذي فرضت عليه الإقامة (المواد 5، 6، 7 و8). ولم يتم شيء من ذلك.

.. وأخيرا، لقد سلطت عليه سياط القانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير 1960 سيئ الصيت، واكتوى بناره خمس مرات: مرتين في عهد الرئيس المختار ابن داداه، ومرتين في عهد الرئيس محمد خونا ابن هيداله، ومرة واحدة في عهد الرئيس معاوية! وفيما عدا فترتي بو امديد وتجگجه من إقامته الجبرية الأولى سنة 1966 (لم ينفذ الإقامة الثانية) فإن الأجزاء الأخرى من تلك الإقامة، وكافة الإقامات التي تلتها في العهدين اللاحقين، كانت سجنا مغلقا وانفراديا أحيانا. كل حكامنا - بلا استثناء- حافظوا على القانون رقم 60. 017 بتاريخ 19 يناير 1960 الذي وضعه المستعمر استثناء، بدعوى "حماية" الكيان الموريتاني الوليد، وجردوه من كل مسحة إنسانية من شأنها - لو طبقت- تخفيف معاناة الضحية، وحولوه، من وراء ظهر القاضي والمشرع، إلى أداة قمع يصادرون بها حريات وحقوقا تصونها جميع القوانين والمواثيق الوطنية والدولية، ويحميها القضاء بقوة المادة 91 من الدستور.

* * *

أرسلوا في طلب حاكم المقاطعة. جاء الحاكم يرافقه الرقيب. صفتا الخنوع والطاعة العمياء تؤلفان بين رجلين لا يأمن أي منهما مكر الآخر. تعجل الحاكم مدعيا الانشغال، وطلب منهم الاتصال، مستقبلا، بالرقيب.

كان اليوم حارا نسبيا. خرج هو والأستاذ باباه بعد الإفطار، وجلسا مع الحراس أمام الكوخ:

 

وأكل الأستاذ باباه النبــق ** مع الحراس إنه نعم اللبق
وطلب الرئيس أن  تضمـدا ** جراحه لكنه ما وجدا!

 

صعد الكثيب المنتصب في واجهة الكهف. كان حارس المداومة يجلس على كرسي فوق الكثيب، محتضنا بندقيته. اتكأ هو على الكثيب قرب الحارس يتأمل نجوم السماء. كانت البروج تتسلق جبل "تباد" إلى عنان السماء. و"المشبوح" الذي طلع أول الليل، يتمطى في كبدها. بينما نسجت معه النجوم المتناثرة في سماء ديسمبر، كأضواء مدينة نواكشوط المتبعثرة، خيوط ألفة لم يعهدها في ليل الحضر. وراح قمير الليلة السابعة من رمضان يختفي وئيدا خلف الكثيب، حتى لم يبق منه سوى طرفي قوسه كمصباحي شاحنة رسبت بعيدا في لجج الرمال.

لما نهض فجر يوم 25/ 12/ 1998، كان عقد "المشبوح" قد انفرط على حافة التل وتناثرت درره.. انهارت فلول الظلام في وجه جحافل النهار الزاحف في مواجهة شرسة أعلن نهايتها البشير مؤذنا: الله أكبر.. الله أكبر.. أصبح ولله الحمد!

في هذا اليوم الأغر ولد سيدنا ونبينا المسيح عليه السلام منذ نحو ألفي سنة.

وهو أيضا ثاني جمعة يقضيها هو مستباحا في الأسر.. لا يعرف شيئا عما يدور حوله فضلا عما يعج به العالم من عواصف وتحولات هائلة. أسرته: أمه الحنون، زوجته الحبيبة، بناته؟ مكتبه المشهور؟ وطنه؟ أهله في العراق؟ تنهد وقال بصوت مسموع: "يا إلهي! أفي هذه الحقبة من تاريخ البشرية وفي بلد يدعي الديموقراطية ويتبنى حقوق الإنسان تمارس هذه الهمجية؟ تسعة أيام من الاختطاف والاحتجاز المطبق والاجتثاث من الوجود حتى لكأنهم أصبحوا من فصيلة الحيوان، وما أطيب الحيوان مقارنة بالإنسان المتوحش!"

 

في الحلقة القادمة: في رحاب سدوم

 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع