بيروت الوفاء للعروبة
الجمعة, 19 فبراير 2016 19:37

 

معن بشور    

altإنه لأمر متعدّد الدلالات والمعاني، أن تحتضن بيروت، وفي أجواء وداع الأستاذ محمد حسنين هيكل، فعاليتين عربيتين مهمتين في يوم واحد (19 /02/ 2016) أولاها في الصباح؛ وهي ندوة التواصل الشبابي الفكري العربي السادسة بعنوان "من شباب الأمّة إلى شباب الانتفاضة". والثانية في المساء؛ وهي الاحتفاء بأحد الرموز القومية العربية في الخليج وعلى مستوى الوطن الكبير، وهو الدكتور أحمد الخطيب أحد مؤسسي حركة القوميين العرب والعضو البارز في مجلس الأمّة الكويتي سابقا، وأحد أعمدة المنبر الديمقراطي الكويتي حاليا.

أولى الدلالات أن العروبة التي حملها هيكل، كاتبا وصحفيا ومقربا من رائد الحركة القومية العربية المعاصرة جمال عبد الناصر، ما زالت مرفوعة الراية، رغم كل ما واجهته، وما تواجهه، من حروب المتضررين من إبقائها قوية وشامخة، ومن أخطاء المحسوبين عليها والمستفيدين من وهجهها وجاذبيتها..

ثانية الدلالات أن العروبة، كما تثبت الفعاليتان المهمتان، ليست عابرة للأقطار والطوائف والمذاهب فقط؛ بل هي عابرة للأجيال أيضا، فإذا كان الدكتور أحمد الخطيب يمثل حكمة الشيوخ وخبرتهم وصلابتهم، فإن أكثر من 180 شابا وشابة من 19 قطرا عربيا يتلاقون في رحاب ندوة التواصل للعام السادس على التوالي، والآلاف غيرهم ممن يتلاقون في فيء مخيمات الشباب القومي العربي منذ 25 عاما، يمثلون اليوم حيوية الشباب وحماستهم.

ثالثة الدلالات أن فلسطين كقضية تختصر اليوم معاني العروبة كهوية جامعة للأمّة؛ بل كهوية تنطوي على مشروع للنهوض يرتكز على وحدة الأمّة واستقلالها وديمقراطية العلاقات بين مكوناتها، والتنمية المستقلة لاقتصادها، والعدالة الاجتماعية بين طبقاتها، والتجدّد الحضاري بكل ما يختزنه من تواصل متجدّد بين تراث الأمّة الروحي وبين روح العصر، وها هم شباب الأمّة يلتفون اليوم حول انتفاضتها الباسلة، وهي تدخل الأسبوع الثالث من شهرها الرابع يستمعون إلى شهادات عن الانتفاضة من زملائهم القادمين من فلسطين (وعددهم يتجاوز العشرين) ويناقشون فيما بينهم سبل احتضان هذه الانتفاضة الباسلة. ومع كل شهيد أو شهيدة من شباب فلسطين تزداد حيرة أركان العدو في مواجهة هذه الانتفاضة، كما يتفاقم ذعر سكان الكيان ومستوطنيه من اتساعها روحا وكما وعددا.

ورابعة الدلالات أن "التواصل" بين أبناء الأمّة بدءا من رمز كبير كأحمد الخطيب وصولا إلى أصغر شاب في هذه الندوة، هو نهج ثقافة وأسلوب عمل تنطوي في أعماقه جملة فضائل لا تنهض الأمّة بدونها..

فالتواصل مع الآخر - لا سيما مع أبناء أمّتك- هو أكثر من قبول بالرأي الآخر، والجماعة الأخرى، والفكر الآخر، إنه دعوة للتواصل معه في إطار من النقاش الحر، إنه أبجدية الحرية، والخطوة الأولى في رحلة الديمقراطية التي لا تولد بين يوم وآخر.

كما أن التواصل هو مقدّمة التكامل داخل الأمّة، والتكامل بين الأقطار والأفكار والأجيال؛ خصوصا أن  التكامل هو المدخل إلى الوحدة سواء أكان التكامل اقتصاديا أم سياسيا أم اجتماعيا أو دفاعيا.. وبالتأكيد سياسيا.

والتواصل بما ينطوي عليه من تعارف وتفاعل هو الردّ الثقافي الاستراتيجي على كل دعاة الانقسام والاحتراب والتحريض الطائفي والمذهبي والعنصري، لأنه الجسر الوطيد في وجه "حزب المتاريس" المتغلغل في كل جماعة أو فئة أو حتى حزب تنتمي إليه جماعات "الرؤوس الحامية" التي مهما تباعدت مواقفها وانتماءاتها، تبقى متحالفة في النهاية لتمزق أوصال الأمّة وعراها الوثقى..

وخامسة الدلالات هي أن هاتين الفعاليتين، اللتين  تحمّل فيهما المشاركون الشباب نفقات سفرهم إلى بيروت، وحيث يسهم المحتفون بأحمد الخطيب بدعم أنشطة ثقافية واجتماعية وشبابية لإحدى الهيئات القومية العروبية في لبنان، هما تأكيد على استقلالية العمل الوطني والقومي، وعلى الاعتماد على النفس دون الارتهان لأحد، واستعادة استقلالية العمل القومي والوطني والنضالي أصبحت شرطا لاستنهاض هذا العمل نفسه، بعد أن بات أسير الارتهان لهذه الجهة أو تلك؛ بل أسير الاحتراب بين هذه الجهة أو تلك.

أما سادسة الدلالات فهي أن بيروت كعاصمة للبنان، ما زالت عاصمة للحوار والتواصل والتفاعل بين أبناء الأمّة؛ بل ما زالت المنبر الأفصح للالتزام بقضية فلسطين وكفاح أبنائها وحقوق شعبها، إذ لا يمر يوم على بيروت دون فعالية أو مبادرة أو لقاء أو اعتصام أو تحية تضامنية لا تنحصر بالعاصمة وحدها؛ بل تمتد من طرابلس شمالا إلى صور جنوبا، مرورا بالجبل والبقاع أيضا.

حين التقيت "الأستاذ" هيكل آخر مرة في منزله في القاهرة في أواخر عام 2013، قال لي: هل تدري ماذا أحب في بيروت؟ أحب فيها طبعا صخبها وتنوعها وأناقة أهلها وإبداعات مبدعيها، ولكن أحب فيها بشكل خاص وفاءها لقضايا الأمّة ورموزها، وفي المقدّمة منها فلسطين القضية، وعبد الناصر الرمز..

شعرت يومها أن مسؤولية الأحرار في لبنان باتت أكبر، وفهمت أكثر لماذا كل هذه الحرب على بيروت كحاضنة للعروبة والمقاومة والحرية والوحدة.. بل لماذا كل هذا الحصار على كل من يحمل روح بيروت ورسالتها.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع