| الدور الأمريكي في حرب حزيران وتداعياته على قضية فلسطين |
| الخميس, 30 يونيو 2016 07:47 |
|
د. غازي حسين
ودافعت عن جميع الحروب الإسرائيلية داخل مجلس الأمن وخارجه، وعن الاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين والجولان وجنوب لبنان، بأكذوبة حقيرة هي الدفاع عن النفس، وأن السفاح شارون "رجل سلام". ووقفت بجانب إسرائيل في أبشع الحروب التي أشعلتها على المدنيين من أبناء شعبنا في قطاع غزة، وبشكل خاص في الحربين الخامسة والسادسة على القطاع. وجعلت إسرائيل تتفوق عسكريا على جميع الدول العربية، ووقعت تفاهمات مع السعودية وبقية دول الخليج على عدم استخدام السلاح الأمريكي ضد إسرائيل. ومكنت العدو من امتلاك أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية وأحدث أنواع التكنولوجيا الحربية، وتحول دون تقديم قادة إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية لمعاقبتهم كمجرمي حرب على النكبة المستمرة والهولوكوست الإسرائيلي وعلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها بحق شعبنا الفلسطيني. وبمناسبة مرور الذكرى الثامنة والأربعين لحرب الخامس من حزيران، وعدم انسحاب العدو الإسرائيلي من القدس وبقية الضفة الغربية والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وكفر شوبا في جنوب لبنان تناولت في هذا المقال الدور الأمريكي في حرب حزيران العدوانية عام 1967، ورفضه تطبيق قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. اشتركت أمريكا مع العدو الإسرائيلي في حرب حزيران العدوانية. ودافعت - ولا تزال تدافع- عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية داخل الأمم المتحدة وخارجها، ومع محور من سمتهم رايس بالمعتدلين العرب وجامعة الدول العربية. وتزوده بأحدث أنواع الأسلحة وبالمساعدات الاقتصادية الضخمة للمحافظة على تفوقه العسكري لتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي وتصفية قضية فلسطين وتهويد القدس مدينة الإسراء والمعراج. وتعتبر الإدارات الأمريكية أن أمن "إسرائيل" من أمن أمريكا، ورفعه الرئيس أوباما إلى مستوى القداسة (الدينية والسياسية). وتثبت الوثائق أن الأمير فهد الذي ترأس الجانب السعودي في اللجنة الأمريكية– السعودية المشتركة التي كانت تدير الحرب في اليمن ضد القوات التي أرسلها القائد العربي جمال عبد الناصر لتدافع عن الجمهورية اليمنية الوليدة قد طلب في اجتماع اللجنة في شهر كانون أول 1966 أن توعز واشنطن لحليفتها "إسرائيل" من أجل القيام بهجوم كبير على قطاع غزة أو على سورية؛ فإما أن يتصدى الرئيس عبد الناصر للهجوم وتوجه له "إسرائيل" ضربة قوية، وإما أن يلتزم الصمت؛ وبالتالي يخسر الكثير من شعبيته في تحقيق أحد الاحتمالين. وبالفعل اتفق أشكول رئيس وزراء العدو الإسرائيلي آنذاك مع الرئيس أريك جونسون في أيار 1967 على تحقيق المطلب السعودي خدمة لمصالح إسرائيل وأمريكا والإستراتيجية السعودية في اليمن وفلسطين. وانطلاقا من الوثائق التي نشرها حسنين هيكل أطلق جونسون وأشكول على العملية - أي على حرب حزيران- عملية اصطياد "الديك الرومي". وهكذا ساهم النظام السعودي الحليف الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة ببيع فلسطين والقدس لليهود، واحتلال الجولان وتدمير النظام العربي في العصر الحديث، لمصلحة الإستراتيجية الأمريكية – الصهيونية والرجعية العربية في الوطن العربي. ساهمت السعودية وجامعة الدول العربية ومحور المعتدلين العرب وعلى رأسهم الرئيس المخلوع حسني مبارك بمبادرة الأمير فهد في مؤتمر القمة العربية في فاس عام 1982 وفي مشروع المبادرة العربية التي طرحها الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان وأعطاها لسمو الأمير عبد الله وأدخل عليها بعض التعديلات وطرحها الأمير السعودي في مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2002 بعد تفجيرات 11 أيلول في أمريكا. وأصبحت تعرف بالمبادرة العربية لبيع فلسطين والقدس لليهود أعداء الله والأنبياء والوطن والمواطن والعروبة والإسلام والإنسانية جمعاء. احتلت "إسرائيل" - بالإضافة إلى قطاع غزة وسيناء والجولان وأجزاء أخرى من جنوب لبنان ووادي عربة- مدينة القدس الشرقية. وضمتها في نهاية حزيران مباشرة إلى القدس المحتلة عام 1948. وأعلنت القدس العربية بشطريها المحتلين عاصمة "إسرائيل" الأبدية. واعترف الكونغرس الأمريكي بضم القدس واعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني؛ مما جسد أخطر الانتهاكات لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤتمرات القمة العربية ومؤتمرات منظمة الدول الإسلامية، وتحديا عدوانيا وحقيرا لمشاعر العرب (مسلمين ومسحيين) والمسلمين في جميع أنحاء العالم. ووصلت وقاحة دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي حدا طالب فيه الرئيس الإسرائيلي - أبو مفاعل ديمونا الذري وسفاح قانا- بجعل القدس العربية بشطريها المحتلين عاصمة للعالم. ورأى السفاحون بيغن وشارون ونتنياهو أن حرب حزيران العدوانية قد حققت لليهود الاستعمار الاستيطاني الذي رسخه كتبة التوراة والتلمود عن "أرض الآباء والأجداد" أرض الميعاد المزعومة. واعتبروا أن سيناء جزء من هذه الأرض التي عادت إليهم، وأن يهودا والسامرة أراض محررة وليست محتلة، وذلك خلافا للحقائق والوقائع التاريخية والقانونية، وخلافا لقرارات مجلس الأمن الدولي ومبادئ القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من القانون الدولي. ولكن في حقيقة الأمر جلب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة كارثة عظمى لإسرائيل والصهيونية العالمية، لأنها أقنعت العرب والمسلمين باستحالة التعايش مع الكيان الصهيوني وأن مصيره ككيان استعمار استيطاني وعنصري وإرهابي إلى الزوال. وبالتالي حملت الحرب العدوانية التي أشعلها العدو في طياتها بذور زوال "إسرائيل" في المستقبل القريب أو البعيد، إن عاجلا أو آجلا، واستحالة التعايش معها أو القبول بوجودها في قلب الوطن العربي. وأخذ العدو الصهيوني يتمسك باحتلاله للأراضي العربية لكسر الإرادات العربية والفلسطينية الرسمية وتحقيق الأكاذيب والأطماع التي رسختها الأساطير المنسوبة للتوراة والتلمود. ويقول إن الحرب أحدثت تغييرات جوهرية لقضايا بقيت مفتوحة بعد حرب عام 1948 التي أشعلتها أيضا العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة، وهي: الصلح والاعتراف والأمن والحدود والقدس والتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والاعتراف بيهودية الدولة. واعتقد العدو أنه أضاف أيضا أملاكا يستطيع أن يستبدل بها اتفاقات (إذعان) على غرار اتفاقيتي كمب ديفيد. وهذا ما حصل بالفعل بتوقيع اتفاق الإذعان في أوسلو بتاريخ 19 /9/ 1993. ويقول الإسرائيليون إن حرب 1948 منحت "إسرائيل" شرعية دولية وأزالت حدود التقسيم؛ أي قضت على إقامة الدولة الفلسطينية بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 المعروف بقرار التقسيم. واقتسمت "إسرائيل" عمليا أراضي الدولة الفلسطينية مع الملك عبد الله الذي اعترف بقرار التقسيم وأجبر الجيوش العربية على الالتزام به، بصفته القائد الأعلى للقوات التي دخلت فلسطين لحماية الفلسطينيين من المذابح اليهودية. واكتفى بضم 22% من فلسطين أي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. وتقول "إسرائيل" إن العالم اعترف باحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1948 ويرفض الاعتراف باحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، أي برأيها اعتراف العالم بحدود 1949 مقابل إعادة الأراضي المحتلة عام 1967. وهي خططت وتريد تكرار تجربتها في حرب 1948 أي ابتلاع الأراضي المحتلة عام 1967 عن طريق الاستعمار الاستيطاني المستمر حتى اليوم. وتعتقد "إسرائيل" أيضا أن الدول العربية غيرت مصالحها ومواقفها في الصراع معها، حيث كانت مصالحها تنحصر في إعادة أراضيها التي احتلها "إسرائيل". وأدى هذا التغير في مواقفها إلى توقيع اتفاقيتي الإذعان في كمب ديفيد وتوقيع الأردن لاتفاق الإذعان في وادي عربة. وبالفعل قايض أنور السادات عودة سيناء المنقوصة السيادة بالقدس وفلسطين والجولان وجنوب لبنان. ويعتقد قادة الكيان الصهيوني أن نتائج حرب حزيران العدوانية غيرت المواجهة العسكرية والسياسية، فلم تعد المواجهة بين "إسرائيل" والدول العربية؛ بل بينها وبين الفلسطينيين. وتخلت قيادة منظمة التحرير عن المقاومة المسلحة واستبدلتها بالنضال السياسي من أجل جزء من فلسطين. وبالتالي نشأ - حسب قولهم- احتمال إنشاء دولة فلسطينية (كمصلحة إسرائيلية وأمريكية) في إطار القرار 242، أي أنها ستقوم على حوالي أقل من 22% مقابل الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها؛ أي في حوالي 80% من مساحة فلسطين العربية. واستبدل المجتمع اليهودي في "إسرائيل" - ممثلا بحزب العمل وتكتل الليكود وحزب كاديما- "إسرائيل الكبرى" الجغرافية "بإسرائيل العظمى" الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه بيرس وتبنته إدارة بوش وحكومة أردوغان. ولا ترى "إسرائيل" جراء ذلك الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط فقط، وإنما أيضا حمل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية - بقيادة محور المعتدلين العرب- على الاعتراف بيهودية الدولة؛ أي بدولة يهودية عنصرية نقية، لترحيل عرب الأراضي المحتلة عام 1948 إلى دولتهم الفلسطينية وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم. ويزعم الصهاينة أيضا أن حرب حزيران العدوانية حققت التصور الذي وضعه الزعيم الصهيوني جابوتنسكي في مقالته "سور الحديد" (أو السور الفولاذي) عام 1923 حيث طالب بإقامة جدار حديدي لإدخال اليأس في نفوس الجماعات المتطرفة العربية ونقل التأثير والفعل إلى المجموعات المعتدلة. وباتي هؤلاء المعتدلون - بحسب رأي الإرهابي جابوتنسكي- ومعهم اقتراحات لتنازلات متبادلة، تماما كما يفعل عباس اليوم في مفاوضاته العبثية. وبرأيه يستطيع الشعبان أن يتعايشا جنبا إلى جنب بسلام بعد أن يتنازل الفلسطينيون عن أكثرية فلسطين التاريخية. وتعتقد اليوم أوساط واسعة في الكيان الصهيوني بعد مرور 68عاما علىالنكبة وتأسيس الكيان الصهيوني ومرور 48 عاما على حرب حزيران العدوانية، أن تأجيل حكومة نتنياهو اتخاذ القرار الحاسم المطلوب بإعادة المناطق المحتلة عام 1967 مقابل اتفاق دائم يعرض للخطر الإنجازات السياسية المهمة التي حققتها "إسرائيل" في اتفاقياتها مع مصر والأردن والحلف الاستراتيجي مع تركيا. وكان من أهم الإنجازات التي حققها العدو الإسرائيلي جراء حرب حزيران العدوانية - بالإضافة إلى اتفاقات الإذعان في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة- تهويد القدس الشرقية بما فيها البلدة القديمة، وتهويد المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم ومقام الشيخ يوسف في نابلس، وانتقال محور المعتدلين العرب بقيادة الرئيس المخلوع حسني مبارك وقطر والسعودية من الخندق العربي إلى الخندق الإسرائيلي وتبنيهم المشروع الأمريكي والتسوية السياسية لبيع فلسطين. وهكذا أدى اشتراك أمريكا مع العدو الإسرائيلي في حرب حزيران العدوانية عام 1967 ودفاعها عن الاحتلال الإسرائيلي للقدس وبقية الأراضي العربية المحتلة داخل الأمم المتحدة وخارجها، وتزويدها للعدو بأحدث الطائرات والصواريخ والمعدات العسكرية الأمريكية إلى كسر معظم الإرادات الرسمية العربية والفلسطينية وتوطيد التحالف الإمبريالي والصهيوني والرجعي لتصفية قضية فلسطين وحركات التحرر الوطني العربية وإنجاح المشروع الصهيوني. أثبت التاريخ البشري أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن العدو الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، لذلك أرى من الواجبات الوطنية والقومية والدينية والقانونية والإنسانية التمسك بخيار المقاومة المسلحة لاجتثاث الاستعمار الاستيطاني اليهودي من فلسطين والجولان وجنوب لبنان، والقضاء على الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني وآخر نظام عنصري في العالم، كما تم القضاء على النازية في ألمانيا، والاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر، والعنصرية في روديسيا والبرتغال، ونظام الآبرتايد في جنوب إفريقيا. |
