| أدونيس: هذا هو اسمي (ح 13)* |
| الاثنين, 25 يونيو 2018 08:10 |
|
شهادات وإفادات
أمراسا لجر التاريخ، وربما لتسلق الكواكب فيما كان المارقون يهللون: للجيوش آلهة ليست للحقول وليست للينابيع. وكنت رأيت القدس وسُحِرت بحجر يتحول إلى جبين للكون، بجدار يصير سُلَّمًا للفضاءات. لكن، هو ذا أرى الأرض كمثل الحساء، وأرى ملائكة يسجنون الهواء، ويحاربون العشب. ** أوه- ليس في حب السماء للأرض، غير القبور! ** في هجرتي، غَيَّرتُ كثيرا من الطرق إلى ما ظننت أنه المستقبل. غيرت عصايَ والوردة التي وضعها الحب، يوما، تحت وسادتي. غيرت لهجات كثيرة في لغة النبض- تلك التي تتحدث بها هذه الآلة الصامتة التي سميناها القلب. غيرتُ سمائي نفسها، وخطواتي نفسها، غير أنني كنت أرى غالبا أن الهاوية أمامي، وأنها هي التي تنتظرني. ** حقا، يكاد علمي أن يقتلني! وخيرٌ لي أن أنتمي إلى كل ما لا أراه. ** هدير يهاجم الغيوم، والأسلاك الشائكة تغوص أكثر فأكثر في كبد الأرض، هل ينبغي علي، إذن أن أمتطي مدفعا لكي أصل إلى نفسي؟ لم أكن أصدق أن السماء كورت لكي تغتصب الأرض، ولم أعد أعرف من أي غصن تجيء هذه الثمرة، أو من أي فم ينزل في أذُنَيَّ صوت السماء؟ ** وما ذا أقول عن خوذة تؤكد أنها وردة وعن بندقية تبشر أنها شجرة من أشجار الجنة؟ وكيف أشرح لماء التاريخ هذا الإنسان – هذا الطين الإلهيّ الذي يحده الرمل والتوهم؟ وما دمت أيها الأفق، لا تعرف أن تجيب على أسئلتي فسوف أعطيك اسما آخر. وأعرف أن هذا أمر لا يهم غير المرأة – تلك التي تدخل الآن في سريري. ** هكذا، أنتظرُ أن ينشق القمرُ بعد هنيهة في جوف امرأة عاشقة. ** هكذا، أعرف أننا، وفقا للتقاويم، وتبعا للحظ في الصحو، أو في المطر، ووفقا للريح، سنخرج لملاقاة المستقبل في ثياب سأرجئ وصفها وإن كنت أستشرف للونها. ** وماذا إذن؟ تراني لم أولد بعد؟ تراها حياتيَ ليست إلا تَمَرُّنًا على الولادة؟
أتذكر أنني لما كنت في حلب كنت أذهب إلى بيروت لأشتري مجلة "شعر" مع أن جميع إخوتي الكبار في لبنان، أبدأ بمكتبة أنطوان لاقتنائها قبل كل شيء. طبعا أشاهد الأفلام المستجدة، لكن مجلة "شعر" كانت النافذة على العالم كله لشخص مثلي أنا في ذلك الوقت، لأن الشعر العربي الذي ينشر فيها كان كالإسفنجة، متشربا لكل أفكار العالم، ومنفتحا على كل نوافذ العالم. أدونيس هو الأب الروحي لكل الحركات التي كانت تنشط آنذاك، والمحرض لها. ويعجبني أنا وجود قاسم مشترك هو التحريض؛ وجود أدونيس في المجتمع أو في البيت أو بأي مكان، مع أنه شخص عظيم وطريف وخفيف الدم، ولا يوجد ألذ منه، وهو غير مزعج إطلاقا.. لكن مع ذلك تحس أن وراء جلسته دائما إثارة وتحريضا. وهذا ما تلاحظه في جميع أعماله وقصائده، كلها موزونة، ومنها قصائد إذا لاحظت اليوم تجد وزنها ستة على أربعة، وهو وزن لا يوصف بأنه عربي ولا غير عربي، وزن كلاسيكي عربي، ولكن يتحول أحيانا إلى إيقاع بسيط أربعة على أربعة ويعود فيتعقد أكثر. علاقة الأوزان بعضها ببعض جاءت من اللغة المستخدمة فيها، لا من عندي أنا. أدونيس يمنحك هذه القدرة الإيقاعية التي ليس بالضرورة أن تكون في التفعيلة، يمكن أن يكون السبب وجود تشابه أخوي بيننا في هذا المجال. وهو يحب أصحاب المشاريع، وسبب موت بلداننا هو انعدام مشروع. وقد عاملونا وكأننا نجارون أو حدادون أو سياسيون.. بينما نحن مفكرون بكل بساطة، لدينا روح حر فقط! أدونيس لديه مشروع إلى يوم القيامة. "ذلك الطّفل الذي كنتُ، أتاني مرّةً وجهًا غريبًا. لم يقل شيئًا. مَشَيْنَا وكِلانا يرمقُ الآخرَ في صمتٍ. خُطانا نَهَرٌ يجري غريباً. جمعتْنا، باسْمِ هذا الورقِ الضّارب في الرّيح، الأصولُ وافترقْنا غابةً تكتبها الأرضُ وترْويها الفصولُ". ____________
* نقلا عن قناة الميادين. |
