| ... واحترقت مكتبة أخرى مرة أخرى! |
| الجمعة, 07 يوليو 2017 14:52 |
|
(في تأبين فضيلة القاضي محمدن ولد شماد رحمه الله)
لك العذر يا بئر السبيل فولولي ** وشقي رُبَيَّات المذرذرة الردا أكيد أن تكاليف الحياة العصرية، وما تشكله ظروف المدن الكبرى من ضغط على ساكنتها، يزيد من هوله ترامي أطرافها، وزحمتها التي لا تطاق، كلها عوائق تحول دون أداء الواجب الإنساني والوطني، وتمنع من صلة الرحم، وقضاء اللبانة مِمَّن نحبهم ونشتاق إلى مجالسهم العامرة وسمرهم الرفيع. وفي مثل هذا الوضع الذي يزداد حرجا وتعقيدا يوما بعد يوم، فأين لنا وكيف نخترع الآلية التي تمكننا من "جَمْعِ ظَايِ الخَرِيفِ مَعْ نِبْقِ تَوْجِي" حسبما ضمنه أخي محمد رحمه الله؟ ومتى ندرك أن صحراءنا الشاسعة التي تعبث بها العواصف ليل نهار، ويجتاحها الفناء، وتسودها فطرة العزوف عن التدوين والاعتماد على الحافظة العفوية والأذن الواعية البدوية (وحصل ما في الصدور) مهددة الآن أكثر من أي وقت مضى بانقراض ثقافتها وتراثها وقيمها الحضارية. ذلك أن نعمة الحفظ التي يمتاز بها الموريتاني عن غيره؛ والتي هي مفخرة وفضيلة لدى آبائنا وأجدادنا، تشكل في جوهرها سلاحا ذا حدين تكمن سلبيته في ربطه المعرفةَ بذاكرة الإنسان المعرض للزوال في كل حين، وإهماله للتدوين لتعذره وصعوبة توفر شروطه وعدم دخوله في عاداتنا العملية رغم قولنا المأثور و"ظهر شورنا" الجميل (انْوَفَّلْ): الخــط يبقى زمانــا بعــد مـوت كاتبــــه وصاحب الخط يبقى تحت التراب مدفون. فعلى من بقي منا على قيد الحياة إلى حين إذن أن يدرك أننا ما لم ننتقل من عادة الاعتماد على الرواية الشفهية والحفظ في الذاكرة إلى عادة الكتابة والتدوين والتحقيق والتمحيص فستظل مكتباتنا النفيسة تحترق تباعا، ومعارفنا وثقافتنا وقيمنا الحضارية تتبدد وتندثر.. فالكتابة هي وحدها الباقية بالكاد في بيئة بدوية يتعاورها التصحر والعواصف والفناء. كم صدق نزار - رحمه الله- حين قال فلم نفهم قصده: فمك [المحدِّث] لا يحل قضيتي ** فقضيتي في دفـــتري ودواتي كل الدروب أمامــنا مســــدودة ** وخلاصنا في الرسم بالكلمات. رحم الله محمدن ولد شماد، وأسكنه فسيح جناته، وبارك في خلفه وذويه، وفي أصدقائه، وألهمهم جميعا الصبر والسلوان. ولنا عزاء في أن تلك الدوحة الوارفة المعطاء لن تعدم من يسدون مسد الفقيد؛ وخاصة أخاه محمد ولد شماد، أطال الله بقاءه. |
