تأبين
الخميس, 02 يناير 2020 11:51

 

أحمد محمدو أمين     

altلاحظت للتو أنني لم أكتب في عالمي الأزرق منذ ما يزيد على العامين، وليس ذلك لخصام بيني وبين القلم، ولكن لثقتي التامة أن كل ما يكتب في عالم مارك زوكربيرغ سيحتفظ به التاريخ شاهدًا على ما كتبه صاحبه، وما أكثر ما يكتب فيه هذه الأيام مما يتمنى كاتبه لو أنه لم يكتبه.
ولأنني في هذه الفترة من عمري أنظر إلى الفيزياء من جانبها الفكري أكثر من نظري إلى جانبها العلمي أصبحت مقتنعًا أن الذهاب إلى العالم الآخر هو راحة تامة لكل مسلم مؤمن يعرف جيدًا أن ربه قد اختاره، وأنه - جل جلاله- أرحم به من أن يتركه في عالم دنيوي مليء بالتناقضات.

نزهة منت الداه ولد عبد الجليل كانت بنتًا بارة وصديقة وفية ورفيقة مميزة وأختا رائعة وأمًا حنونا وزوجة مخلصة، لكنها - قبل هذا وذاك- كانت إنسانة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كانت تحب الخير للجميع وتحمل آلام البؤساء والمستضعفين. شاركت بلدها جميع أنواع همومه، وقفت ضد الظلم والفساد، وتمنت لحال بلادها أن يكون أفضل مما هو عليه.

رحم الله بنت عبد الجلــيل ** بنت فضل وبنت حب جمـيل
بنت أم صبر المكارم ثكلى ** فوضت أمرها لرب جلـــيل
وأبٍ حازمٍ وشيخ كــــــبير ** ومعينٍ على الخطى ومعـيل.

كنت في طريقي إليها أمس الأول لأودعها قبل الذهاب إلى الوطن، لم أكن أعلم وأنا أشتري تذكرة القطار وباقة من الورد أن شقيقها عبد الجليل سيتصل بي ليخبرني بصوت تخنقه العبرات أنها لفظت أنفاسها في المستشفى العسكري بمدينة الرباط! شعرت بالارتباك؛ وهو أمر طبيعي من أخ يفقد أختا في الثلاثين من العمر، وليس معه سوى باقة ورد وتذكرة قطار ودقائق معدودة تفصله عن محطة الوصول..
قمت بواجب العزاء قبل الدفن؛ وهو عزاء أتتنا فيه عدة وفود من مشارب مختلفة ومسميات مختلفة، وبتمثيل خاص للسفارة الموريتانية بالمملكة المغربية الشقيقة. قمت بوداع والدة الفقيدة ومكثت بعض الوقت مع الفتى الجليلي قبل أن يبدأ الوداع. كان وداعا صامتا يحمل في طياته الكثير من التفاصيل، تركته في حالة أتذكرها جيدًا:

حاملًا نعشها لأرض التجلي ** صامتا فرط حبها كالقـــــتيل
موقنًا أنه رحيل بصــــــمت ** أي ندب بصمت ذاك الرحيل..

ركبت قطار الذكريات عائدا إلى الدار البيضاء على تمام الساعة السادسة والنصف. كان من المفترض أن مدة الرحلة هي ساعة وخمس دقائق، لكنها بتغيير في التكامل دامت ثلاثين عاما من الذكريات، كنت أفكر في عبد الله ولد أتشفغ المختار، وفي محمد ولد گاري، وفي عدنان، وفي كمال، وفي ذلك الكثيب الرملي الذي يقع شرق ''الربينة'' في حاضرة ''بامّيره'' وفي أيام المحظرة، وفي سهرات مدح الرسول وتخليد الأعياد الدينية.. لكن العجيب؛ والذي لم أجد له مبررًا حتى اللحظة، هو أنني كنت أجد فيما حصل تفسيرا ضبابيا لبعض المعادلات التفاضلية الجزئية لـ''إرفين شرودنغر'' في فضاء ''هلبرت'' المركب.

إن في القلب من شريط صـــبانا ** ذكريات من الزمان الجميل

حيث عشنا بذي الغضاة صغارًا ** نتربى على التلـــيد الأصيل
نطلب العلم في مواضـع شــتى ** نتبارى بمـــــحكم التــــنزيل.

نامي بحفظ الله، قريرة العين؛ فالأهل عنك راضون، والصحبة عنك راضية، وبثينة في العين وفي القلب. جعل الله فيها خير خلف للأستاذة بازة بنت أتشفغ المختار، وأطال الله عمرها بالصحة والعافية.
آل عبد الجليل، آل أتشفغ المختار، خالي عبد الله ولد أتشفغ المختار، صديقي العزيز محمد ولد الشبيه ولد أبن، باسمي وباسم كل من لم تحمله قدماه إلى دار أعرف مكانها جيدًا في الحي ''س'' تقبلوا تعازينا القلبية، مصابكم مصابنا، وفقيدتكم فقيدتنا، آجركم الله في مصيبتكم، وغفر لميتكم، وعظم أجركم، وألهمكم الصبر والسلوان. لا نقول إلا ما يرضي الله ورسوله.إنا لله وإنا إليه راجعون.

.الدار البيضاء، 31 ديسمبر 2019

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 2 زوار  على الموقع