وجوب محاكمة قادة اسرائيل كمجرمي حرب.. أسوة بالنازيين (ح 1/ 2)
الجمعة, 02 سبتمبر 2016 07:19

 

د. غازي حسين    

مقدمة:

altينتهك الكيان الصهيوني منذ إقامته القواعد الملزمة في القانون الدولي وأهم العهود والمواثيق الدولية لتهويد فلسطين العربية وترحيل شعبها باستخدام القوة وإشعال الحروب العدوانية وارتكاب المجازر الجماعية وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد والهيمنة على الثروات والبلدان العربية.

ولا يزال الشعب الفلسطيني يتعرض للنكبة المستمرة وللإرهاب والعنصرية والإبادة والترحيل والعقوبات الجماعية ومصادرة أراضيه وممتلكاته وتدمير منجزاته لتدمير وجوده وحياة أبنائه ومسحه من الوجود بالمجازر الجماعية وبالترحيل وبالتوطين والتذويب والتشريد والملاحقة في أصقاع الدنيا كافة وإقامة الوطن البديل في الأردن.

وتعد الحروب العدوانية والتوسعية والإبادة والمجازر الجماعية والإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني في القانون الدولي وفي العهود والمواثيق الدولية من أفظع الجرائم ضد السلام وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وخطأ جسيما ضد استقلال وسيادة وحرمة أراضي الدولة - أو الدول- المعتدى عليها.

ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرات اليهودية في فلسطين والجولان وجنوب لبنان ذروة الاستعمار الاستيطاني العنصري والإرهابي نتيجة من نتائج حروب الكيان الصهيوني العدوانية والتوسعية والمجازر الجماعية ومصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويدها.

ويقضي القانون الدولي ومبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية بوجوب الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، ومعاقبة "إسرائيل" المعتدية على حروبها العدوانية والإبادة الجماعية وإلزامها بدفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقتها بالشعب العربي في فلسطين وسورية ولبنان، وإزالة جميع المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة.

وبالتالي لا يترتب إطلاقا على الحروب التي أشعلها الكيان الصهيوني حق احتلال أو ضم أجزاء من الأراضي العربية المحتلة، كما أن أي إجراء يتخذه المحتل الصهيوني لنقل المستوطنين اليهود إلى الأراضي المحتلة إجراء غير شرعي وينتهك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ وأهداف الشرعية الدولية واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.

وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 على أنه "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".

وينص القانون الدولي والمواثيق التي وافقت عليها عصبة الأمم المتحدة والأمم المتحدة على معاقبة مجرمي الحرب على الجرائم التي ارتكبوها في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبالتحديد في معاهدة فرساي ومعاهدة بوتسدام ونظام محكمة نورنبيرغ الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين.

تذرع النازيون بعدم وجود معاهدات ومواثيق دولية تحظر وتعاقب ممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإرهاب والعنصرية وتمنع استخدام القوة أو التهدد باستخدامها وتحافظ على سلامة المدنيين وأملاكهم. ولم تكن الأمم المتحدة قد تأسست بعد، فبماذا يتذرع حكام الكيان الصهيوني اليوم بعد تأسيس الأمم المتحدة والموافقة على نظام محكمة نورنبيرغ كجزء من القانون الدولي، والموافقة على العهد الدولي لتحريم الإبادة الجماعية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية تحريم إبادة الجنس البشر (جينو سايد) وتأسيس المحكمة الجنائية الدولية التي وصل عدد الدول الأعضاء فيها 123 دولة؛ بما فيها دولة فلسطين التي وقعت الوثائق في 3 /1/ 2015.

تعتمد وحشية وهمجية وعنصرية وإرهاب واستعمار إسرائيل على تأييد الولايات المتحدة الأميركية لحروبها العدوانية ومجازرها الجماعية وممارستها للإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية والاغتيالات كسياسة رسمية.

وقبل الانتقال للحديث عن الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت في الأراضي العربية المحتلة من عام 1948 ولا تزال ترتكب حتى اليوم، لا بد من الوقوف عند الخطوات التي اتخذت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في مجال حقوق الإنسان وحماية المدنيين خلال النزاعات - ولا سيما المسلحة منها- والحفاظ على الممتلكات وعدم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ومحاكمة العسكريين على المخالفات التي ترتكب من قبلهم، وكانت أولى هذه الخطوات هي محكمة نورنبيرغ الدولية.

 

محكمة نورنبيرغ الدولية

وقعت الدول الأربع الكبرى التي انتصرت على ألمانيا في آب 1945 اتفاقية لندن التي تضمنت إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين والعسكريين اليابانيين على الأعمال الوحشية التي اقترفوها خلال الحرب العالمية الثانية.

وجرت محاكمة مجرمي الحرب الألمان بموجب محكمة نورنبيرغ الدولية؛ سواء الذين أصدروا الأوامر أو نفذوها أو اشتركوا في تنفيذها.

حاول ممثل الدفاع خلال جلسات المحكمة بتبرئة المتهمين لأنهم تصرفوا كممثلين لسلطة الدولة، لأن القانون الدولي لا يعرف وقائع تدين الأشخاص الذين يطبقون إجراءات حكومية، إلا أن قضاة المحكمة رفضوا محاولة ممثل الدفاع واتخذوا قرارا بهذا الخصوص جاء فيه:

"ترتكب الجرائم ضد القانون الدولي من قبل أناس (أفراد) وليس من قبل كائن مجرد، ولا يمكن تطبيق مبادئه إلا بمعاقبة الأفراد الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم". وبموجب ذلك جرت معاقبة مجرمي الحرب النازيين.

تنص المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة على أن مرتكبي الجرائم ضد السلام وضد الإنسانية مجرمو حرب، ويتحملون مسؤولية جرائمهم، لذلك تجب ملاحقتهم ومحاكمتهم وإنزال أقصى العقوبات بحقهم.

تعرّف المادة السادسة في الفقرة "أ" من نظام المحكمة الجرائم ضد السلام بأنها "التخطيط والإعداد والقيام بشن الحرب العدوانية أو أي حرب تنتهك معاهدة أو اتفاقية دولية أو الاشتراك في خطة أو مؤامرة للقيام بأي من الأعمال المذكورة".

وتتناول الفقرة "ب" من المادة نفسها جرائم الحرب وهي "انتهاك قوانين وتقاليد الحرب، كقتل وإساءة معاملة السكان المدنيين في الأراضي المحتلة أو إبعادهم، وكذلك القتل والمعاملة السيئة لأسرى الحرب، قتل الرهائن ونهب وسلب واغتصاب الأملاك العامة والخاصة، وتدمير القرى والمدن، أو أي تدمير آخر لا مسوغ له للضرورات العسكرية.

وتعرف الفقرة "ج" الجرائم ضد الإنسانية "بالقتل، والإفناء، والاستعباد، والنفي، والإبعاد، وغيرها من الأعمال المنافية للإنسانية التي ترتكب ضد المدنيين قبل أو خلال الحرب، واضطهاد الناس لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية".

أجرت محكمة نورنبيرغ والمحكمة العسكرية الدولية في طوكيو محاكمة حوالي 30 ألف مجرم حرب، وأنزلت عقوبة الإعدام والسجن مدى الحياة بالكثير منهم.

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 95 (أ) 11 /1/ 1946 نظام وقرارات محكمة نورنبيرغ كجزء من القانون الدولي، كما أقرت عدم سريان تقادم الزمن على مثل هذه الجرائم.

 

معاهدة تحريم جريمة إبادة الجنس البشري

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع من كانون الأول عام 1948 معاهدة تحريم إبادة الجنس البشري (جينو سايد) ووجوب المعاقبة عليها.

وتعد هذه المعاهدة بمثابة تقنين دولي يجرم الإبادة الجماعية ويعاقب عليها. ونصت المادة الأولى من المعاهدة على أن إبادة الجنس البشري جريمة بموجب القانون الدولي يجب منعها والتزام الدول المتعاقدة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتحذير منها والعقاب عليها؛ سواء في وقت السلم أو الحرب.

عرّفت المادة الثانية جريمة إبادة الجنس البشري بما يلي: "تعني جريمة إبادة الجنس أيا من الأعمال التالية التي تمارس بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لأية جماعة قومية أو عرقية أو دينية عبر الأعمال التالية:

أ. قتل أفراد هذه الجماعة.

ب. إلحاق أضرار جسدية أو عقلية بأفراد الجماعة، وخلق ظروف معيشية لها تستهدف القضاء الجسدي الكلي أو الجزئي عليها.

ج. فرض إجراءاتٍ القصدُ منها الحد من الولادة بين هذه الجماعة.

وتتضمن الإبادة الجماعية الجرائم التي تجب المعاقبة عليها؛ وهي جريمة الإبادة، والتآمر لارتكاب جريمة الإبادة والتحريض على ارتكابها، ومحاولة ارتكابها.

تنص المادة الرابعة على وجوب معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون جريمة الإبادة أو أي من الأفعال المذكورة في المادة الثالثة؛ سواء أكانوا حكاما مسؤولين دستوريا أم موظفي دولة أم أشخاصا عاديين.

وتلتقي أحكام هذه المعاهدة مع مبادئ محكمة نورنبيرغ التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من القانون الجزائي الدولي، وينطبق عليها أيضا عدم سريان تقادم الزمن.

 

اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقيات جنيف الأربع في العام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب ومعاملة أسرى الحرب.

وتعد الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين استجابة واضحة لتطلعات الشعوب الأوروبية التي عانت ويلات ومصائب الحرب العالمية الثانية والحروب التي سبقتها، وذلك بتحديدها للقواعد الأساسية للحماية التي يستحقها الإنسان للمحافظة على إنسانيته وحياته من قوى الظلم والعدوان والاحتلال.

تنص المادة 27 من الاتفاقية على أن للأشخاص المحميين حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية ولعقائدهم الدينية ومعاملتهم معاملة إنسانية وحمايتهم من أعمال العنف والتهديد بها.

وتحظر المواد 31 و32 و33 و39 و49 و53 استخدام الإكراه الجسدي أو المعنوي للحصول على المعلومات، وتحظر التعذيب أو إنزال المعاناة الجسدية أو إتلاف الممتلكات العقارية.

ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1968 على معاهدة دولية بخصوص عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب والجرائم ضد السلام وضد الإنسانية.

واعتبرت هذه الجرائم من أفدح الجرائم في القانون الدولي، وأن معاقبة مرتكبيها تشكل عاملا فعَّالا لتجنب الشعوب مثل هذه الجرائم.

فهل تسري المبادئ الواردة في المعاهدات المذكورة على مجرمي الحرب النازيين فقط، أم يجب أن تسري على مجرمي الحرب في كل زمان ومكان في العالم؛ وخاصة على مجرمي الحرب الإسرائيليين؟

 

جرائم "إسرائيل" ضد السلام

أشعلت "إسرائيل" الحروب العدوانية ضد فلسطين ومصر وسورية ولبنان والأردن في أعوام 1948، 1956، 1967.

واحتلت الشريط الحدودي بجنوب لبنان عام 1978م وقام مجرم الحرب شارون عام 1982 بغزو لبنان واحتلال العاصمة اللبنانية بيروت وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا ومخيم البرج الشمالي في صور، وقتل شارون في حربه العدوانية حوالي أربعة عشر ألف عربي، منهم ستة آلاف. في مخيمي صبرا وشاتيلا و150 في مخيم البرج الشمالي وبالتحديد في ملجأ نادي الحولة، ومغارة علي الرقيص. وجرح حوالي 60 ألفا آخرين وشرد أكثر من نصف مليون نسمة.

وقتلت "إسرائيل" هؤلاء جراء القصف المتعمد للأهداف المدنية في المخيمات الفلسطينية والقرى والمدن اللبنانية، وبالتحديد في المنازل والمدارس والمساجد والملاجئ والمستشفيات، وشن رابين حربه العدوانية عام 1993 على جنوب لبنان، وقام مجرم الحرب شمعون بيريز بشن حرب "عناقيد الغضب" على جنوب لبنان عام 1996 وارتكب مجزرة قانا في مقر القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وبدأ مجرم الحرب إيهود باراك في أيلول (سبتمبر) عام 2000 الحرب على الشعب العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع وتابعها شارون بوحشية وهمجية منقطعة النظير.

فالحروب التي أشعلتها "إسرائيل" - ولا تزال تشعلها- ضد البلدان العربية؛ وخاصة فلسطين وسورية، تعد من أكبر الجرائم ضد السلام في المنطقة. ويحظر الكثير من المواثيق الدولية الحروب العدوانية ويعتبرها جريمة من أكبر الجرائم في القانون الدولي، ومنها معاهدة بريان - كيلوج وميثاق الأمم المتحدة.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع