من تاريخ الكادحين(2)
الجمعة, 05 فبراير 2021 09:10

 

ما هي علاقة المجموعة التأسيسية بالتيار القومي العربي وكيف تحول هذا التيار إلى حركة ديمقراطية موريتانية؟

altطرحت هذا السؤال على الأخ والرفيق السابق بدن.. وهو - كما ذكرنا في الحلقة السابقة- أحد أعضاء مجموعة تأسيس الحركة بتكمادي فأفاض زاده الله فيضا بما يلي:

" القوميون العرب في ذلك التاريخ حركة عربية غاية في السرية، حتى في الديار المصرية مع أنهم يعتبرون مصر وثورتها كعبة الأحرار، غير أن الدولة العميقة هناك تناصبهم العداء وتطاردهم وتزج المخابرات المصرية بهم في غياهب السجون.

كنا مرتبطين فكرياً بقادة ذلك التيار من خلال منشورات عديدة يصدرونها منها العلني مثل دورية الحرية في بيروت ومنها السري، يسلك قنوات التواصل عبر الرفاق الذين ارتبط بهم التنظيم العام لحركة القوميين. أما فعاليات النضال في موريتانيا فكانت شأناً داخلياً نقوم به نحن دون تدخل الإخوة في المشرق. وتمثل أساساً في الدفاع عن عروبة بلاد شنقيط والمطالبة والإلحاح على نظام المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه بمطلب ترسيم اللغةً العربية ووضعها في مكانها الصحيح. 

تجسد ذلك المسعى فيما كانت تقوم به نقابة المعلمين العرب بقيادة الإخوة محمد المصطفي بدر الدين رحمه الله، والأخ محمدو الناجي محمد أحمد أطال الله عمره، والشاعر الكبير أحمدو عبد القادر حفظه الله ورعاه؛ وقد خلد كل ذلك في بديع شعره، وجميل أدبه. وأتذكر، أنني تابعت تلك الأيام في مجلة الواقع وهي من إصدارات النقابة المذكورة ويديرها باقتدار صديقي المناضل محمدو الناجي محمد أحمد. تابعتُ سلسلة قصص قصيرة شيقة للغاية بقلم أحمدو عبد القادر مدارها عفريتٌ جنيٌ كريهُ المنظر، صوته مزلزلٌ مرعب كثير التجوال، له جناحان يطير بهما في الأعالي وحين يحلّق فوق بعض المدن يسترق السمع من بعيد فان نما إلى مسامعه رفعُ الأذان وتلاوة القرءان والكلام العربي فرح فرحاً شديداً وأطال الدوران فوق المكان مهللاً طرِباً بما سمع، وحين يصل به المطاف إلى أجواء البقاع المغايرة ويتنامى إلى مسامعه ما ينبعث منها من ضجيج الحانات وصياح بالفرنسية يُسْرِعُ الخطى غاضباً مزمجرا على من فيها من البشر.

 

بوياكى ولد عابدين: شجاع يقول الحق ولو على نفسه!

altوفِي تلك الفترة كانت عندنا دورية أخرى يصدرها ويحررها الأخ الأديب والشاعر محمدن إشدو بعنوان "موريتانيا الفتاة" وهي تحض على الاتجاه القومي العربي. وأتذكر أنني ذهبت ذات ليلة من ليالي الصيف رفقة محمدن ولد إشدو أطال الله بقاءه، إلى دار مبنية من الطين، مغطاة بصفائح الزنك متواضعة المنظر، عظيمةٍ مهيبة بساكنها؛ ؛نه المناضل الشهم الوزير والقائد الملهم بياگي ولد عابدين.

دخلنا الدار، وكان بابها مفتوحاً لكل طارق، فاستقبلنا الزعيم بياگي، وبعد تبادل التحية مع الرجل الذي يفيض وقاراً وشجاعةً، أخبرنا أن المكان تعرض في الليلة الماضية لتخريب من أنصار نظام الاستعمار الجديد، وأنهم سرقوا كبريات آلات الطباعة والسحب الموجودة في المكان، وكان يصدر بها مجلة "صوت الشعب" ينتقد فيها انتقاداً لاذعاً ارتباط البلاد بالمستعمر السابق، بأسلوب وطني صادقٍ ومخلص.

وأردف الزعيم بياگى ولد عابدين (رحمه الله وطيب ثراه) متهكماً ساخراً من النظام القائم: هم لا يدركون أن باستطاعتي أن أعوض ما أتلفوه وسرقوه في لمح البصر، ومن ثمن نعاجي البيض محضاً!

وبعد الاستماع إلى نصائح المرحوم، وكنا نتقاسم معه النظرة إلى ما يجري في البلاد، طلبنا منه آلة كبسٍ لتشبيك عددٍ من مجلة "موريتانيا الفتاة" فزودنا بها بكل سرور وسخاء.

altأذكرُ هنا أن المرحوم بياگى وصفه يوسف مُقلّد (كاتب لبنانى) في مؤلف صدرٓ بداية الستينيات بأنه رجل ٌ شجاع يقول الحق ولو على نفسه! ما أحوجنا إلى أمثاله؛ نُكرمهم وندفع بهم إلى الصفوف الأمامية في الوزارات والإدارات، يخدمون الأمة، لا مصالحهم الفردية الضيقة، ولا يُرِيدُون على ذلك جزاءً ولا شكوراً. يتبارون جميعاً في مهمات نبيلة شريفة تسودها نظافة اليد، وتكللها براءة الذمة {وفى ذلك فليتنافس المتنافسون".

تجدون صورًا مرفقةً تُفيد النص: الزعيم البطل بياگى ولد عابدين يشغلُ منصب وزير النقل والبريد والمواصلات، وصورة غلاف "صوت الشعب" ومرسوماً صدر عن وزير الداخلية يُصادر أحد أعدادها ويحرِمُ القرّاء منه بمنعه من الصدور!

وبالعودة إلى الأجواء السائدة إبان اجتماع تكمادي على ما أتذكر كانت الساحة في المشرق العربي حبلى بمراجعات فكرية عميقة تطفو علًى السطح، تعيش آثار العدوان علي الدول العربية ونكسة حزيران 1967 وما تلاها من خلافات في الاتجاه القومي العربي. كنا حينها أقرب إلى تيار يقوده الفلسطينيون من قادة التنظيم، وتُوزِعُٰ دورية الحرية الصادرة في بيروت أفكاره الأساسية على مناصري التيار في مختلف بقاع العالم.

وقد احتدم نضال الطلاب والمعلمين والتلاميذ في بلادنا، وقام العمال بشجاعة بدور بارز. كنا علي أعتاب أحداث ازويرات الدامية، خلدها - هي الأخرى- الشاعر أحمدو عبد القادر برسالة العجوز. تندبُ بحرقة ووجعٍ بالقلب ابنها وفلذة كبدها وقد مات صريع الرصاص الغادر!

altوتضمنت رسالة العجوز حكايةً كلها ألم وتوجع وحسرة مطالبة "رجل البلاد" بالإجابة على سؤال اللائمين، وهل من مجيبٍ وهل من مبين؟

لعل الرد على هذا السؤال جاء في خطوات التنسيق التي قامت بها المجموعة التأسيسية مع التيارات الأخرى وفعاليات القوى الحية بغية توحيد الصفوف في حركة جماهيرية كُتب لها القبول، وانتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم".

 

نقلا عن معالي الوزير عبد القادر ولد أحمدو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 8 زوار  على الموقع