من تاريخ الكادحين (7)
الجمعة, 19 مارس 2021 07:06

 

بدن ولد عابدين      

الذكرى الأولى لصدور "صيحة المظلوم"

altبعد الحديث عن السحر الأسود وعلاج أمراضٍ لا دواء لها بوصفات المشعوذين الغريبة العجيبة وتأثيرهم الواضح على سلوك بعض الناس المؤمنين بهذه الخرافات وما عانيناه من صعوبات وشظف عيش، تدور الأيام ويحتدم الصراع بين الكادحين وحكومة المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه طيب الله ثراه، ويتعاظم دور "صيحة المظلوم".. أصبحت على كل لسان، وضمن كل حديث، وشغل الناس الشاغل. وانتظم صدور أعدادها تباعا، لا تتأخر عن موعدها ويتلقفها المناضلون كل مرة، يوزعونها يفسرون كلماتها يعملون بما أشارت إليه مقالاتها، ينتظمون في دورات تُخَرِجُ المؤطرين من قادة العمل الجماهري.

ذات يوم في أواخر شهر مايو، وبالتحديد في التاسع والعشرين منه، سنة 1972 أكملت "صيحة المظلوم" عامها الأول، تمشي واثقة الخطى لا يعرقل تقدمها عائق إلا تجاوزته بثبات. قرر الرفاق بهيئة التحرير إحياء الذكرى الأولى لصدور العدد الأول من الصحيفة بعد إتمام العمل في إعداد عددها الثالث عشر. تطبيقا للقرار الذي كثر مؤيدوه وقل معارضوه ردد الرفاق حجتهم في تحسين الأوضاع المعيشية بالمناسبة وأكدوا أنهم صاموا سنة كاملة ولن يفطروا على جرادة، وبعد مداولات وجدال تقرر أن تُهدر الدماء ويؤكل اللحم يوم عيد "صيحة المظلوم". ذهبنا إلى سوق الغنم (المربط) واشترينا شاة اتفق الرفاق أنها تجزئ ويحسن السكوت عليها.

أخذنا الضحية المسكينة نسوقها إلى حتفها على شاطئ المحيط، غير بعيد من مكان تَرْجِيتْ الحالي. شَمَّرَ الرفاق عن سواعدهم وقسمنا المهمات نتبارى في إنجازها بحماس منقطع النظير. أعددنا المائدة وتحلقنا حولها، ساد التوافق التام على إفراغ الإناء مما فيه، شربنا الشاي بالنعناع، وبدأنا صفحة النقد والنقد الذاتي، أبرز ما في هذه الحلقات الحديث عن تقييم تجربة هيئة التحرير وتصحيح المسار، بناء على صدى المقالات المتتابعة خلال السنة الأولى من حياة الصحيفة. تكلم الحاضرون عن إشكالية خط التحرير موضوعا وأسلوبا: هل نتوجه إلى عامة الناس وبسطاء القراء الكادحين ومنهم من علمناه بالكاد حروف الأبجدية مثل الأرقاء السابقين والمهمشين في المجتمع.. وما أكثرهم عددا، جُلُهُمْ يتحلقون في مجموعات يقوم أحد من سبقوهم لمحو الأمية فيقرأ المقال ويشرحه كلمة كلمة بلغة مفهومة ويرد على المستفسرين من إخوانه البائسين المتلهفين للمعرفة ليخلصهم من براثن الجهل التي لا ترحم. وكثيرا ما يضيف "الأستاذ" إلى تفسيره و"احمراره" أفكارا من نسيج خياله لا صلة لها بتاتا بالكادحين فكرا وتصورا.

لا أنسى أن الأسلوب البسيط المذكور، على علاته، نشر العلم ووسع أفق المهمشين الرازحين أبا عن جد تحت نير الجهل وظلمات التخلف. ولذا بدأ هؤلاء القوم يبرزون في المجتمع ويتمردون جهارا على وضعهم المزري وكأنهم ولدوا من جديد. سلاحهم نور العلم وما اكتسبوا من وعي سياسي يتنامى باطراد.. تتسع رقعته لتشمل خلقا جديدا يواظب على قراءة "صيحة المظلوم" التقدمية ويناصب الرجعيين والتخلف البغيض العداء علنا.

أما الطرف الآخر من المعادلة المطروحة للدرس والنقاش في عيد "صيحة المظلوم" فيتمحور حول ما إذا كان يُسْتَحَبُّ على مضمون ما نكتب ونقول للناس أن يستهدف النخبة المتعلمة من جمهور القراء بلغة يفهمونها ونترك لهم دور التوصيل والنشر على المستويات الأخرى.

تواصل الحوار بين الرفاق أعضاء هيئة التحرير فأُشبع الموضوع نقاشا، لم يتوصلوا إلى توافق في الرأي؛ بل انقسموا فريقين تَمَسَّكَ كل منهما بأطروحاته، واستمر الخلاف على الموضوع يبرز مرة ويخبو تارة ثم يعود خلال نقاشات كل عدد جديد، يُحسم فيه الصراع الفكري باللجوء إلى التصويت ليفوز ما نال إعجاب الأكثرية البسيطة، وفي حالة التعادل يكون رأي مسؤول الخلية مُرَجِّحًا لفض النزاع.

أما بخصوص جانب الحصة من النقد الذاتي فهو مؤثر يقوم فيه المنتقد لذاته بالحديث عن أخطائه خلال تأدية الأعمال المسندة إليه وموقفه من بسطاء الناس ومن رفاقه فَيُسَلِّطُ الضوء على ذلك ويُعبر عن ندمه عما بدر منه ونيته أن لا يعود إلى الخطأ، ويتكلم باقي الحاضرين عن قصصهم الخاصة ويحاولون رفع المعنويات. وتتويجا للحفل البهيج للذكرى الأولى لـ"صيحة المظلوم" وبعد أن قام أحد الحاضرين بتلخيص ما دار حوله من نقاش وما تم الاتفاق عليه، أَخْرَجْتُ من جيبي صُرَةً ملفوفة بعناية، لا يدرك الناظر إليها محتواها، أمعن الرفاق النظر فيما بيدي وبدؤوا يتهامسون انتظارا للمرتقب، كان عبارة عن قطعة من قماش بيضاء اللون سُطِرَتْ على صفحتها عبارة مزركشة بخيط أحمر منظرها جميل براق، قرأها الحاضرون بفم واحد. بدأتُ القراءة بصوت جهوري: "بطل صيحة المظلوم" سلمتها يدا بيد للرفيق الصبور يسلم ولد ابن عبدم فوضعها على صدره معتزا فخورا فصفق الرفاق وأعجبوا بما نال من تكريم مستحق.

على هامش الاحتفال والتوشيح وجهتُ الكلام إلى الشاعر الكبير أحمدو عبد القادر: ألا ترى مقصدا أدبيا في الموضوع يكون ختام مسك للذكرى الأولى "لصيحة المظلوم"؟ أجاب أحمدو عبد القادر بِبلى واستطرد: الشعر ينزل على صاحبه إلهاما، لكن ربما توافق الإلهام ورغبتكم في هذه الحالة!

وظهر السرور باديا على الرفاق الباقين: فاضل الداه والمختار حي ويسلم أبن عبدم. كانت تلكم الأجواء التي ظهرت وشاعت بعدها رائعة أحمدو عبد القادر ومنها:

رُوحُ الْكِفَاحِ وَأقْدَامُ الْعَــــــــبِيدِ وَدَوْ ** رَاتُ الزَّمَانِ وَمَا تُخْفِي لَيَالِيهَا

سَتَطْحَنُ الشَّوْكَ عَن مِنْهَاجِ ثَوْرَتِنَا ** وَيَطْــــلُعُ الْفَجْرُ رَقْرَاقًا يُبَارِيهَا..

ولهذه القصيدة قصة أخرى سنعرض لها في حينها بحول الله ومشيئته.

نقلا عن معالي الوزير عبد القادر ولد أحمدو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع