من تاريخ الكادحين (13)
الجمعة, 30 أبريل 2021 10:34

 

تمكين المستضعفين في الأرض

بقلم بدن بن عابدين (رحمه الله)

altكان عام 1973 عاما حافلاً بالأحداث؛ فالبلاد حبلى بتطورات لافتة. بخصوص الكادحين كثُرَ أتباعهم وانتشروا في الأوطان طولاً وعرضا. جريدتهم (صيحة المظلوم) منتظمةُ الصدور لا تعرف انقطاعاً ولا تشهد توقفاً، التعليق على مقالاتها النارية يتصدر حديث الساعة ويلهمُ خلقاً كثيراً، ويخوض المفكرون في تفسير ما يصدر عنها من آراء، تنتشر بين الناس، تُلْهِمُ الشباب والنساء والعمال وغيرهم من فئات المواطنين. إنه الهيجان والاحتقان.. في مثل هذا الجو قمتُ في إطار المهمات الصعبة؛ وهي تسمية أوحتها رسالة وصلتني من صديقي الوزير السابق الشيخ أحمد الزحاف، المتميز برجاحة الرأي. قادتني المهمة المذكورة الى الولايات الشمالية موزعاً لبريد حزب الكادحين فجر إعلانهعلى الناس كافةً.

وصلتُ مدينة أطار فنزلت عند مقدمي بدار أهل بلالي، أكرمتني الوالدة المرحومة اميمينة بنت عبد الفتاح طيب الله ثراها وجعل جنة الخلد مأواها. أخذتْ بضاعتي المحظورة، فأخفتها في مكان لا يستطيع أحدٌ الوصول إليه.

في المساء نظم الرفاق اجتماعاً حضره عدد من أعضاء الكادحين وأنصارهم البارزين في المدينة.

بدأت الكلام فتحدثت عن أوضاع البلاد تحليلاًوتفسيرا، وعن برنامج الحركة المعارضة وما تصبو إليه من أهداف نبيلة تنهض بالشعب وتُقيمُ العدل والإنصاف بين الناس! صعد إلى المنبر بعدي شاب مرتب الشعر نظيفُ الثياب باسمُ الثغر طلقُ المحيا تتوسطُ جبينه سمةٌ سمراء من أثر السجود، حيّا الحاضرين وقال: أيها الناس اسمعوا.. كنت معارضاً للكادحين، ولما تأملت ما تضمنه بيان حزبهم، وشاهدت سلوكهم مع المواطنين البسطاء أحببتهم حباً جماً وأدركت ما يريدون.إنهم يسعون إلى تمكين المستضعفين في الأرض ورفع درجتهم، فمن اتبعهم اهتدى وضلّ من سايرَ الحكومة.

تلا المتدخل الشاب شيخٌ أسمر اللون، أشعث الشعر، اشتعل رأسه شيباً، حزين الوجه رثّ الثياب، في نظراته تصميم وعزم. قال: أنا شيخٌ من عالم البؤس والشقاء، ذقتُ مرارة الغبن والحرمان في بلدي، علمني الكادحون كيف أنهض من كبوة الزمن وأدران الجهل! أتقنت القراءة والكتابة على أيديهم. عرفت حقوقي المدنية. فهمت كيف يكون المرء حراً طليقاً دون حقدٍ ولا ضغينة. أمدّ يدي للآخر وأسعى لرص صفّ أمتي. أوصيكم معشر الحاضرين بالمستضعفين خيراً؛ فهم طيبون.

أنهى الشيخ حديثه، ورجع إلى مكانه فصعد المنبر كبيرُ الحدادين وبدأ الكلام مخاطباً الجمع:

نحن فئة ظُلِمَ بَعضُنَا ظلماً بواحاً، منا الصالحونالأتقياء والعلماء الإجلاء ولأدباء المفوهون.. أوضح لنا الكادحون أن لا فرق بيننا وبين أفراد المجتمع؛ لنا ما لهم، وعلينا ما عليهم. دورنا مهمٌّ لا يسُدّه أحدٌ، وغيرُنا يعجزُ عن إتقان مهاراتنا المبهرة!

ثم أردف قائلاً: إذا صدقت النيات وتحالف الجميع فسينهضُ شعبنا ويحتلّ أهله الصدارة بين الأمم، ويقضون على التخلف والجهل! لن نسير إلى الوراء بعد اليوم.

تحدثت بعد آخرِ متكلم سيدةٌ وشحت رأسها بخمار أسود، قالت: نحن النساء خَدعونا كثيراً، ظلمونا زماناً، ذهب بعضهم إلى أننا لم نخلق للحياة؛ بل وظيفتنا الإنجاب! واليوم نرفع الرأس لما جاء الحق واتضح على أيدي الكادحين وهم يشدون أزر من لا نصير له إلا الله. النساء نصف المجتمع وجناحه، وهل يطير مقطوعُ الجناح؟ افتحوا أعينكم، أعطوا كل ذي حقٍ حقه. إن أصلحتم النساء ورفعتم شأنهن أعددتم أُمَّةً صالحة، وإلا فلن تُفلحوا أبداً!

طال الليلُ وتأخر والسامرون يتعاقبون على المنبر، يتفقون أحياناً، وتارةً يختلفون، في جوٍّ يسوده الوئام لا تشنج فيه ولا غلوّ.

اصطحبني إلى داره الرفيق العزيز محمود مسعود، أحد قادة الحركة في مدينة أطار البارزين والمؤطرين للمنظمات الجماهيرية في الشمال التابعة لحزب الكادحين. يطلقون عليها اسم كارن اختصارا (Carn).

دخلنا منزل محمود مسعود فوجدنا أمه المرحومة أم البركه قد أعدت لنا أطيب الطعام وألذه. قال لي محمود ربما يكون المكان أكثرَ أمناً فدار أهل بلالي يزورها الأمن كلمرة بحثاً عن الرفيق القاسم بلالي. وهو عمدة انواذيبو الحالي، مسكون بحبّ المستضعفين شَبّ عليه لا يُفارقه أبدًا، مغرمٌ بوطنه وشعبه.

زرت أيضاً الرفيق ميلود ولد لكحل في منزله، فأكرمتنا والدته المرحومة فاطمة بنت همدي، ابنة الكرام، وفى مدينة أطار - والحق يقال- من ناصرت حزبه عائلة الوجيه همدي ولد محمود طيب الله ثراه وأحسن مثواه تميل كفته؛ لما لها من وزن.

ويعود الفضل إلى الرفيق ميلود ولد لكحل في إصدار وطبع ملحق "صيحة المظلوم" سطور حمراء، حققه زميلي الصحفي والأديب محمد عبد الله بليل؛ وهو متوفرٌ في المكتبات.

وتجدر الإشارة إلى أن النسخة التي صدرت من سطور حمراء مأخوذة - كجل الصور التي تخدم النص في هذه الحلقات- من مكتبة ذاكرة موريتانيا والصحراء لصاحبها الرفيق أخي أحمد محمود ولد أحمدو، جمال شهرة، أحييه وأشكره.

لقد قادني عمل المهمات الصعبة إلى مدينة انواذيبو؛ حيث حفرت أنا والرفيق العزيز سدنا يحيى مخبأً تحت الأرض للطباعة أدى دوراً بارزاً في إسناد العمل الثوري في الشمال.

كنت أقيم خلال تلك الفترة في منزل المرحوم عبد الرحمن يوسف اندور، وقد غادرنا بالأمس القريب الى جنات الخلد، فلْينمْ قريرَ العين.

نقلا عن معالي الوزير عبد القادر ولد أحمدو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 8 زوار  على الموقع