برنامج "اجماعه" (ح5)
الخميس, 29 مارس 2018 07:46

 

altأتقانا: أوردتم هناك (في كتاب "إلى أحرار موريتانيا") أمثلة رائعة منها أدب الشيخ ولد مكي، ومما أعجبني في هذا كون القصة أدبية بحتة، فيها لبتيت وفيها لبير وفيها اسغير، وفيها غير ذلك، إلى جانب قضايا الأمة كالقدس وغزة وغيرهما، وكأنكم توجهون رسالة إلى المجتمع بأن لا تعارض بين هذا وذاك.

ذ. إشدو: أستاذ.. سأعرب لك عن وجهة نظر عندي في الأدب: أعتقد أن من لا يمتاح بطاقين (صرعين) أو ثلاثة لا يمكنه القيام بوظيفة البِطان (آسْفِلْ) في المجتمع. خذ امحمد ولد أحمد يوره مثلا: علمه (وهو عالم) وفضله (وهو فاضل) وصلاحه (وهو صالح) لم ينقص أيا منها – بل زاده- أدبه فصيحا وشعبيا. علما بأن امحمد ولد أحمد يوره رائعة لأنه - مع محمد ولد أبن ولد احميداً- وحدهما من استوى لديهما طرفا الأدب فصيحه وشعبيه دون أن يتفوق أحد اللونين على الآخر!

الشيخ محمد سالم ابن عدود لم يحطط أدبه الفصيح والشعبي من علمه ومعرفته وورعه وفضله؛ بل زانها وزادها.

من ليس له إلا طاق (صرع) واحد لا أراه يمكث طويلا. وسأعود إلى ما سبق ذكره من أمر النهضة؛ ففي الأفق تباشير نهضة ثقافية، منها مثلا مهرجانات المدن القديمة، والمهرجانات الجهوية التي وصلت إلى القرى، والعديد من الأمسيات الثقافية.

أتقانا: والقناة الثقافية التي أنشئت.

ذ. إشدو: والقناة الثقافية التي أنشئت، لكن هل قام هذا العمل الأدبي ومحاولة النهوض هذه يا ترى على أساس فكري قوي وروح وطني وإصلاحي؟ أنا شخصيا أرى أن المثقف – أو الأديب- ليس من له معلومات، أو من له علم، أو من ينظم، أو من يروي.. هذا ليس المثقف ولا الأديب؛ المثقف والأديب الصالح هو المثقف والأديب المتكلم. ما معنى المتكلم؟ معناه الداعي إلى النهوض بالمجتمع وإصلاحه ومن ينصحه ويهتم بقضايا الأمة. لا شك أن الجاهل لا يمكنه القيام بهذه المهمة، ولكن لا شك أن المنافق المتلون لا يمكنه القيام بها أيضا. ولا شك أن من يسعى حثيثا للجمع وهو قصارى همته، وإذا أعطى أعطى قليلا ويكدي لا يمكنه التصدي لهذه المهمة. وكذلك المرتزق. الجامد لا يمكنه التصدي لها، ومثله المتزمت، وكذا من أغلق باب التطور العلمي ولا شأن له بما يجري في العالم. إذن لا بد من تعدد الأصراع؛ فلكي ننهض لا بد من مجموعة أمور سأقترحها عليك، لكن في سبيل البحث:

أولها أن يبذل كل مهتم بالثقافة والأدب وبالوطن ما يستطيع من جهود لأجل إنجاح الإصلاح في موريتانيا. في كتاب "أزمة الحكم في موريتانيا" - ولا أدري هل اطلعت عليه- أقول إن الدولة الموريتانية الأولى بنيت على أساس يسميه المختار ولد داداه بفصل السلطة عن المال، وأنا سميته الفصل بين الأختين، ولا يمكن إجراء إصلاح في موريتانيا قبل فك ارتباطهما الذي وقع منذ الإطاحة بالمختار، والإصلاح المعمول من أجله الآن سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا محاولة للفصل بين هاتين الأختين مُحَرَّمَتَي الجمع، فلو لم تفصلا نسبيا لما عبّدت الطرق، أو وجد ما تعبد به، ولما أسكن أهل "الكبات" أو وجد ما تستصلح به الأرض لهم أو يزودون بالإنارة أو الماء. ولو لم تفصلا لما شيد بعض المصانع، ولما زيدت ميزانية الصحة والتعليم زيادة معتبرة، وأقيمت مستشفيات لم تكن من قبل.. إلخ.

من الضروري فصلهما إذن؛ وقد شُرع فيه، لكن ينبغي لمن يهتم بالأدب أو النهضة الأدبية أن يكون أول ما يقوم به السعي بأدبه وثقافته إلى إنجاح الإصلاح وسياسة الإصلاح؛ لماذا؟ لأنه إذا نجح الإصلاح قام البناء التحتي لنهضة ثقافية.

علينا أيضا – كلبنة ثانية- أن نقيم الأصراع فنهرب كل الهرب من التقوقع والعيش في الماضي ومحاربة العلم والحداثة، لكن – في الوقت نفسه- نحارب الاستلاب والانبتات؛ فنعتمد على ماضي موريتانيا المجيد من أجل بناء نهضتنا، ونتشبث بقيمنا، لكن نعتمد على العلم والعصرنة والاختراع والإبداع من أجل خدمة بناء جيل صالح وثقافة تقف على رجلين إحداهما في القيم الموريتانية والأخرى في الحداثة. وهذا ما انتبه إليه شيخنا محمد سالم ولد عدود في البداية، حيث يقول:

شكا دين الهــدى مما دهاه ** بأيدي جامـــدين وملـــحدينا

شباب يحسبون الدين جهلا ** وشيب يحسبون الجهل دينا.

وهذه هي الكارثة!

القاعدة الضرورية الثالثة هي الاعتماد على دعائم صالحة. لا يمكنك تشييد بنيان ما لم يكن أساسه قويا. والأساس القوي هو ما كنت أقول؛ هو مثقفون متكلمون، فلا يمكن الاعتماد على الجهال مهما حازوا من الشهادات، ولا المتزمت والمتطرف.. إلخ. لا يمكنك الاعتماد على المتزمت لأنه ضد العلم وضد التطور.. أما المتطرف فلا تفاهم معه لتسرعه. المنبتُّ المستلب أيضا لا يمكنك الاعتماد عليه لأنه سيضع للمجتمع "علافة" ليست له ولا تناسبه؛ وبالتالي لا نفع فيه.

أتقانا: هذا جواب عن الجانب الذي ذكرته لكم في أمر القصة التي أدرجتموها بين المقالات التي تتحدث - كلا أو جلا- عن أمور واضح أن من الجيد أن تجاورها، لأنها تتحدث عن غزة أو عن قضايا الأمة وقضايا التحرر في العالم، جنبا إلى جنب مع "لبتيت" و"لبير" وتگل و"الروامد".. وهذا مهم. لكنْ عندي سؤال يتعلق بهذا المجال؛ أنا لاحظت اختفاء ظاهرة تحدثتم عنها، هي ظاهرة "الأعصار" وهي مما كان يميز هذا المجتمع، ويعبر عنها القائل:

"عصر" تقلد رفعة وفــخامة ** ومآثرا أنِفَت عن الأعصار

جبلوا على كرم النفوس وعفة ** ورزانة وسكـــــينة ووقار

فإذا مررت بواحد من جمعهم ** فلقد مررت بقارئ وبِـــقار.

هذه الصفات التي كانت في الأعصار..

وإلاه ابلا بيك انت بعد ** وابلا سيد ألمين إلاه

وابلا ول أبن محــــمد ** وابلا ول آبياه ابـــاه.

هذا النوع من الصحبة الذي ربط بين هؤلاء القوم المتحابين غيبا ومشهدا، وكلهم فتيان.. الشيخ ولد مكي حين توفي صديقه الحميم محمد ولد محمد اليدالي قال فيه:

لو كان ال كــبر اســـــمع ** ازين الدين اُكبر انّْفْعْ

احسن الخــلق اگرْبْ انفع ** اُلمتـــــثال المتـــوالِي

واجتــناب الِّ فاشــــــرع ** مِنْهِ عــنُّ وامحــــالي

والخوف امن اللَّ واطمع ** فيه اُفــعل المـــــعالي

من لمـــورال تنســـــمـع ** عن حد اكـــبير اُغالي

 

يگدر حد ابذ من الموت ** يسلك من خلق العالي

يسلك محمد ما ايمــوت ** ولْ محـــمد اليــــدالي.

أسماء "الأعصار" ما تزال محفوظة، قريش الأنصار العامدين الغاليين العاليين.. إلخ؛ هؤلاء كلهم فتيان أفاضل. كيف نالوا هذا؟

ذ. إشدو: نالوه بالتربية التي كانت لدى المجتمع؛ سواء أكانت تربية البيت أم كانت تربية المحظرة أم كانت تربية المتجر حين أصبح الناس يذهبون إلى السنغال للاتجار. في كل هذا التربية المتشبثة بالقيم، وكل ما زاد على القيم من مفيد يعتبر ربحا. هذا هو السبب.

لقد نشأت في قوم على هذه الشاكلة من الفضل، ولا أرضى بالتخلي عما أدركتهم عليه - كما عبرتُ عنه- بحال من الأحوال كما قد ترى، لكني بالمقابل لا أرضى بحال من الأحوال أن أحشر في زاوية؛ لا زاوية قبلية ولا زاوية جهوية. ومنَّ الله عليَّ بأن جُلْتُ في موريتانيا كلها وتعرفت عليها جميعا وعلى رجالاتها جميعا. الشيخ محمد الأمين عرفته، وكان صديقي، وكذلك الرئيس حمود ولد أحمدو، رحمهما الله.

أتقانا: وهل حدثكم عن الكركار؟

ذ. إشدو: نعم حدثني عنه الشيخ محمد الأمين، وقصته طويلة، وكذلك قصة "أدباي" قبله.

أتقانا: لم تحددوا لي بعد "بكار".

ذ. إشدو: "بكارنا" نحن هنا؟

أتقانا: نعم، أي القوم هو؟

ذ. إشدو: صديق لي رحمه الله، يسمى ابَّيّْ ولد أوفَّى.

أتقانا: لم تعينوه فيمن عينتم في القصة! هل كان هذا عن قصد؟

ذ. إشدو: أجل.. عن قصد.

ممن تعرفتُ عليه من رجالات البلاد الأمير أحمد ولد الداه رحمه الله؛ لقيته في آدرار، والجيش ولد سدوم رحمه الله، ولكني لم أدرك سدوم. ولقيت أحمد ولد اعْلَيَّه حين جئت إلى آدرار، وكنت قد حفظت في ريشاتول "طلعه" التهكمية المستحسنة في هذا المجال. يقول:

حسن راصك يكون العرف ** واللحيه حسنه من هون
ذاك ال جاري بيه العــرف ** والتبيب إبان اُلگـــرون

هذا انتقاد لمظاهر جديدة على الحياة من طرف من لا تلائمه.

أترك لغــنَ يگـــلع مـــولاه ** لغنَ ما لو لعـــد اتركــــناه

بيع أخـير البــيع ابمـــــعناه ** واشري تم إلى ريت الهون

الا تسمي لعبيد أرع هـــــاه ** لعـــدت ال مانك مجــــنون

 

حسن راصك يكون العرف ** واللحيه حسَّـــــنه من هون
ذاك ال جاري بيه العــرف ** والتبـــــيب إبان اُلگـــرون

 

شد اَيــديك اُحَرَّك كرعــيك ** فوگ الراله واخبط ميــزيك

وابلز في الشيباني عينـــيك ** لمهابه ماهي في القانــــــون

جاوب بالمنكب فرظ اعليك ** تــــم ألا كــــرر وي أنــون

 

باش اتعود اكبير أتنـــــــگاس ** كلّمْ رچُو والـــعب مـــــرياس

واصحب لحزاب المنهم ساس ** واگـــبظ لخــــبار افتيــــــلفون

اُلا تصحب كون اَرذال الناس ** اُلول من لصحاب الگرصــون.

لقيت أحمد ولد اعليَّه إذن في آدرار، ولقيت الشيخ بو ننه ولد الشيخ الطالب اخيار، ولقيت بعض ذرية الشيخ ماء العينين أصالة كانوا هناك. وفي الحوض لقيت أخت انجبنان المذكور في "الطلعة" وقصت علي بعض حياته. وفي تگانت ولعصابة لقيت بني عبد الرحمن ابن اسويد أحمد، أطال الله بقاءهم، لقيت الديه ولد الزين، ولقيت الوسط القريب من أحمدُ ولد حرمه. وفي لبراكته لقيت اهميمد رحمه الله.

أتقانا: رأيت "گافا" جيدا له أوردتموه في تأبين المرحوم سيمالي: تحداد الذهن امع ارّْمَ..

ذ. إشدو: يقوله فيه سيمالي:

تحداد الذهن امع ارّْمَ ** والكرم ال مِدَّاكِـن

والســــياده لمـــــعرمَ ** هذ فاهميمد ساكن.

ولقيت الأمير لبات ولد احمياده

(ول احمياده گال حد ** مذكور انزل تنبار

وانزل تنبار حد بعـد ** من لعرب ما يدار.)

والمختار ولد أحمد ولد عثمان، وأخاه عثمان رحمهما الله.. وكثيرا من الأعيان.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع