اختلف فقهاء الإسلام في السماع.. واختلاف العلماء رحمة للأمة
الجمعة, 22 نوفمبر 2019 07:20

القاضي محمد عبد الرحمن ولد عبدي       

altتابعت في الأيام الأخيرة الزوبعة التي أثارها مجهول عن طائفة  إيگاون تضليلا وتفسيقا، وأنهم فئة مارقة.. وذهبت به الحماقة إلى قياسهم بيهود المدينة، زاعما - من عند نفسه- أن اليهود (أو يهود المدينة) آمنوا وصدقوا رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وأن ما جاء به من عند ربه حق، إلا أنهم - أي اليهود- لم يتبعوه. وهذه حيثية باطلة مكذوبة؛ فاليهود لم يصدقوا رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم؛ بل كذبوه ونقضوا عهده، ومالؤوا الأحزاب المشركين عليه. صدع القرآن بذلك يتلى إلى يوم القيامة {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} في خبر لا يعتريه النسخ، مطلق منسحب على الزمن كله.

فتأمل يا هذا ما تقول!! لأنك بنيت رأيك في إيگاون على حيثية باطلة.

وإيگاون شريحة مسلمة فيهم الصالح والطالح، كسائر الشعب الموريتاني  وغيره من الشعوب المسلمة، والتعميم عليهم لا يجوز. وإطلاق الحرمة على عموم الغناء تحكم في الدين وقول يعوزه الدليل.

اختلف ففقهاء الإسلام في السماع على العموم والتكسب به، والنظر في ذلك بحسب الزمان والمكان والأعراف وما يقترن به. منهم من أطلق المنع، ومنهم من أجازه مطلقا، والحكم في آلات اللهو كذلك؛ فهل المزمار الذي بنوا عليه التحريم هو نفسه آلات إيگاون عندنا. لا أظن ذلك، وهل يقترن الغناء عندنا بما كان يقترن به في تحقيق المناط عند الفقهاء الذين منعوه في بيئاتهم وأزمانهم؟ وكان يقترن بالخمر والفجور والزنى، كما أشار له الحديث: «لَيَكونَنَّ مِن  أمتي أقْوامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمعازف» (البخاري في صحيحه) وهو أهم معول لدى المانعين، وكانوا يرونه من عمل الشباب السفهاء منهم. فهو إذن مختلف عنه.

وقد أجازه الغزالي وابن حزم وقبلهما إبراهيم بن سعد الحافظ راوي سبعة عشر ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والزهاد المتصوفة يرونه يجيش ما في القلب يرق قلوبهم ويُدمع عيونهم.

 وإذا كانوا منعوا على الرجال سماع غناء النساء المحارم فإنهم اليوم ذهبوا بعيدا وباتت النساء يصدعن بالقرآن يحاكين مشاهير القراء؛ ناهيك عن غير ذلك.

حكى ابن فرحون في تبصرة الحكام: فائدة، في حكم السماع من الرحلة للإمام الخطيب العلامة أبي عبد الله بن رشيد، قال: حكى الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المحدث الصوفي، قال: وأخبرني أبو محمد التميمي ببغداد، قال: سألت الشريف أبا علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي عن السماع، فقال: ما أدري ما أقول فيه؛ غير أني حضرت بدار شيخنا أبي الحسن عبد العزيز بن الحارث التميمي شيخ الحنابلة سنة سبعين وثلاثمائة في دعوة عملها لأصحابه حضرها الشيخ أبو بكر الأبهري شيخ المالكية، وأبو القاسم الداركي شيخ الشافعية، والقاضي أبو بكر الباقلاني شيخ الطوائف وإمام وقته، وأبو الحسن طاهر بن الحسين شيخ أصحاب الحديث، وأبو الحسن بن سمعون شيخ الوعاظ والزهاد، وأبو عبد الله بن مجاهد شيخ المتكلمين، فقال أبو علي: لو سقط السقف على هؤلاء لم يبق بالعراق أحد يفتي في نازلة يشبه واحدا منهم، وحضر معهم أبو عبد الله غلام بابا، وكان يقرأ القرآن بصوت حسن، وربما قال شيئا، فقيل له: قل لنا شيئا، فقال وهم يسمعون:

خطت أناملها في بطن قرطـــاس ** رســــالة بعـبـــير لا بأنـــــفاس

أن زر فديتك لي من غير محتشم ** فإن حبك لي قد ضاع في الناس

فكان قــــــولي لمن أدى رسالتها ** قفي لأمشي على العينين والراس.

قال أبو علي: فبعد ما رأيت هذا لا يمكنني أن أفتي في هذه المسألة؛ لا بحظر ولا إباحة.

ونقل الونشريسي في المعيار عن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (وناهيك بهذين الإمامين وكتابيهما؛ فهما من أهم مؤلفات ودواوين الإسلام) روى الخطيب في تاريخ بغداد عن الإمام المحدث الفقيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني القرشي حديثا مسلسلا عن عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير عن أبيه قال قدم إبراهيم بن سعد الزهري العراق سنة أربع وثمانين ومائة، فأكرمه الرشيد وأظهر بره، وسئل عن الغناء فأفتي بتحليله، وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه أحاديث الزهري فسمعه يتغنى، فقال: لقد كنت حريصا على أن أسمع منك؛ فأما الآن فلا سمعت منك حديثا أبدا. فقال: إذن لا أفقد إلا شخصك، علي وعلي أن حدثت ببغداد ما أقمت حديثا حتى أغني قبله. وشاعت هذه عنه ببغداد فبلغت الرشيد فدعا به فسأله عن حديث المخزومية التي قطعها النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة الحلي فدعا بعود فقال الرشيد: أعود المجمر؟ قال: لا، ولكن عود الطرب فتبسم ففهمها إبراهيم بن سعد فقال: لعله بلغك - يا أمير المؤمنين- حديث السفيه الذي آذاني بالأمس وألجأني إلى أن حلفت. قال: نعم. ودعا له الرشيد بعود فغناه:

يا أم طلحة إن البـــين فد أفدا **   قل الثواء لئن كان الرحيل غدا.

فقال الرشيد: من كان من فقهائكم يكره السماع؟ قال: من ربطه الله. قال: فهل بلغك عن مالك بن أنس في هذا شيء؟ قال: لا والله، إلا أن أبي أخبرني أنهم اجتمعوا في مدعاة كانت في بني يربوع، وهم يومئذ جلة، ومالك فيهم، ومعهم دفوف ومعازف وعيدان يغنون ويلعبون، ومع مالك دف مربع وهو يغنيهم:

سليمى أجمعت بينا ** فأين لقــاؤها أيْـــنا

وقد قــالت لأتراب ** لها زهـــــر تلاقــينا 

تعالين فقد طــــاب ** لنا العيــــش تعالينا.

فضحك الرشيد، ووصله بمال عظيم.  

وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني القرشي روى له البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث.

جئت إلى سيداتي ولد آبه - رحمه الله تعالى- أعزيه في ابنته ديمي، وذكرت له - مهنئا له به- ما بلغني من موتها على الشهادة. قال لي رحمه الله تعالى: لما حضرتْ أبي (ألف ولد آبَّه) الوفاة قال لسيدي محمد ولد امينوه: اشهد على موتي وجعل يقرأ {قل هو الله أحد} حتى مات. ثم أردف قائلا: أنا فما تركت وردي كل ليلة. إذا آويت إلى فراشي أذكر الله تعالى بلفظ لا إله إلا الله ألف مرة قبل أن أنام.

وحدثني أخي الثقة الورع الديّن أحمد بن محمد بن أحمد بن سيد الأمين بن ودادي أن سيداتي ولد آبه مقيم للصلاة مواظب عليها، صدوق لا يكذب. وبلغني أن الفنان الشهير اعلي بن أيده كان مؤذنا.

 

والتكفير - يا هذا- عمل وحكم القضاة في محاكمهم حالة نشوء الخصومة وقيام الحكومة بعد التحري والتحقق ووجود البينة، قولا كان أو فعلا، إرادة وقصدا في حق الفرد الفاعل (لا تكفر الطوائف) بعد النظر والتمكين من الدفاع والأعذار والإعذار.. بل يدرأ الحد إذا وجد وجه واحد للإيمان مقابل ألف وجه للكفر.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 2 زوار  على الموقع