في تأبين الفنان سيمالي ولد همد فال
الأربعاء, 08 مايو 2013 12:02

 

كلمة ألقيت في مهرجان نظمه قطاع الثقافة تكريما للفقيد سيمالي ولد همد فال، ونعيد نشرها في الذكرى السابعة لرحيله

alt1- لم يكن الفنان سيمالي ولد همد فال - الذي نحتفل الليلة بتكريمه- فنانا موهوبا تربع على عرش الفن في بلادنا، وبذل الغالي والنفيس في سبيله، فنال السبق وتقدير وحب زملائه وتلامذته وجمهوره المتنوع الواسع فحسب؛ بل كان أيضا يتحلى - في زمن الانحطاط - بخصال حميدة، هي سر عظمته، قلما توفرت في غيره من الفنانين؛ ألا وهي الالتزام، والخضرمة، والأصالة:

- نعم؛ لقد كان المرحوم سيمالي متكلما، أي ملتزما بالشأن العام؛ يحمل هم وطنه ويسعى لخير وعزة شعبه.. شارك في الحركة الوطنية في الستينيات والسبعينيات، وانتمى لبعض التيارات الفكرية التقدمية، وغنى للوطن: "موريتانيا هي بلادي".

- وكان المرحوم سيمالي مخضرما؛ أي أنه شكل جسر لقاء وتواصل بين الماضي والحاضر، بين القديم والجديد. فحافظ، وهو سليل قمتين فنيتين: أهل سدوم ولد انچرتو، وأهل اعليّ الفشّ؛ على رحيق تراثنا القديم: "أژوان" (الموسيقى) الأصيل العريق، و"لِغْنَ" (الشعر الشعبي) الجزيل، وهذا نموذج من إنتاجه:

تَحْدَادْ الذِّهْنْ امْعَ ارْمَ         وِالْكُــــرْمْ الِّ مِدَّاكِنْ

والسِّـــــيَادَه لِمْـــعَرْمَ         هَذَ فِهْمَــــيْمَدْ سَاكِـنْ

وجدد دون إسفاف أو فسق أو هبوط، ولم يتسول بالفن، ولا جرفه التيار الذي أنزل قمما إلى القاع.

- وأخيرا كان المرحوم سيمالي أصيلا كذلك، وشهما.. لم تحمله صروف الدهر، ولم تجبره ظروف حياته الصعبة على الهوان، وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وتجرد المثقفون والفنانون من القيم، وباعوا كرامتهم وتاريخهم للشيطان.. ظل شامخ الرأس، ثابت الجنان! لم يتأول على طريقة أبي نواس:

أباح العراقي النــــــــبيذ وشربه   وقال: حرامان المدامة والســكر

وقال الحجازي: الشرابان واحد   فحلّت لنا من بين قوليهما الخمر!

ولم يجادل كما الخيام:

يا رب.. هل يرضيك هذا الظما       والماء ينساب أمامي الزلال!

وإنما سَخِر – كالزمخشري- من دهره، ومن المنبهرين بجمال الدنيا الفتان الزائف!

اسمعوه في رائعته "بين الوديان" يهزأ من قوة ضعفنا، ويفخر بقوته –رغم ضعفه- وبقدرته على الصوم عما لم يألفه من عرف وشريعة المجتمع الأصيل؛ كما عنترة حين قال:

ولقد أبيت على الطوى وأظله      حتى أنال به كريم المأكل!

 

يقول سيمالي:

بين الوديـــان
شفت الگحوان
أشفت الغزلان
واثر المرحـان

فلباطن شـفت

حرِّ لكـــــــنت
لغزال اخفيـف

ولاَّ بالســـيف
يغـــير اسكت

وانگد انگــت

 

الخظر اگبيل
أشفت آتــيل
الناس ارحيل
اعليه السيل

اغزال إشيل

نعرف لختيل
وانَ ثــــقيل

انگد انمــيل
الدهر اطويل

المــستحيل!

2- هل كان هذا الفنان الرائد الأصيل بدعا؟ كلا! فتلك الفئة المتميزة الكريمة التي أنجبته، تبوأت بثقافتها وفنها، وسمو هممها وخلقها، وحصافة رأيها، سدة رعاية قيم المجتمع، وحفظ مآثره وأمجاده وأيامه، وصيانة سمعته، وما فتئت تمدنا بسخاء - في كل حقبة من حياتنا- بجبال رواسي يروون ملاحمنا، ويثبتون أقدامنا، ويحفظون مجدنا وتراثنا! أوما سجل اعلي انبيط ولد حَيْبَلَّ ملحمة أولاد أعمر ولد اعلي في "الكرس" بمختلف "بتوته" وخلّد سدوم ملحمة صمود إدوعيش في احنيكات بغداد في رائعته "أم ارثم" وكذلك حالُ البو بن مانو مع أبناء أحمد من دمان في "اتهيدينة غسرم" وأطعم حيموده ابن انغيميش عوده (تيدنيته) النار حين نعي الأمير سيد أحمد ولد عيده، وهاجر الجيش ولد محمادو وأحمدو ولد الميداح مع الأمير محمد فال ولد عمير، وثار الجيش ولد سدوم مع النهضة، ومحمد شين ولد محمادو مع الكادحين، وثبتت المعلومة بنت الميداح مع المعارضة في وجه عواصف الطغيان؟

3- لماذا نكرم سيمالي ميتا وقد هان علينا حيا؟ ذلك أن الفترة الظلامية التي عاش فيها لا يتألق فيها الفنانون الحقيقيون، ولا يكرم فيها المبدعون، ولا يقام فيها وزن أو اعتبار للثقافة والفن! والآن وقد من الله علينا بخلاص - نوده كاملا- فإن تكريم هذا الفنان الأصيل هو أضعف الإيمان! فشكرا للمشرفين عليه.

نشر في "السفير" العدد304 الأربعاء 17 مايو 06

(من كتاب "حتى لا نركع مرة أخرى")

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع