برنامج "اجماعه" (ح4)
الخميس, 15 مارس 2018 07:06

 

altأتقانا: يا أستاذ.. هذه الثقافة العالمة، هذه الثقافة الواعية، وهذه الثقافة العربية الجَلِيُّ كونها من مشرب صاف.. كيف تمكنتم من المحافظة معها على ما في قولكم:

زنفت لگبيل لا اشـگات ** امتن العـــقيده واثْبات

وارفود الباگ ما ابگات ** تشكرط من ش جارح

ذاك امع بابَ بــعد مات ** - إنا لله- الـــــــــبارح!

 

حاولن فر انــــــسادبوه ** واغلبنَ وابگ ســـارح

ذاك الِّ يعرف عند بوه ** ساداب الگـــارح ذارح!                                                    

كيف أمكنكم التوفيق بين هذا الأسلوب الحساني الأصيل، وهذه الثقافة العالمة وهذه المؤلفات المنشورة؟ هذه مجالات مختلفة! استحسنت هذا وتذكرته من خلال قولكم: "وما ظنكم بنابتة ما كرّرت نصوص الألفية وخليل.." إلخ، أنتم في تلك المقولة جمعتم بين الأصالة والحداثة، وهذا ما ذكرني بالطلعة الآنفة. من ترثون بها؟

ذ. إشدو: أرثي بها بابَ ولد اگاه.

أتقانا: كيف جاءت هذه الطلعة من هذا التباين؟ عسى أن يفهم الشباب فيستفيد.

ذ. إشدو: هناك أمور تدخل في الانحطاط – أو هي من أسباب استمراره- منها التزمت، وأحادية الجانب. مثلا يرى كثير من الناس الأدب الشعبي جرحا في الشهادة! وبعض هذا موروث من المفاهيم التي كانت لدى المرابطين، لكن السلفية تبالغ فيه، والثقافة إذا أهْمَلَتْ ما يشكل الروح الوطني تضمحل.

اميي (محمذٍ بن محمد فال) أحد أبرز القضاة والعلماء في هذه البلاد وهو أديب شعبي مبدع! التَّزَمُّت والجمود من مظاهر الانحطاط والتخلف، وساهما كثيرا في التفريط في الأدب والفن والثقافة والتاريخ، واعتبار ثلثي هذا حراما، دون أن يكون الحكم كذلك؛ بل الحرام جهل هذه المذكورات.

أنا ولدت ونشأت في مجتمع في غاية التشبث بالقيم، لكن لعلك تدري ما يقول لأنك نشأت في محيط مماثل: "أول ما يجب على المكلف قفا"

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

الفتوة!

إذن فمن أراد أن يكون شخصا لا بد له من هذه الأمور، لكن لا بد له – في الوقت نفسه- من الرقي والتطور، فأحادية الجانب سلبية.

"الطلعة" التي أنشدتم آنفا أنا لا أراها أكثر من طلعة وجدانية عادية من لبير، في رثاء شخص مهم. وأضيف لك أني أمدح، وأرثي، وربما هجوت، وهذا نادر، لكني سأنشدك بعضه.

لماذا أمدح؟ لأنه

لا يذهب العرف بين الله والناس.

ولأن الله تعالى قال: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس». ألم يمدح بابه ابن الشيخ سيديا – على جلالته- أهل ابلمهاريز:

أقول للركب فوق الريع من بير ** أبي المهاريز بير المجد والخِير:

يا ليتنا كل يوم نازلون عـــــلى ** حي وبير كهذا الحي والبــــــــير

لماذا؟ لأنه يعي قول الله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} وأنه لو حاول جزاء هؤلاء القوم بأغلى الماديات لما بلغت مبلغ الكلمة الطيبة! وإنما هذا ما يوفي جزاءهم.

أنا سبق أن قلت "طلعة" أمدح بها أهل بيت منا حللت ضيفا بهم وأنا خارج من إقامة جبرية فأكرموني إكراما فوق المعتاد، فقلت:

روصو حاسنّي كل حـــــد ** فيهم يغير احــساني

كامل عند أهل اتشاه بـعد ** نساني ياســر ثــاني

خيمه في الكرم ألا احمار ** ما فيهم واحد فيه بارّ

عن لوخر، لَوْدَ واســـــار ** للـــدوني والبــراني

اترزن في الجدب افادفار ** افلعريش الفوگــاني

أما الهجاء فقد قلت منه "گافين" لم أجد بدا من قولهما، أحدهما قولي:

لاحگ ذ الخلق الوسانَ ** مولانَ عدنَ فاوهــامُ

إگوَّمْ عرضُ مــــــولان ** ما دار اعلينَ تگوامُ.

وهذا ليس إلا ترجمة غير تعسفية لبيتين عربيين:

ومن لم يصن بالبذل عنيَ عرضه ** ولـــم يتـــوجه فاقــــــتي بعـــنايــــتهْ

فما أوجب المولى علي صـــــيانة ** لعرض أخي عرض أبى عن صيانته.

أتقانا: صحيح.

ومن شاء فليحفظ بساتين عرضه ** فإن جنان العِرض خير جِنان.

ذ. إشدو: الثاني قولي:

العتــــــمه فاتراب البظان ** بكمه كانت لا خــلافَ

وافهاذي لرض الخير اتبان ** املي عادت زحافَ!

أتقانا: سبق أن نظرت في كتابكم "إلى أحرار موريتانيا" وحين ذكرتم الآن رجالات من علية القوم وبعض المرابع وما إلى ذلك لا أكتم الرأي العام أن قراءتي لقصة أوردتموها فيه – مع كثير من الدواعي الأخرى- كانت وراء إصراري على عقد هذه الجلسة معكم لروعة تلك القصة، وسأفاجئكم – أستاذنا- بأني لا بد لي من نبش مواضع منها من باب الاستيضاح فقط.

هذه القصة أنا رأيت فيها – كما سبق أن قلتم أنتم- أن منطلقها قول الشيخ محمد الأمين ولد لمحيميد:

يامس عند الكركار ** جاوْ اعلينَ خطار

گالُ عنّْ ابلحـــبار ** أهلُ عادُ باگــــيـل

واعـــلم بيهَ بــكار ** واجحدهَ بيه الويل

اُلا حسيت ابلخبار ** إلين العاد اللـــــيل

 

امَّ آنَ يالمعــــبود ** لكنت اعلمت اگبيل

عنهم باگيل انعـــود ** گيلت اگبــيل اگيـل.

هذا هو منطلق القصة. أنا قرأتها؛ وتعود إلى سنة 1959 لمن لا يعلم، وهي عبارة عن لحظات عشتموها في زيارة "نزلة" كما عبرتم عنه، وأنتم ما زلتم شابا يافعا، وهذا الخليط ذهب، وعهدكم به تلك الزيارة، وذكرتم في نهاية القصة أنكم بعد 50 سنة علمتم أن ذلك الشخص الذي غاب سنة 1959 ها هو يغيبه الموت أخيرا، ولذلك جعلتم عنوان القصة "لوعة غياب جديد" الغياب القديم أفلت منكم، وفي هذا الغياب الجديد تغيبه المنون! أو "ذكريات من حديث الزمن الغابر" هذه اللوعة وذلك الغياب الجديد القديم اللذان رأيتهما في تلك القصة – أستاذنا الكبير- حين استطردت في القصة لاحظت أنكم عينتم كل الرجال سوى "بكار" فمن الشخص الذي كنيتم عنه ببكار، وأين هو؟

ذ. إشدو: ذلك المقال فعلا أصبح قصة، وقد قال لي الدكتور أحمد ولد امبيريك – وهو ناقد لا يحابي- إنها من أروع ما قرأ. وأقول لك بكل بساطة إنها ليست إلا مرثية وبكاء على أطلال زمن جميل؛ فأنا أقول فيها إنني أعرف ما بين مشارف "لگوارب" وغشوات بو كافه في بداية موسم الخريف تكون أرضه خضراء جميعا، والأجارع (لگواد) مليئة ماءً، والخيم متصلة، والأغنام، والأبقار، والآبال، وقطعان الظباء والغزلان، على امتداد تلك المساحة الشاسعة، والنضرة ظاهرة على الناس.

وأقول فيها إنني نزلت ورفقائي عند أخيارهم – رحمه الله- في حي أهل عبد الوهاب على ذروة "الغلفه" شمال "لمناحر" في غابة من البشام (آدرس) تقصر جميع العطور اليوم عن عبق عبيرها، والمواشي تجوب المكان. بعد ذلك بـ30 سنة أو أكثر مررت هناك فوجدت الحال تغير! تبدلت الأرض غير الأرض والسماوات.. وبينما أنا ليلة في انواذيبو أخوض مفاوضات مع إسباني مسن قادم من إسبانيا في شأن باخرة محجوزة، أمعنتُ النظر إليه فتأكد لي أنه مضيفنا في "الغلفه"! قلت له: هل أنت أخيارهم؟ قال: أجل.. وترقرق الدمع في أعيننا معا وتعانقنا، وكانت تنتظره طائرة في المطار لتعود به، وقهوة صباح في بيته تعدها حرمه الإسبانية! كل شيء تغير.

أتقانا: أنا لاحظت أيضا أنكم حين عدتم فوجدتم المكان قاعا صفصفا ويبابا مررتم بطلحة أوردتم فيها أدب ولد بو باجه:

شوف التگفايـة صحيـح ** نعرفهَ باجـدرهَ والريح

اعليهَ تتگرع واتميــــح ** أگفتــــــه زينه والنوار

گادلهَ ما مظنون اتطـيح ** والخلق اماســــيهَ عقار

وأزوان امگيم لبريـــــح ** افظل اظحاهَ كل انهار

وامنين إزول الظل إبيح ** بيگي يفاوت بالتـصبار

واتلاويح الخيل اتلاويح ** غير الرحاله ماه اعمار

 

من تصريف الحي الرؤوف ** شوف التگـــفاي قفار

وازربه گبلـــته منـــــسوف ** واجدره عاد افبلُّ غار

واجماعتهَ ما تات اتشوف ** عينك منــهَ رداد أخبار.

حين وصلتم إلى هنا قلتم:

واجماعته "مزلت اتشوف ** مَرَّه" منــهَ رداد أخبار

وولد بو باجه قال: "ما تات اتشوف عينك" هذا في مروركم بطلحة "لگويعه" حين وصلتم إلى احسي المحصر أوردتم "گاف" أحمد ولد سيدي ميله:

قفار انتي ** عدتي يالدار  

الّ كــنتِ ** مانك قفار!

وحين جئتم تگرمن قلتم:

تگرمن كانت يالشفــاع ** ابلـد لمـرو واجتمــاع

لحبـاب أكانت بالتگياع ** "تگرمن" ربـع عــزة

وانـــــــواع العلْمْ اُلتباع ** الحسان الماهُ دفَـــنتَ

واگرايت لثمان ألربـاع ** واستفتي يكان أُسـفْتَ

والهول ألغنَ والتــبراع ** والوسيط أشعر الستَّ

والجوده واطعام الجياع ** فالصيف الحاف والمشتَ

واجماعته تعرف لجماع ** واتوتي ذاك الْ يُوَتَّ

اتعطي ش كانت للطماع ** اُفايديه كانت ش حتَّ

واوف ذاك أعادت تلياع ** للــروح أدار مـيـــة

والناس الّ تعرف، فزاع ** افلراضيــن أمِشَّـــتَّ

اُكثرو لعلاب اتيگطـاع ** زرات الساف لمگت

اُذان نسدر باحر گــاع ** أي الربـــى ربيـــــــة.

أنشأتم في هذه، وأنشدتم في البواقي، هل معنى هذا أنكم محتكون بها أكثر من سواها أم ماذا؟

ذ. إشدو: لا أعلم.. تگرمن هذه كانت موطن الأهل وموطن الحكاية، وكانت بمثابة قرية، وحين جاء الجفاف قضى على البقر وعلى علاقات الإنتاج التي كانت قائمة، ونزح الناس فاتجه أكثرهم إلى الأحياء العشوائية في العاصمة وأصبحت تگرمن يبابا بعد ازدهارها.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع