قصتي مع مصـر (ح 1)
الثلاثاء, 21 مايو 2013 08:35

altما أطيب اللقيا على ميعاد..

حتى ولو كان منذ أربعين سنة..

عشق عذري بهذا العمر..

وبعده.. يسنح الوصل..

حين هل ينفع وصل؟!

و

.. "فات الميعاد..

وبقينا بعاد.. بعاد..

والنار بقيت دخان ورماد.."

أحبها منذ أربعين سنة..

كانا في ريعان الشباب..

عمره.. دون العشرين بسنوات..

وعمرها.. آلاف السنين..

و..كانت صبية!

مثل الشمس..

أو

كجدتها زَلِيخا:

حمل إليها "عفاريت مصر الجديدة(1) قميص يوسف..

فجر يوم من "... صيف لن يتكرر"(2)

فاشرخنّ شبابها..

              ***

كم تغنىّ الشعراء بجمال الحبيب:

"أين من عيني حبيب ساحر؟ ** فيه عـز وجـلال وحيـاء
واثق الخطوة يمشي  ملكـا ** ظالم الحسن شهي الكبريـاء
عبق السحر كأنفـاس الربى ** ساهم الطرف كأحلام المساء"(3)


ومن جمالها:

جمال عبد الناصر -

(ومدلة بالحسن قلت لها: اقصري    إن الجمال جمال عبد الناصر!)(4)

النيل

الأهرام

الأزهر

شوقي

محمد عبد الوهاب

أم كلثوم

ونجيب محفوظ...

          ***

كان الميعاد في ربيع 1962.

سجل اسمه في رحلة برية نظمها نادي اللغات الحية بتونس.

برنامج الرحلة حافل شمل زيارة مجمل معالمها.. وحضور إحدى حفلات كوكب الشرق التي تقام يومئذ في الخميس الأول من كل شهر.

تدخل القدر في غير صالح العشاق، ولعبت السياسة لعبتها.

وقف الرقيب العربي "مسرور" (حدود سايكس - بيكو) بينهما شاهرا سيفه.

"زار الحبيب حبيبه متنكرا ** فبدا الرقيب له فولى معرضا
فكأنه وكأنها وكأنــه ** أمل ونيل حال بينهما القضا":(5)

altتمر الرحلة بليبيا..

رفضت المملكة السنوسية منحه تأشيرة دخول..

الحدود بين الأمة تهدر شبابها، وتعصف بأحلامهم..

.. وكذا السياسة!

.. فحتى بعد انتهاء عزلة بلاده وعودتها إلى "الجماعة" ظل الشباب الوطني القومي يرابط في الخنادق، معزولا عن دوائر القرار والتأثير والتواصل، رغم دوره الحاسم في فرض ذلك الاتجاه! بينما انقض الوصوليون والأدعياء والمنافقون ينهبون ثمار زرع غيرهم!

… وانقض المغول على الحكم في بلاده صبيحة العاشر من يوليو 1978فأهلكوا الحرث والنسل!

أقبل الليـل فجر يـوم حزين ** فنسينـا المنى وذقنــا الهوانا
حين جاس المغول نهبا وسلبا ** وانتهاكا، وعاث جنكيز خانا
لجنـة بعـد لجنة بعد أخرى ** نخرتنا طبيعة، وكيانا(6)
***

"ودارت الأيام..

و.. مرت الأيام.."

أربعون سنة أو تزيد..

ادخلوا مصر...

.. وفي مساء الخميس 24/10/02أعلنت المضيفة: "سيداتي وسادتي بدأنا الآن الهبوط في ميناء القاهرة الدولي".

حطت الطائرة في المكان الأسطوري الساحرالذي طالما حلم بتقييل ثراه الطاهر..

"وطنان أشوق ما أكون  إليهما ** مصر التي أحببتها.. وبلادي
ومواطن الأرواح يعظم شأنها ** في النفس فوق مواطن الأجساد"(7)


تذكر صوت مذيع "صوت العرب" الجهوري يعلن هبوط طائرات ملوك ورؤساء العرب بهذا المكان، في قمم دعا إليها ورعاها ناصر العرب أيام عزة العرب.. فهاج شجوه!

﴿ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين﴾ آية من نور في جبين مطار - قمر.

كانا ثاني اثنين من بلاده توجها لحضور قمة فكرية دعا إليها الأمير خالد الفيصل، ويرعاها الرئيس المصري.

كان الجناح العتيق الذي نزلا به من الميناء الجوي يخضع لأعمال ترميم حدّت من جلاله وزادته حيوية وصخبا.

"الآن وصلنا بالتأكيد" قال مسافر، وهو يعلق على خصام حاد بلغة متميزة، نشب بين عاملين في إحدى زوايا المطار!

أكملا الإجراءات:

"تسائلني من أنت..."؟!

وكاد أن يبدأها بالسؤال!

عدسة أبي الخطاب صورت المشهد قبل أربعة عشر قرنا:

"ومنكرة حالي وقد حال بيننا ** سنون لها فينا جميعا تصرف
فأبدت سؤالا كدت أبدؤها به ** وقالت: أعمرو من بنا كان يكلف؟
فقلت: نعم لا؛ صادق في كليهما ** وأنشدت بيتا  والمدامع  تذرف:
تغيرت الأحوال ما أنا بالذي ** عرفت ولا أنت التي كنت أعرف"

- .. مجرد ضيف!

        ولكن لا كباقي الضيوف!

altوتذكّر قرار مؤتمر شتورة الذي عزل بلاده عن أمتها مجاملة للمغرب المطالب بضمها آنذاك والمدعوم من بعض قوى المعارضة الموريتانيةالمرتبكة. وكيف وجه هو من الجزائر في غرة نوفمبر 1963عن طريق جريدة "الثورة والعمل" رسالة مفتوحة إلى ناصر العرب وأخويه أحمد بن بلله وعبد الله السلال يستصرخهم فيها أن ينقدوا موريتانيا من عزلتها؛ وسرعة استجابة مصر حين بادرت فأرسلت إلى موريتانيا وفدا برئاسة الدكتور نبوي المهندس ضم مختلف فعاليات أجهزة الدولة الأساسية إضافة إلى شيخ الأزهر الشريف الشيخ محمود شلتوت!

كتائب من شباب موريتانيا الريفي ينتمي بعض عناصرها إلى معهد أبي تلميت نظمت نفسها وتدربت على الشاطئ، على نغمات نشيد الشباب للشاعر أحمد ولد عبد القادر، لاستقبال الوفد المنتظر قدومه، على رأسها شاب نحيف متحمس ومستبد يدعى المحجوب ولد بيا. ومن الغريب حقا أن الحكومة الموريتانية انفتحت بسرعة على تلك المجموعة وتبنتها واستعرضتها في استقبال الوفد الزائر الذي وصل وهنا من الليل، وأشركتها في مرافقته. وكان هو رغم وظيفته الرسمية أحد أولئك الشباب.

ونجحت الزيارة نجاحا منقطع النظير.. وبفضلها انهار الحصار العربي المضروب على موريتانيا بمقتضى قرارات مؤتمر الجامعة العربية، وامتدت جسور التواصل الأبدي بين موريتانيا والكنانة:

- باقات من زهرة شباب موريتانيا وفدوا إلى مصر ونهلوا من معينها.

- كوكبة من علماء وأساتذة مصر وفدوا إلى موريتانيا ورابطوا في معهد أبي تلميت، وثانويات العيون وأطار ونواكشوط ومدرسة تكوين المعلمين؛ نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ أحمد إسماعيل، وعبد العظيم، ومحمد إبراهيم، وحسن حنفي سري، والحلواني، وخير الدين.

- وبمجيء الوفد المصري الزائر إلى موريتانيا أذيع "بيان" أول قمة فنية بين العملاقين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب "أنت عمري" التي أصبحت تعويذة ساكنة المدن من الموريتانيين! ومن وراء "أنت عمري" "أنت الحب"، "أمل حياتي" ثم الأطلال، فـ"فكروني"...

- وأشرق نور "المركز الثقافي العربي" في بلادنا، فكان أول جامعة عربية بددت دياجير الجهل والعزلة والتخلف والجمود التي ضربت أطنابها أيدي الانحطاط والاستعمار قرونا على بلادنا وأهلها. فكم من محاضرة ودرس وفلم وأغنية قدمها إلى المتلقين الصوادي ذلك الصرح الحضاري الكبير. وكم دعا على أعواد منبره الشيوخ والعلماء والأدباء: دعا الشيخ محمد سالم ولد عدود وأنشأ وأنشد العلامة المختار ولد حامدٌ، وشدا وغرد الشاعر المناضل أحمدو ولد عبد القادر… وغيرهم كثر! وما زال يتذكر أنه خاض مسابقة نظمها المركز الثقافي العربي لاختيار أجمل مسرحية ففاز نصه المسرحي الذي عنوانه "ليلة القدر" ويتناول مقتل رائد الاستعمار الفرنسي في موريتانيا كزافيا كابولاني على أيدي المجاهدين، وكيف حصل على جائزة من كتب ثمينة كان من بينها كتاب معجم البلدان لياقوت!

وإن ينس لا ينسى وقوف المركز الثقافي العربي - في شخص مديره الأستاذ محمد عفيفي وجنديه المجهول محمد العربي- إلى جانب الحركة الوطنية الموريتانية المناهضة للاستلاب والتغريب والفرنسة عشية إضرابات فبراير 1966التي حاولت أيْدٍ في النظام تحويلها إلى فتنة عنصرية بغيضة! 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- عنوان مسرحية مشهورة للكاتب المصري علي سالم.

2- عنوان كتاب شيق للكاتب المغربي محمد برادة.

3- من قصيدة "الأطلال" للدكتور إبراهيم ناجي.

4- للشيخ محمد سالم ولد عبد الودود رحمه الله.

5- لرزق الله بن عبد الوهاب التميمي البغدادي.

6- من ديوان "أغاني الوطن" للكاتب.

7- لخليل مطران.

 

 

 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع