من الأرشيف
| حادثة إطلاق النار في اطويله: رب ضارة نافعة! |
| الاثنين, 16 أكتوبر 2017 07:49 |
|
فالرجل على علاته، ورغم ما يقول عنه خصومه، مسكون بحب وطنه وشعبه، ولديه نظرة إصلاحية متكاملة لما يجب أن تكون عليه موريتانيا.. تماما كما كان الرئيسان الراحلان المختار ولد داداه وأحمد ولد بوسيف! وهذا هو سر مغامرته بحياته ثلاث مرات، وما يؤخذ عليه من "تهور" و"ارتجالية". وقد استطاع أن يحقق بالفعل في وقت قياسي (ثلاث سنوات) الكثير لشعبه؛ وخصوصا على مستوى التصالح الوطني وإشاعة الحرية، وبناء وترميم مؤسسات الدولة بدءا بالجيش، وإقامة البنى التحتية، ومحاربة الفساد، والعناية بحياة الناس (السكن، الصحة، الغذاء، والتعليم، والماء والكهرباء) والحد من الهيمنة الأجنبية وإنهاء الوجود الصهيوني المخزي في بلاد المرابطين.. الخ. وإذا كانت سياسات الرجل الوطنية والاجتماعية وشخصيته القوية وأساليبه المباشرة قد أكسبته حب واحترام وتأييد غالبية شعبه الذي انتخبه في الجولة الأولى، فإنها جلبت عليه أيضا غضب وسخط ومعارضة الأوساط المستفيدة من الوضع السابق على عهده والتي تضررت مصالحها وضاع بعض امتيازاتها في ظل سلطته الوطنية. الشيء الذي جعل حالته شبيهة إلى حد كبير بحالة الرئيس أوغو تشافيز في فنزويلا: غالبية الشعب معه، وأصحاب الامتيازات والثروة ضده. ومع ذلك، فإن الرجل، لصفائه وثقته بعدالة القضية التي آمن بها وسعى في سبيل تحقيقها بكل ما أوتي من قوة، قد لا يدرك أبعاد وخطورة العمل الذي يقوم به، ولا المسافات والحدود التي يمكن أن تتخذها ردود أفعال أولئك الذين تعرضت امتيازاتهم للخطر، ومدى استعداد بعضهم للتحالف مع الشيطان في سبيل حماية مصالحهم؛ لدرجة أنه قد لا يميز في كثير من الأحيان بين صديق وعدو رغم ذكائه وفطنته وحسه السياسي المرهف. وتشكل هذه المسألة دائما "كعب أشيل" (الثغرة) في عملية النهوض والبناء الوطني الجارية في البلاد. وفي هذا الصدد كثيرا ما يتعلل الرجل باستعداده للموت في سبيل قناعاته ومن أجل مصالح شعبه. وهو بالفعل شجاع وجريء لا يخاف الموت، ويدخل كل مدخل ويعاف ارتداء السترة الواقية. بينما يبالغ آخرون في ترويج نظريات مفادها أن الموريتاني بطبيعته مسالم ومسلم، وتتعارض أخلاقه وقيمه مع العنف والغدر. وكأنهم نسوا أو تناسوا تاريخ الإمارات الموريتانية بالأمس القريب، أو يعتقدون أن ما دار من مؤامرات، وما سفك من دم في سبيل السلطة والثروة خلال العقود الأخيرة من عمر الدولة الموريتانية، إنما قام به أناس من كوكب آخر! واليوم، وقد نجا الرئيس وسلم مما تعرض له بفضل الله الذي كلأنا بعين رحمته ولطفه وجنبنا سوء المنقلب في هذا العالم المضطرب، فإن من واجبنا جميعا أن ننتبه إلى أن ما ساقته العناية الإلهية إلينا عبر هذه الحادثة الأليمة، هو في جوهره نعمة في طي نقمة حتى نرعوي ونقف وقفة تأمل وتصحيح. ولعل المحاور الثلاثة التالية هي الأكثر إلحاحا واستعجالا في هذا الصدد: 1. فعلى الرئيس والحكومة والقيادة العليا للجيش القيام فورا بإنهاء التسيب وإهمال تأمين الأهداف الكبرى والمؤسسات والشخصيات الأساسية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية (القائد الأعلى للقوات المسلحة) الذي هو عصب حياة هذا الوطن. وفي هذا الصدد يجب على الرئيس التقيد بأقصى وأقسى قواعد اليقظة والحذر والحزم والحيطة. كما يجب على الحرس الرئاسي والجيش والدرك وكافة قوى الأمن السهر على أمن وسلامة رئيس البلاد أيا كان. وفي هذا الصدد كيف يمكننا أن نتصور في الظروف التي تعيشها بلادنا ومنطقتنا والعالم أجمع: * أن يذهب الرئيس إلى ناحية من النواحي دون أن يكون أمنه وسلامته مضمونين! وأن يبتعد عنه حرسه مسافة تجعله يتعرض للخطر دون أن يوفر له الحماية والنجدة. أما أن يقود الرئيس سيارته ليلا وفي خلاء من الأرض وبالسرعة المذكورة التي أثارت اشتباه الذين اعترضوها فهذا ما لا ينبغي أن يتكرر. فالسيد محمد ولد عبد العزيز ليس مواطنا عاديا ولا قائدا عسكريا شجاعا يتصرف كما يحلو له، بل هو رئيس دولة وأمل شعب. يروى أن الشيخ سيدي باب غاب ذات ليلة عن الأنظار فبحث عنه فلم يوجد. ولما عاد في الصباح قالت له جدته: "حد اعليه التِّكِلْ ما ايبات ماه فابلد معروف". فلم يبت بعدها إلا في مكان معلوم! * أن لا يكون الحرس الرئاسي والجيش والدرك والحرس وكافة قوى الأمن على علم بتحرك الرئيس وعلى أتم الاستعداد والاستنفار في سبيل حمايته ونجدته إذا لزم الأمر. * أن يتخلى قائد منطقة وجهة أمنية معتبرة في ظروف كالتي نعيشها عن قواعده ويذهب في سيارة مدنية ذات رقم أجنبي ولباس مدني يبحث عن لبن الإبل، وبعد ذلك يتصدى للمهمات الصعبة وهو على غير هيئته! إن بإمكان الرئيس وقائد الأركان والمحققين أن يبرئوا ساحة ذلك الضابط عندما يقتنعون من خلال وقائع وملابسات الحادث بانتفاء وانعدام الركن الأدبي (القصد الجنائي) فيما قام به. ولكن هل روعيت في تصرفاته قواعد الانضباط؟ وإذا كان الجواب "لا" فما الذي يجب أن يترتب على ذلك؟ 2. لقد تعاطف الشعب الموريتاني بأكمله مع رئيسه رغم غموض الوقائع، وضعف أداء الإعلام والأغلبية، وكثرة الشائعات التي روجها المرجفون. ويبدو أن هذا الشعب بفعله الحضاري هذا كان يدرك ويقدر أكثر من غيره - رغم تخلفه - جسامة مسؤولية الرئيس ومحورية الدور المنوط به في إعادة بناء الدولة - الأمة الموريتانية؛ لذا فعلى الرئيس والفئة المتنورة معه أن يحولوا هذا التعاطف والوعي إلى ديناميكية جديدة تدفع العمل الإصلاحي الوطني إلى الأمام، وتنهي الثنائية السائدة، وتحد من نفوذ وهيمنة الفساد على مختلف الأجهزة. وفي هذا الصدد يتعين القيام بغربلة سياسية تبعد بعض المتنفذين الطالحين المعششين في أجهزة الدولة والأغلبية، وتدني بعض المبعدين الصالحين وتدمجهم في دائرة القرار، وتدخل دماء جديدة إلى سدة الحكم. إن قيام جبهة عمل وطنية على أساس حد أدنى من الأهداف والمصالح الوطنية المشتركة أمر لا مناص منه. وقد فتحت حادثة اطويلة الطريق على مصراعيه نحو ذلك، فلنغتم هذه الفرصة النادرة! 3. لقد أحسن جل مكونات المعارضة وبعض الشخصيات الوطنية صنعا، وبرهنوا على أصالتهم ووطنيتهم حين تضامنوا مع الرئيس وواسوه متجاوزين كل الرواسب والحساسيات التي يستثمر البعض نكْأَها والتشبث بها لغاية في نفسه هي تكريس الفرقة والحيلولة دون قيام الوحدة التي تحمي وترسخ وتعلي البناء الوطني. لقد أضاع السياسيون الموريتانيون وقتا كثيرا وجهدا أكثر، وكان عليهم أن لا ينتظروا وقوع حادثة حمقاء مثل حادثة اطويلة كي يلتقوا من جديد لبحث الهم الوطني! ولكن المثل يقول: "أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل". وهنالك -مع الأسف- من لن يصلوا لأسبابهم الوجيهة وجاهة أسباب الواصلين. إن الدرس الذي يجب استخلاصه اليوم هو أن الشعب والجيش مع الاستقرار والإصلاح ومع الرئيس، وأن الربيع العربي الموعود قد تحول بفعل قوة النيران الأمريكية والأوروبية إلى خريف غايته تجزئة المجزأ أصلا على أساس خطة كيفونيم الصهيونية حتى تتكرس وتبقى سيادة الغرب الاستعماري المتصهين على بلاد الشرق والعالم. ورغم أن هذا الحلم سوف يتبدد ويفشل في النهاية بفضل مقاومة شعوب الأرض وفي مقدمتها العرب والمسلمون، فإن العاقل هو من يجنح للسلم ويسعى إلى الحوار والوحدة الوطنية ليجنب بلاده الاكتواء بنار هذه الفتنة العالمية، وإن كلفه ذلك القيام بجميع مساومات الأرض. فهل نحن فاعلون؟ ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد! |
