أدونيس: هذا هو اسمي (ح 16)*
الأربعاء, 11 يوليو 2018 07:46

 

لا مكان لأي تقدم ما دامت السلطة قائمة كما هي

altبيار: الشباب بكل عفوية والنخب الثقافية والفكرية والسياسية في مصر وتونس وجدت أنفسها خارج السياق. الشباب الذين نزلوا إلى الشارع لهم مرجعيات أخرى ولهم وسائل تقنية جديدة فاخترعوا حريتهم بعفوية. هل يمكن أن يسمع هذا الصوت ويفهم بصفته طاقة في اتجاه مستقبل ما أو تغيير؟ أم هو خطاب انتحار وتمزق في مجتمعاتنا؟

أدونيس: أنا قلت كلمة منذ زمان، وربما فسرت خطأ كحال أغلب كلماتي؛ هي أنه إذا قيس الشعب وحضوره في العالم بمدى إبداعيته التقنية والفلسفية بشكل عام، وبعمق علاقاته مع الآخر، أو مدى قدرته على المشاركة في بناء المستقبل.. إذا قيس تقدم الشعوب بهذه المقاييس فلا مكان لنا نحن العرب في التاريخ الراهن، ويجب أن نعترف بأننا شعب في طريقه إلى الانقراض كما انقرض السومريون، وكما انقرض اليونان العظماء والبابليون والفراعنة، والرومان.. إلخ. هناك حضارة تموت لأن الذين يحملونها لم تعد لديهم أي طاقة على المشاركة الخلاقة؛ لا في بناء أنفسهم، ولا في بناء العالم. وبهذا المعنى أنا لست متيقنا أن من نسميهم العرب اليوم لهم مستقبل يشارك في بناء البشرية.

بيار: ألسنا جزءا من هذا الشعب؟ أليس أدونيس أحد أكبر المفكرين العرب؟ نحن موجودون إذن، وهذا دليل على الاستمرار.

أدونيس: عظيم.. لكن يجب أن تغير السياق الذي تعيش فيه. إذا لم يتغير السياق الفكري والاقتصادي والسياسي الذي نعيش فيه سنموت كما مات الهنود الحمر. نحارب المدافع بريشة النسر!

بيار: لعلها دعوة استفزازية لكي نحاول أن..

أدونيس (مقاطعا): طبعا.. دعوة استفزازية. لا مكان لأي تقدم ما دامت السلطة قائمة كما هي.

بيار: هناك حركات إسلامية تحولت إلى ما تمكن مقارنته بالحركات التحررية في السبعينيات، إلى مقاومة، إلى حركات إيجابية. كيف لا ندرجها؟

أدونيس: في السياق التاريخي مثلا لدينا من نسميهم حزب الله، ولدينا حماس أيضا وبعض الحركات الدينية. مع فروق كبرى. أنا أؤيد حزب الله في قوله "لا" وفي نضاله التحرري من أجل تحرير فلسطين. وإذن فأنا معه في نضاله إلى آخر حد. لكن أسأل نفسي أيضا في حرب مع حماس: كيف يمكن أن أنظر مثلا لتنظيم ديني يقول إنه سيقيم دولته على الدين؟ أنا أؤيده فقط في نضاله التحرري، لكن لن أؤيده في إقامة دولة على الدين.

بيار: ما خصوصية البيئة التي نشأت فيها؟ كأن هناك جزءا محظورا (تابو) يندر الحديث عنه. هذه البيئة لها خصوصيتها ثقافيا ودينيا. وحين نتناول هذه الناحية اليوم نأخذ حذرنا لأن البعبع الطائفي والمذهبي البشع الذي ينخر الجسد العربي، قد يحمل على فهمنا خطأ، ولكن لهذه البيئة خصوصيتها الثقافية والحضارية والسياسية، وأرى أن هذا جزء أساسي من تركبتك، فهلا حدثتنا عن هذا بتفصيل لم تقدمه من قبل؟

أدونيس: ممكن طبعا، لكن العلويين أولا مشوهون، الصورة السائدة عن الفئة التي نسميها علويين هي صورة مشوهة، وصورة سياسية مفروضة عليهم فرضا؛ فيجب أن لا ننظر إليهم كفئة - أو كجماعة إسلامية- عبر هذه الصورة السائدة. ثم إن العلويين كغيرهم، فيهم السيئ، وفيهم الصالح، وفيهم الطالح.. لكن ما يهم هو العمق الفكري الذي قاموا عليه، وهو مرتبط بالعمق الروحي. ونظرتهم إلى الوجود قامت على مفهوم مستقى من الفلسفة اليونانية، لكنهم أعطوها بعدا إسلاميا، للعلاقة بين المعنى والصورة. الوجود له معنى، لكن هذا المعنى يتجلى في صور متنوعة، وهم في هذا أقرب لأرسطو منهم لأفلاطون. فإذن الله هو المعنى، والوجود بتجلياته المختلفة هو الذي يمثل الصورة أو الصور. ولذلك كانوا يقولون: المعنى هو الصورة من حيث المعرفة، أو التعرف عليه، لأننا لا نستطيع أن نعرف شيئا إلا عبر وسيلة مادية أو عبر فضاء مادي؛ فالمعنى يتجسد. وإذن نصل إلى المعنى عبر الصورة، لكن الصورة لا تستنفد المعنى، فالمعنى له صور لا نهاية لها، والصورة تجل واحد من تجليات هذا المعنى.

بيار: إذن فالعلاقة وطيدة بين التصوف والعقيدة العلوية..

أدونيس: جدا.. يمكن اعتبار العلويين حركة صوفية في الأساس، لكن التطور السياسي والسرعة السياسية أعطياها بعدا سياسيا نوعا ما، لكن البعد السياسي غائب حتى الآن أو منخرط في البعد السياسي العام.

ليست لها (العلوية) هوية سياسية، لها هوية صوفية، وهذه مرتبطة بها عندي كما أعرفها شخصيا - أو كما أفسرها إذا شئت، أو أؤولها- فهي قائمة على مفهوم الهوية من جهة، وعلى مفهوم الآخر من جهة أخرى.

altالحركة الصوفية إجمالا غيرت مفهوم الهوية، بمعنى أن الهوية في ثقافتنا هي موروثة، تراث نرثه.. فنرث هوياتنا كما نرث بيوتنا وحقولنا. في التصوف لا، الهوية ليست جاهزة أبدا، والإنسان يخلق هويته فيما يخلق فكره وعمله، وإذن الهوية ابتكار متواصل إلى ما لا نهاية. وهذا المفهوم أعطى أهمية للآخر؛ فإذا كانت الهوية ابتكارا فهي علاقة إذن، والعلاقة ينبغي أن تتمثل فيما نسميه الآخرين، والآخر في التصوف ليس مجرد جار أو محاور أو مواطن تعيش معه؛ وإنما الآخر بُعد أساسي وتكويني من أبعاد الذات.. الذات ليست موجودة إلا بالآخر. وحتى حينما يحلم الإنسان بأنه يسافر نحو نفسه فلا بد أن يمر بالآخر.

إذن فالآخر أساسي وجوهري، وهذا ما قامت به الفلاسفة أيضا. ابن رشد - كمثل حي- قال: لا نستطيع أن نفسر الوجود بالرؤية الدينية وحدها، وإنما لا بد من الرؤية العقلانية. والرؤية العقلانية موجودة عند الآخر الذي كان في ذلك الوقت اليوناني أو غير اليوناني. ولذلك أخذ العقلية اليونانية وزاوج بينها وبين الوحدانية أو الرؤية الإسلامية للعالم، وفسر الوجود على الأساسين: العقلاني من جهة، والديني الإسلامي من جهة ثانية. وهكذا فعل المتصوفة فيما يتعلق بالآخر. وإذن فالآخر هاجس أساسي من هواجس الثقافة الإسلامية القديمة، والآن – مع الأسف- تغير هذا المفهوم تماما كما نلاحظ، ولا وجود للآخر بوصفه عدوا أو كافرا. وهذا بفعل التأويل السائد للدين، والمرتبط عضويا بالسلطة السياسية، وهذا مما يشوه الدين في تقديري.

 

لا الزمانُ سريرٌ ولا الأرضُ نومٌ،
شجرُ الحبِّ عارٍ
والمكان الذي شاءه الحبُّ دونَ غطاءٍ.
أتُرَى، أيقظَ اللَّيلُ أحلامَهُ
وهي الآنَ تركضُ في شارعِ الشمسِ؟ ظَنِّي
أنّ هذي الشموسَ التي تَتَثاءبُ
فِي فلكِ الحبِّ
ليسَتْ على الأرض إلاَّ جراحاً.
سأُغنّي لهذا المكان المُضاءْ
بحُطامِ المحبّين قبلي،
ليسَ هذا الوجودُ سوى فُسْحةٍ للغِناءْ.

____________

 

* نقلا عن قناة الميادين.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 1 زائر  على الموقع