| من مآثر علماء شنقيط |
| الجمعة, 12 أكتوبر 2018 07:13 |
|
الشيخ عبد العزيز العويد
كرر علي حديثهم يا حادي ** فحديثهم يجلو الفؤاد الصادي. بلاد شنقيط هي موريتانيا، وإنما كانت تسمى بلاد شنقيط لأهمية مدينة شنقيط العلمية والجغرافية، لكونها على ممر الطرق. فليس كل العلماء الذين ينتسبون اليوم إلى شنقيط هم من مدينة شنقيط. قد يكونون من مدينة أخرى. ومثل هذا يقال فيمن ينتسب إلى بخارى. ليس كل البخاريين هم من مدينة بخارى. قد يكونون من تركستان الشرقية أو تركستان الغربية، فتركستان الشرقية موجودة في الصين، وتركستان الغربية في آسيا الوسطى. وإنما انتسب الناس إلى بخارى لأهميتها العلمية والتاريخية. لما طعن بعض المستشرقين في حفظ أبي هريرة - رضي الله عنه- رد عليهم مصطفى السباعي رحمه الله: "عندنا في شنقيط رجال يحفظون من أول مرة"! الأطفال في شنقيط يحفظون القرآن وهم أبناء ست – أو سبع- سنين. فإذا بلغ الصبي ولم يحفظ القرآن نظر الناس إلى أبيه نظرة ازدراء. وفي المحاضر العلمية يحرص الناس على أن لا يخلطوا أكثر من متنين في الحفظ. وفي ترادف العلوم المنع جا ** إن توأمان استبقا لم يخرجا. تسهيلا على الطلاب في الحفظ يقسمون مثلا مختصر خليل في فقه الإمام مالك إلى أجزاء، يسمون الجزء "القف" فمختصر خليل فيه 16 قفا (أكثر من 300 "قف" في الحقيقة). ومن أهم الأشياء التي يقوم عليها الحفظ عند الشناقطة المراجعة التي قد تصل أحيانا إلى ألف مرة، يسمونها "أغبّاد". قال عالم اجتماع فرنسي في العالم الشنقيطي البدوي: "ناقة الشنقيطي عبارة عن جامعة متحركة تضاهي جامعة القرويين في فاس! ونحن ركب من الأشراف منتظم ** أجلّ ذا العصر قــدرا دون أدنانا قد اتخذنا ظهور العيس مــدرسة ** بــها نبــين ديــن الله تبــــــــيانا. وللدلالة على عناية الشناقطة بالحفظ والفهم يقولون: "العلم في الراس، لا في فاس، ولا مكناس" وفي اشتهارهم بحفظ جمع الجوامع لابن السبكي – رحمه الله- يقولون: "الِّ ما يحفظ ابن السبكي يقعد عند أمه ويظل يبكي" كان في قبيلة تجكانت 300 جارية تحفظ موطأ الإمام مالك، وفي قبيلة مدلش لا يبلغ الصبي حتى يحفظ القرآن والمدونة في فقه الإمام مالك. والأم الشنقيطية تنيم ابنها على أنغام ألفية ابن مالك: بالجر والتنوين والندا وأل ** ومسند للاسم تمييز حصل. سئل العلامة التيشيتي الشنقيطي: أأنتم أعلم أم أهل مصر؟ فقال: إذا كانت الشموع متقدة فإنهم يتذاكرون معنا، وإلا فنحن المقدمون. يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: وإن اجتمع العلماء في الجامعة الإسلامية فتكلم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله- لا يمكن لأحد أن يجاريه. ويحدث ابنه الشيخ عبد الله أن الضيف يدخل على والده – الشيخ محمد الأمين رحمه الله- فلا ينتبه إليه لانشغاله بالعلم والقراءة! أكثر أهل الزبير تخرجوا من مدرسة النجاة الأهلية، ومؤسسها هو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، مات وقد تصدق برواتبه على المدرسة. في سنة 1349 اجتمع الشيخ الشنقيطي محمد عبد الله بن [أحمد] زيدان البوصادي مع جماعة كبيرة من العلماء في القاهرة، فسألوه عن حفظ الشناقطة فأجابهم، ثم قال: وأنا أستطيع أن أعيد عليكم أسماءكم جميعا وأنتم لا تستطيعون ذلك! ثم ارتجل قصيدة لم يعرفوا معاني كلماتها، مطلعها: بطيبة أطلال عَفَوْنَ دوارسُ ** تلايَلَها بيض وسود حنادس. لسان العرب لابن منظور – رحمه الله- يقع في 15 مجلدا، والعلامة الشنقيطي عبد الله بن العتيق يحفظه كاملا، رحمه الله. قرأته - بفضل الله- 3 مرات قبل أن أبلغ 20 سنة، وعملت منه 30 فهرسا موضوعيا ما زالت موجودة عندي. اللهم لك الحمد. وللشناقطة ولع بالنظم.. أحدهم درس القانون الفرنسي في إحدى الكليات فما استطاع حفظ المواد إلا بعد أن نظم القانون الفرنسي. الشيخ النحوي محمد أحيد الشنقيطي نزيل المدينة يحفظ ألفية ابن مالك! أكثر من 1000 بيت يقرؤها في 45 دقيقة فلا يخطئ خطأ واحدا. الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي - رحمه الله- المتوفى سنة 1405 قطع 5000 كيلو متر من أجل طلب العلم. من أشهر وأجلّ علماء شنقيط الشيخ محمد سالم عدود رحمه الله تعالى، وله مواقف كثيرة تدل على علمه وفضله. لما كان ابن 6 سنين ركب الأتان – أنثى الحمار- وبينما كان يمتطيها تخيل أنه يركب فرسا من أجلّ وأشهر أفراس العرب، فأنشد قائلا: سراتك سرجي والرشاء ركابي ** وزندك في التقريب ليس بكاب يخاطب أتانه بأن الفراش المهلهل غدا له كالسرج، والرشاء صار له كالركاب الذي يعتمد عليه وليس في خطاها تبعثر. ثم فداه بأفراس العرب: فداك كراع والحرون وداحس ** وعلوى وجلوى والعطا وسكابِ. كل هذا وهو ابن ست سنين! لذلك قال الشيخ عدود رحمه الله: لا أعرف بيتا جمع أفراس العرب إلا البيت الذي قلته أنا وأنا ابن ست سنين. رحمه الله! الشيخ عدود - رحمه الله- من قبيلة مسومه الموريتانية (الصحيح أنه من قبيلة أهل المبارك) لما رحل إلى إندونيسيا وجدهم يثنون على قبيلة تجكانت الموريتانية، ومنها الشيخ محمد الأمين، فأثنى على هذه القبيلة بقوله: جزى الله [عنا] الحي جاكان خير ما ** جزى معشرا من حسن ما صنعوا بنا همُ خلَّــــدوا في كـــل قـــطر ثووا به ** من المــجد ذكـــرا شامــخا لشعوبنا ونحــسدهم فيــنا ونجــحد فضــــلهم ** لنـــهدم مــا شــادوا وقـــد رفعوا بنا. وهذا من تواضعه رحمه الله. ذكر الشيخ محمد الحسن الددو – حفظه الله- أن القاضي الشريف حفظ موطأ مالك بعد ما كبر سماعا من مرة واحدة. أحد علماء الشناقطة كان عنده كتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي رحمه الله، وكان نادرا في قريته، فذكر الشيخ عدود عن والدته أن والدها – رحم الله الجميع- كان يرسلها كل يوم لتحفظ صفحة من كتاب القاموس المحيط؛ فكانت هذه البنت الصغيرة كل يوم تحفظ صفحة وتقرؤها على والدها حتى حفظت كتاب القاموس المحيط كاملا! العالمة الجكنية مريم بنت الحسين والدة الشيخ عبد الله بن الإمام كانت تحفظ كثيرا من المنظومات والمتون، فإذا غاب ابنها درّست مكانه. عمة والدة الشيخ الددو كانت امرأة صالحة تحفظ القرآن، وماتت عند قول الله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}. يا أهل موريتانيا هذا غيض من فيضكم. ولي رجاء.. فإن تجد عيبا فسد الخللا ** فجَلَّ من لا عيب فيه وعلا. أستودعكم الله. |
