العــرب أمس واليــوم وغــدا... (ح1 /3)
الأربعاء, 07 مارس 2012 15:42

أولا: العرب أمس

alt

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم      بهـن فلـول مــن قـراع الكتائــب

ولا يحسبون الخير لا شر بعده       ولا يحسبون الشر ضربة لازب

                                                                  النابغة الذبياني 

1. العـرب أمـس واليـوم*

حوار مع النقيب جمال الصوراني نقيب المحامين في فلسطين

على هامش اجتماع المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بالرباط، عاصمة المملكة المغربية، انزويت بالأستاذ جمال الصوراني، نقيب المحامين الفلسطينيين، في ركن من فندق السفير الفخم، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث، على مائدة شاي مغربي لذيذ، وكانت بيننا معرفة ومودة. وفجأة  سألته: من هو جمال الصوراني؟

قال: أنا المسؤول عن طرحك هذا السؤال، لأني لم أجب عليه قط! فأنا أكره الحديث عن نفسي. ولكني سأكرمك بالرد عليه اليوم، فأنت أخ عزيز علي، ومن بلد أكن له المحبة والتقدير.

ولدت بغزة في 7/ 10/ 1923، وتلقيت تعليمي الابتدائي فيها إلى غاية الخامسة الابتدائي، والباقي تلقيته في مدرسة اسمها قبيح "مدرسة صهيون" تقع خارج السور بالقدس. أما تعليمي الجامعي فكان في الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث نلت الليسانس في الآداب من كلية الآداب بها، وبعد سنتين من ذلك، التحقت بجامعة عين شمس بالقاهرة، حيث حصلت على الليسانس في الحقوق.

شاركت سنة 48 في الجهاد المقدس في المنطقة الجنوبية من فلسطينيين، وبعد النكبة أسست (سنة 49) بغزة ناديا أسميته النادي الشعبي، وكان ناجحا، فرغم أن الدماء لم تجف بعد، فقد بدأنا بالدعوة، عن طريق سلسلة من المحاضرات، إلى التحرير والعودة. كما أسست جمعية المناضل الجريح التي اعتنت بجميع الذين فقدوا أطرافهم أثناء النكبة، وفعلا تم تركيب أطراف صناعية لهم.

وظفت أمين سر المجلس الإسلامي الأعلى، وشاركت في مجلس بلدية غزة، والمجلس التشريعي في غزة، واللجنة العليا للاتحاد القومي في غزة؛ وهي أول تنظيم سياسي علني يقوم بعد نكبة فلسطين.

كما شاركت في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، ابتداء من المؤتمر الأول الذي عقد في القدس في 24 مايو سنة 64، وشاركت في اللجان التنفيذية، ثم عملت نقيبا لمحامي فلسطين ما بعد نكسة 67 إلى اليوم. كما انتخبت أمينا عاما لاتحاد الحقوقيين الفلسطينيين الذي تأسس سنة 1972 وما أزال في ذلك المنصب.

قلت: سيدي أنت شاهد على هذا العصر، وعلى مسيرتنا منذ بداية الأربعينيات من هذا القرن، فهل تتذكر شيئا عن نشأة المجتمع العربي الحديث ؟

قال: عندما التحقت بالجامعة الأمريكية في العام الدراسي 42- 43، كانت الحرب العالمية مشتعلة، وكان الحديث يدور عن مستقبل أرض العرب بعد الحرب، على أساس أنه بعد كل حرب تحدث تغييرات في المراكز القانونية للدول تحت الوصاية والانتداب والحماية والاستعمار. وفي هذا المناخ تكونت مجموعة من طلاب الجامعة الأمريكية، وشاءت الصدفة أن تكون جميع البلدان العربية (المشرقية) ممثلة في الجامعة الأمريكية (سوريا – لبنان – فلسطين – العراق – الأردن- عدن – البحرين- الكويت - السعودية) مما ساعد في تكوين تنظيم عربي شامل، وليس قطريا. وكان هدف هذا التنظيم تحرير الوطن العربي وتوحيده. وفي ذلك الحين لم يكن في عموم البلاد العربية أي تنظيم سياسي، مهما كان صغيرا، مثل تنظيمنا، يجمع كل هذه الأقطار. كانت الأحزاب الموجودة إما تقليدية قُطْرية، وإما أيديولوجية، كالحزب القومي السوري الساعي إلى وحدة سوريا الكبرى (بلاد الشام وجزء من العراق وقبرص – الهلال الخصيب) والداعي إلى القومية السورية، ونفي عروبة هذه المنطقة، وكالأحزاب الشيوعية بأيدلوجيتها المعروفة. وقد لعبت هذه الحركة دورا مميزا في الحياة الجماعية، فاستطاعت أن تسيطر على الحياة الجامعية كلها مثل لجنة الطلبة (اتحاد الطلاب) نادي الخطابة، مجلة الكلية، جمعية العروة الوثقى، بالإضافة إلى تنشيط الحركة الوطنية اللبنانية. فحين اعتقل الفرنسيون رئيس الجمهورية بشارة الخوري ومعظم وزرائه قامت مظاهرات في الجامعة الأمريكية بقيادة الحركة.

كانت الحركة تقوم بكل ما يتعلق بالوطن العربي، وكان لها امتداد داخل الجامعة اليسوعية في بيروت.

قلت: متى تأسست هذه الحركة، ومن هم رموزها؟

قال: تأسست أواخر سنة 1942، وهي تنظيم سري. وأتذكر الآن أن من رموزها  المؤسسين: علي منكو (من كبار رجال الأعمال في الأردن) الدكتور محمد نجم من فلسطين، أستاذ في الجامعة الأمريكية لغاية الآن. الدكتور شوقي الأتاسي، وسعيد العطار من سورية (عمل الأخير في الخارجية السورية) عمر السقاف من السعودية, غازي دندش من لبنان.

قلت: ماذا تتذكر عن تأسيس حزب البعث؟

قال: أتذكر أنه في سنة 44 أو 45، وبينما كنت في الجامعة، زارني الأستاذان ميشل عفلق وصلاح البيطار، وهما أستاذان في مدرسة التجهيز في دمشق, وحدثاني عن رغبتهما في تأسيس حزب قومي عربي باسم حزب البعث العربي, وطلبا مني مشاركتهما في ذلك. وجرى حوار بيننا على مدى ثلاثة اجتماعات, وكانت النتيجة أن اختلفنا, فلم ألب دعوتهما بسبب الخلاف. وأذكر من بين ما اختلفنا عليه أن الأستاذ عفلق أثناء حديثه قال: إن العربي لا يكون عربيا إلا إذا كان مسلما, قلت له: ابدأ بنفسك. قال: لا أقصد بذلك أن يصلي ويصوم ويحج؛ بل أقصد أن يؤمن بالتاريخ العربي والحضارة العربية, وبمحمد زعيما عربيا, وبالقرآن تراثا عربيا. فقلت له: هذا إسلام جديد!

قلت: هل من كلمة عن 48؟

قال: في 48 فوجئ الفلسطينيون والعرب والعالم بالتقسيم، وهو أمر اغتال ميثاق الأمم المتحدة وهي ما تزال في أول نشأتها, إذ لا يوجد في ميثاقها أساس يخولها تقسيم أوطان الناس! أضف إلى ذلك أن التقسيم يلغي حق تقرير المصير فيما يخص الشعب الفلسطيني الذي كان ثلثاه من العرب  وثلث واحد من اليهود المستوطنين.

كانت صدمة كبيرة للعرب. جرى الحديث عن إرسال جيوش عربية لمنع التقسيم؛ الشيء الذي لم يطلبه قط أي فلسطيني. فكل ما طلبه الفلسطينيون من العرب هو المساعدة بالسلاح والمال والغذاء والذخيرة والتدريب والفنيين. ولم يطلب منهم أحد دخول الجيوش العربية إلى فلسطين! خاصة أن الفلسطينيين على وعي بوضع البلاد العربية. فالجيش الأردني يقوده إنكليزي، وكبار ضباطه إنكليز، والعراق به قاعدة ببريطانية مسيطرة, وكذلك مصر. فلكي يدخل الجيش المصري إلى سيناء لا بد له من إذن بذلك من الجيش الإنكليزي! أما سوريا ولبنان فليس لهما جيوش في ذلك الوقت.

وعندما دخلوا.. إذا بالداخلين يسيرون على نهج التقسيم! وقد وضح ذلك محمد حسنين هيكل في كتابين: "جيوش وعروش " و"اتفاقيات أوسلو" كما وضحه عبد الله التل في كتابه "كارثة  فلسطين" الذي حدثتني عنه، والذي تناول فيه دور "بواحنيك". دخلوا ليحموا دولة إسرائيل من أي عمل فلسطيني، ولم يدخلوا لتحرير فلسطين. وقد اختلفوا فيما بينهم. وكانت هناك انسحابات من الأرض التي كانت تحت سيطرتهم, كما فعل الملك عبد الله في انسحابه المشهور من اللد والرمله أثناء الهدنة، وبدون قتال! فالسياسة العربية هي التي هزمت في فلسطين عام 48، وليس الجندي العربي! أقول هذا لأني كنت جزءا من الوجود العسكري في تلك المرحلة, إذ كنت ضابطا في الجهاد المقدس. ومن الأمور المضحكة المبكية أنهم عينوا "بواحنيك" غلوب باشا قائدا عاما للقوات العربية! وختموا الجولة الأولى باتفاقية الهدنة في رودس، حيث شطبوا على فلسطين والفلسطينيين, وتمت أربع اتفاقيات منفردة: أردنية – إسرائيلية، مصرية – إسرائيلية، سورية – إسرائيلية، إسرائيلية – لبنانية. ثم جاء مؤتمر أريحا الذي ضمت بمقتضاه الضفة للأردن، فصار وضعنا القانوني كالآتي: أغلب الأرض في يد إسرائيل والأردن، والشعب لاجئ في غزة وسوريا ولبنان، فاكتملت الحلقة: لا شعب ولا أرض, بل لاجئون.

قلت: ثم جاء حزيران, ومن بعده أيلول! وآل انتصار أكتوبر إلى ما آل إليه. وجاءت حرب الخليج, وها نحن ندخل القرن الواحد والعشرين بخفي حنين! ومع ذلك فأنت -كما عرفتك- متفائل! فبأي حق يكون لديك مثقال ذرة من تفاؤل لأمة العرب؟

قال: سؤال جيد ووارد. ولكني أقول لك إن الأمم لا تهزم بقوة السلاح، بل تهزم عندما تفقد إرادتها. والإرادة موجودة عند الشعب العربي كله، من محيطه إلى خليجه. فما هزم هو السياسة العربية الممزقة. فلو كان لنا جيش واحد، لما كانت الهزيمة واردة. ما هزم هو السياسة العربية، وليس المقاتل العربي. ودليلي أن العرب وإن كانوا دخلوا فلسطين في وقت واحد، إلا أنهم لم تكن لديهم خطة واحدة؛ بل كانت لكل جيش خطته الخاصة به، يتلقاها من عاصمة بلاده.

أما حزب 56 فلم تكن لفلسطين بها علاقة، ولم يكن هدف بريطانيا وفرنسا إلغاء تأميم القناة فقط، بل تريد الأولى أن تبقى حامية شرق السويس وتريد الثانية إخماد ثورة الجزائر بإنهاء وجود عبد الناصر.

وأما حرب 67 فظاهرة عسكرية مصرية –سورية – أردنية: انتشار في أسبوعين بدون هدف محدد. ولم تكشف الأوراق بعد، حتى نعرف ما كان يدور في خلد عبد الناصر! ولا يكفي ما قاله لتخفيف وقع الكارثة على العرب: "لقد انتظرنا قدوم اليهود من الشرق فجاؤوا من الغرب" أو تسمية الكارثة نكسة.

والحرب الحقيقية الوحيدة، التي دارت بين العرب وإسرائيل، هي حرب أكتوبر. وقد ثبت فيها أن العرب لا يزالون هم العرب، وأن الجندي العربي ما يزال هو هو. لقد انتهت خلال تلك الحرب أسطورة كاذبة اسمها الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. والذي كان سبب كونه لا يقهر أنه لم يواجه العرب قط. في هذه الحرب كانت توجد خطة، وكان يوجد هدف، وتنسيق مصري سوري مدعوم بالأمة العربية؛ بما في ذلك سلاح النفط. من هنا جاء أحد أسباب تفاؤلي. وأذكر، وأنا شاب صغير، عندما كنت طالبا في الجامعة الأمريكية، كنت أذهب لمشاهدة السينما، وكانت دور السينما حينها تذيع أخبارا مصورة عن المعارك التي تدور في مختلف الجبهات، كنت أختنق من البكاء وأنا أشاهد تلك الصور. وكنت أقول في نفسي: لماذا ليس لنا -نحن العرب- جيش، بينما لكل دول وأمم العالم جيوش؟

وقد كرمني ربي، فعشت حتى رأيت الجيش الإسرائيلي الذي "لا يقهر" مقهورا مذموما مدحورا مأسورا. ولم يستعمل العرب إلا جزءا من قوتهم وإمكانياتهم، فكيف لو استعملت كل الإمكانيات؟ مع العلم أننا لا نحارب إسرائيل وحدها؛ فإسرائيل أداة العدوان الاستعماري على العرب، وخيرات العرب، بقيادة بريطانيا في مرحلة التأسيس وأمريكا الآن. وقد عرف اليهود هذه الحقيقة عندما ضرب العراق إسرائيل بالصواريخ 1991، وهمت إسرائيل بالرد عليه، فمنعها الأمريكيون من ذلك، وقالوا لها: "نخن نحميكم". لقد أصبح اليهود يتداولون هذه الحادثة، ويقولون: "نحن لسنا دولة مستقلة، بل محمية أمريكية".

ومن أسباب تفاؤلي أيضا وثقتي في المستقبل، أن العرب قادرون على التغلب على الخلل؛ لذا لا بد أن يصلوا إلى مرحلة تحرر الإنسان العربي من طغيان الحكم الفردي، ويتمتع الشعب العربي بالديمقراطية، ويكون القرار ملك المؤسسة بدل الفرد. فلو كان الأمر كذلك لما استطاع العراق الذهاب إلى الكويت، ولما استطاعت الكويت والسعودية الاحتماء بأمريكا، ولما كان هناك أصلا مشكل بين العراق والكويت؛ ذلك أن حل المشكلات في الوطن العربي لا يتم عن طريق الاتفاقات حول الحدود، وجعل أسوار كسور برلين على تلك الحدود. بل يتم عن طريق اعتبار تلك الحدود خطوطا إدارية بين الدول العربية الصديقة والشقيقة، وليست خطوطا أمنية بين أعداء. لا بد من تربية قومية في الوطن العربي تبدأ بالحكام قبل المحكومين حتى لا يتكلموا قوميا ويمارسوا قطريا، ولا بد أن نكون في وضع يشعر فيه الإنسان بكرامته عندما يكون فردا من ثلاثمائة مليون نسمة يعيشون في وطن متصل مساحته أربعة عشر مليون كلم (وهي أكبر مساحة يسكنها شعب واحد) من المحيط إلى الخليج. العرب عندما يجتمعون في جامعتهم يتكلمون لغة واحدة، بينما تترجم الكلمة بعدد الدول الأوربية المتحدة. إنهم متحدون رغم أنهم شتات متحارب عبر القرون, ونحن لا يفرقنا إلا الحدود التي ورثناها عن الاستعمار. قارن، مثلا, بين وضعنا في بداية القرن العشرين ووضعنا اليوم في نهاية القرن العشرين. في بداية القرن العشرين، لم يكن هناك ذكر للعرب. فاسم العرب محي منذ عشرة قرون, ولا يذكر إلا العثمانيون والسلجوقيون والفرس. ولم يرد ذكر للعرب إلا في الحرب العالمية الأولى. أما الآن فهم كما ترى. ولو أطال الله عمر جمال عبد الناصر عشر سنوات لكنا خطونا خطوة واسعة إلى الأمام.

يذكرني حديثنا هذا بحديث جرى بيني وبين قائم بأعمال أمريكي سابق في القاهرة إبان حرب 67 كان قد استقال من منصبه احتجاجا على موقف حكومته، متهما إياها بالتواطؤ مع إسرائيل. لقد زار ذلك الرجل القاهرة عام 1972، الذي سماه السادات في مذكراته عام الضباب، وزارني في مكتبي في منظمة التحرير, وسألني: أترى مخرجا من هذا المأزق؟ وكانت قد فشلت يومها كل محاولات التسوية: مهمة يارينغ، الحكماء الأفارقة العشرة، وايزمان, روجرس.

 قلت له: المسألة في منتهى السهولة, ولكن أمريكا تعقدها؛ هناك حل بسيط يرضي الجميع.

قال: كيف؟ قلت: تنسحب إسرائيل من سيناء وتردها إلى مصر، وتنسحب من الجولان وتعيده إلى سوريا، وتبقى أرض فلسطين، فتقوم فيها دولة ديمقراطية واحدة, أو إن شئتم دولتان: يهودية، وفلسطينية.

قال: ألست تحلم؟ قلت له: نعم, أنا فعلا أحلم. لكن عندما اجتمع اليهود عام 1897 في بازل بسويسرا وقرروا تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، ألم يكونوا يحلمون؟

قال: إذا كان الأمر كذلك فلك ذلك.

قلـت له: إنك تستهجن كلامي وتستغربه لأنك لا تعرف العرب. فالأمة العربية هي أحد خمسة شعوب عاشت عبر التاريخ دون أن تندثر. وأنت -بالرغم من أنك عملت حوالي 12  سنة في الوطن العربي- فإنك لا تعرف حقيقة العرب؛ وأعطيك مثالا على ذلك:

يقولون إن العرب أصلهم من الصحراء، هذه تعرفها.

قال: نعم.

قلت: ويقولون إن الجمل يسكن في الصحراء، وهذه أيضا تعرفها. 

قال: نعم.

قلت: ويقولون إن الجمل أصبر الحيوانات عن الماء والغذاء، وعلى العمل، وهذه أيضا تعرفها.

قال نعم.

قلت: والآن سأقول لك شيئا لا تعرفه: الجمل بطبيعته لا يصبر على الظلم؛ فإذا ضربه صاحبه أو آذاه، فلا بد أن ينتقم لنفسه منه، مهما طال الزمن.

قال: هذه لا أعرفها.

 قلت: ومثله العربي. إن المقارن بالمقارن يقتدي. فالحروب الصليبية امتدت مائتي عام، وكانت آخرتها أن خرجوا وبقيت الأرض تتكلم عربي. والعثمانيون خرجوا بعد حكم دام أربعة قرون. وبقيت الأرض تتكلم عربي. والجزائر اعتبرها الفرنسيون فرنسية, لكنهم أخرجوا منها بعد 131 سنة. وبقيت تتكلم عربي. وكذلك إسرائيل؛ إنها ليست سوى غارة من هذه الغارات، أو غزوة من هذه الغزوات, سوف تنتهي كما انتهى غيرها، أو تذوب في هذا البحر العربي، وتصبح جزءا منه، بدل أن تكون حركة عنصرية دينية عدوانية، أداة في يد قوة استعمارية عظمي.

سكت.

ولم يمض عام حتى قامت حرب أكتوبر، وهزمت إسرائيل.

(ولم يمض عام على هذا الحوار حتى قهر لبنان، مقاومة وحكومة، جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملاءه، وأخرجهم من أرضه أذلاء. مقدما بذلك أنصع دليل على بطلان خرافة الجيش الذي لا يقهر. وستعلن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس هذا العام، ولا مساومة في القدس، والجولان، والاستيطان. ولم يؤد غياب الراحل الكبير في سوريا، الذي راهنت عليه إسرائيل وأسيادها، إلى زوال الشام؛ بل جددت شبابها، وها هي تعلن للعالم تمسكها بثوابتها التي لا مساومة فيها على ذرة من أرض الجولان؛ بينما تتخبط إسرائيل في أزمتها الناتجة عن تشبثها بخرافات قامت عليها، ولم تعد ملائمة للعصر).

الرباط 17 إبريل 1999. 

-يتواصل-

ـــــــــــــــــــــــــــ

* كتب هذا المقال منذ 13 سنة، ونشر. لكنه لا يزال غضا ومناسبا ليكون اليوم مقدمة لحديث شجي من جزأين عن أمة العرب: ماضيها المجيد وحاضرها المزري ومستقبلها المشرق.  

 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع