قمة انواكشوط: المطلوب مراجعة وتراجع
الجمعة, 29 يوليو 2016 07:31

 

زياد حافظ               

(الأمين العام للمؤتمر القومي العربي)  

altتعقد في 25 و26 تموز/ يوليو 2016 في انواكشوط عاصمة موريتانيا الحبيبة، قمة رؤساء وملوك الدول العربية السابعة والعشرين. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدّة، ونحن نحتفل في هذا الشهر بذكرى الثورة العربية الكبرى، ثورة 23 يوليو في مصر، كما نحتفل بنصر تموز 2006، ونصر رمضان في غزّة هاشم عام 2014 لماذا هذه القمة؟ تأتي هذه القمة بعد سلسلة من القرارات المناهضة لقرارات قمة الخرطوم عام 1967 ولنهج الثورات العربية التي سبقتها وتلتها.

من حيث المبدأ نؤيد أي اجتماع للرؤساء والملوك العرب على أنها فرصة جديدة للتعبير عن موقف تضامني من قضايا الأمة. وهي - في هذا الحال- فرصة للقيام بمراجعة سياسات عدة والتراجع عن أخطاء وخطايا.

أولى هذه المراجعات تبدأ بمراجعة موازين القوة الإقليمية والدولية؛ وخاصة تلك سياسة التي تعتبر أن ملكية الأوراق هي بنسبة 99 بالمائة بيد الولايات المتحدة وربيبها الكيان الصهيوني. فموازين القوة التي أفضت إلى التحوّلات في الأولويات في سبعينات القرن الماضي؛ وخاصة بعد غياب قائد ثورة 23 يوليو، الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر، فإن هذه الموازين تغيّرت بشكل جذري لمصلحة القوى المناهضة للهيمنة الغربية بشكل عام والأمريكية والصهيونية بشكل خاص. فالمطلوب من القيادات العربية مراجعة التحوّلات في الإقليم وفي العالم وقراءتها كما هي، وليس كما تريدها أن تكون.

فالولايات المتحدة لم تعد تملك تلك الأوراق، والكيان الصهيوني الذي أنشئ لحماية مصالح قوى الاستعمار والامبريالية أصبح بحاجة لمن يحميه من الداخل ومن الخارج؛ فالعودة إلى قرارات قمة الخرطوم عام 1967 (أي اللاءات الشهيرة) هي المراجعة الأولى. إن الرهان على الولايات المتحدة التي أصبحت في مرحلة تراجع وأفول وعدم صدقية التزاماتها اتجاه "حلفائها" والكيان الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من مصيره، أصبح خاسرا كما أوضحه معظم الأحداث، من الإخفاق في العراق، إلى الهزيمة في لبنان، والعجز في فلسطين وسورية واليمن. والتراجع الأمريكي ليس ظرفيا؛ بل بنيويا، في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع، وحتى في الثقافة؛ وبالتالي يصبح التحالف معها من العبث. فكلفة مواجهة الولايات المتحدة أقل بكثير من كلفة الاستسلام لمشيئتها.

المراجعة الثانية تأتي نتيجة العودة لقرارات الخرطوم؛ أي إعادة الأولوية للصراع مع الكيان الصهيوني. فالانحراف الخطير الذي بدأ مع رحلة القدس المشؤومة عام 1977 وما نتج عنها من اتفاقات ربما أعادت بعض الأرض، ولكن أزهقت الروح والدور اللذين كانت تحظى بهما مصر قبل تلك الرحلة. كما لا نفهم ماذا جنى الأردن من اتفاق وادي عربة وعم أسفرت اتفاقية أوسلو المشؤومة سوى المزيد من الخسائر المتعدّدة الأبعاد والأنواع؟ وماذا حصل لمن سوّلت له نفسه أن باستطاعته المهادنة مع الكيان الغاصب؟

والانحراف الخطير والقاتل الذي نقصد هو استبدال العداء للكيان الصهيوني بعداوات افتراضية أفقدت البوصلة لمن يروّج لذلك التحوّل، وأدخل الأمة في حالة فقدان التوازن؛ مؤدية إلى الانقسام بين أبناء الأمة، تمهيدا لتقسيمها كما بدأ يحصل في بعض الأقطار العربية.

المراجعة الثالثة هي مراجعة السياسات؛ أي القرارات التي غطّت وشرّعت الاستعانة بالأجنبي لغزو واحتلال دولة عربية، ولطرد دولة صاحبة سيادة ومؤسِّسة لجامعة الدول العربية (أي سورية) من قبل دول لم تكن موجودة عند تأسيسها. إن الخطيئة الكبرى التي وقعت فيها القمة العربية هي في تغطية غزو واحتلال العراق، وفيما بعد، في السماح للحلف الأطلسي بتدمير دولة عربية (أي ليبيا) ومؤخرا تغطية عدوان عربي على بلد عربي شقيق بحجة الحفاظ على الأمن القومي العربي. الخطر الافتراضي بتهديد باب المندب يتجاهل الخطر الفعلي والحقيقي الذي هو وجود حزام من قواعد عسكرية لدول الاستعمار القديم الجديد في البحر العربي وخليجه؛ إضافة لخطر الكيان الصهيوني. هذا يعني إعادة الاعتبار لجامعة الدول العربية حيث لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الحكّام فقط؛ بل أيضا مصالح الجماهير والمجتمعات. فالدولة هي الأرض، والحكومة، والشعب، وعلى الجامعة العربية أن تعكس ذلك الواقع. هذا يعني مراجعة الأداء والسلوك واحترام سيادة الدول العربية والحفاظ على أمنها.

المراجعة الرابعة من نتائج الخطيئة في تغطية الاحتلال الأمريكي للعراق؛ فهي الخطيئة الأصلية في الاستثمار في جماعات التوحّش والتعصّب، وكأنها الرد على من يستثمر في احتلال العراق. فإذا الوحش ينقلب على من أوجده ودعمه وأطلق يده في الوطن العربي وفي بلاد المسلمين، واليوم في العالم أجمع؛ وذلك نتيجة سوء تقدير قاتل وتراجع في الأخلاق. الاستثمار في جماعات التعصّب والتوحّش زرع الفتنة بين مكوّنات أساسية للمجتمعات العربية، فأصبح يحصد الكيانات برمّتها. وسرديات تلك الجماعات تتنافى مع الموروث الديني والأخلاقي والحضاري لأبناء الأمة، وتشوّه بشكل متعمّد صورة الرسالة الإنسانية لهذه الأمة.

المراجعة الخامسة هي في سوء تقدير ما تمثلّه المقاومة في وجدان الأمة، وما تقدمه فصائل المقاومة من تضحيات وانتصارات أعادت الثقة بالنفس وأنهت ثقافة الهزيمة التي برّرت الخطايا المذكورة سابقا. فنعت المقاومة العربية والإسلامية بالإرهاب خدمة للكيان الصهيوني بدون مقابل.

لكن هناك من ما زال من يعتقد أن الأولوية هي في مواجهة عدو افتراضي فيتقارب دون حياء مع العدو الوجودي الفعلي للأمة وللمسلمين؛ أي الكيان الصهيوني.

والمؤتمر العربي العام، الذي يضم كلا من المؤتمر القومي العربي، والقومي الإسلامي، ومؤتمر الأحزاب العربية، وهيئة التعبئة الشعبية العربية؛ أي يضم مكوّنات القوى الحيّة والشعبية للأمة، والذي عقد في بيروت في 15 تموز/ يوليو، أكّد أن خيار الأمة الحقيقي هو خيار المقاومة وليس خيارا آخر؛ فلا يمكن أن يكون خيار القمة العربية بعيدا عن خيار القوى الحيّة الشعبية في الأمة.

المراجعة السادسة هي في تنفيذ قرارات اتخذت ولم تنفّذ؛ كحماية القدس من التهويد، وتفعيل الاتفاقات المعقودة التي لو نُفّذت لنهضت بالأمة، كاتفاقية الدفاع المشترك، والسوق العربية المشتركة. كما أن عدم الجدّية في الدفاع عن اللغة العربية يساهم في العدوان على الهوية العربية وفي تغريب التعليم، وكأن المعرفة لا يمكن أن تحصّل إلاّ باللغة الأجنبية!

الأغلب أن القمة المرتقبة لن تكون - في ظل الواقع الرسمي العربي- قمة مراجعات وتراجع عن قرارات خاطئة. ولكن في النهاية الإجابة برسم القيادات العربية التي تراقبها الجماهير العربية؛ فهي تمهلها ولا تهملها، ويوم الحساب قد يكون أقرب مما يتصّوره البعض.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع