أتقانا: المرثية التي ذكرناها مثالية. من أي "الأعصار" كان المرثي؟

ذ. إشدو: باب ولد اگاه من العامدين.

أتقانا: وبالمناسبة لقيت علاّمة من العامدين هو الشيخ لمرابط ولد الغوث، وهو ظريف ورجل صالح وعالم، وقد استمتعت بجلسة أجريتها معه.

ذ. إشدو: لقيته بعدها، وهو أيضا مستمتع بها.

وكما قلنا من قبل:

ولولا خصال سنها الشعر ما درى ** بغاة العلى من أين تؤتى المكارم

أتقانا: تلك القيم الفاضلة ومحاسن العادات والناس الذين نشؤوا عليها هي ما أنتج هذه الطلعة ذات "التيفلواتن" الست. الأمر ليس بسيطا.

ذ. إشدو: لعلك تعلم أن أحمد سالم ولد محمد لحبيب ينتج الأدب الشعبي، وكذلك سيد أحمد ولد أحمد ولد عيده. أحمد سالم هو القائل:

منصاب الدني تنـثنَ ** بالليل نعرف فـيه

من طربي واتَّم اسّْن ** فابلده لين انجيه!

وسيد أحمد هو القائل:

هذي دار المنت أوديكه ** اُدار الشلحيه ينزارُ

يالعگل اختر لنفســــك ** أي الدارين تخـتــار.

أتقانا: أستاذنا.. لم تنشدوني طلعة دنبه الأخيرة في السجال.

ذ. إشدو: سأصل إليها بعد قليل.

سيد أحمد يقول:

الدني مرت فالِّ مر ** يغير اصه يا حسبيَ

أمنادم شمسه يجبر ** منه مزالت معـصيَّ.

واعلي ولد محمد لحبيب ينتجه أيضا، يرثي صاحبه سيدي ولد سيد أحمد. مات يوم إيدماتن، ويرثي فرسه هو "الحمراء" وفيه ماتت كذلك. يقول:

يالحمره رانــــــك رگبتِ ** شانـــك فامنــــــين اتوحدتِ

صعتِ واكتلتِ واكصرتِ ** لعـــــدوك أُلَيَّــــنتِ حــسَّان

اُلا گط العاديك الْيِــــــنتِ ** اُلا گط اطمعتِ في الغـزيان

اُلا گط الفظتِ واخـــلفتِ ** اُلا گط اغدرتِ حد افــــمان.

كل هذا له مغزى.

وممن يمكنه تولي الإصلاح المنشود أيضا العلماء؛ فهم من ينبغي أن يقود المجتمع.. لكن أي العلماء؟ ليسوا من يجمعون الدنيا، وإنما هم من يصدق عليهم قول ابن المبارك ولد يمين في الشيخ سيديا:

طــــــــماعُ ما گـــطُّ غـبُّ ** واَورادُ يـــــــهدُ واِنَـــــــبُّ

واخــــــــلاقُ للناس إربُّ ** اطبعُ زين اُ صاف دخلـــيه

وابليس اعلَ الكصرَ طبُّ ** اُوصف من لشياخ أسكِ بيه

ابــــلا تأثـــــير امع ربُّ ** ما يكـــتل حـــد اُلا يحــــييه

اُلاهُ مــــن ذوك الِّ اِزبُّ ** اعلم الغيب ابلا وِلْهَ فيـــــــه

 

اُطبع من سغرُ حسن الخُلق ** والَّ باش اكبر يكبر فـيه

متول عن لشياخ الخَــــــلق ** والكشف اللَّشياخ امخليه.

هذا النوع من العلماء مؤهل للمشاركة في النهضة العلمية والأدبية، لماذا؟ لأنه لا يسعى إلى جمع الدنيا ولا تضليل الناس؛ بل هدايتهم.

أتقانا: ولد المبارك ولد يمين نادرة، ومن نصوصه البديعة:

معلوم الظاهره امعلوم اسْـــريره ** الكيّْس الرِّيّْس امن اَيام لحوالَ

وخيرت اكبيره اوخيرت اسغيره ** امــــشَ مــودَّع للــرب تــــعال

 

فاســـــلامت المول للِّ لا اتعلب ** وطْيُ اعل امحارد امحافل الطــلب

ما گيم اللجْبَ الا خصر الصحبَ ** واحرام محال امــع حــــــد يشال

وامگوم العُرْبَ المسيد والصرب ** وامَّوْجْرْ الزرب من كل جَــــفَّال

ايعط ابلا طلب اللعزوز والعزب ** وال ابلا نسب وانسيب وانــــثال

امن گور لنبنبَ الدار ول صـنب ** التفادَ لِتْرَبَّ لكرب بو اغـــــــلال

امن فم لنجربل لكراع للــــرگب ** ما فيه ولْ طلب ما عاد لُ انــعال

إلى أن يقول:

..................................... ** شنگولك امل لا جاتك ارســال

مگطوعة الكتبَ وامحيرَ الطلب** وامكدر اگبال الا شـــوره حال

إجيبه ابرغب ما گابــــــظُ لغب ** اشنگولك املِّ فــــــايام تـــوال

فامنين فاجِّدْبَ ذي الناس تدرب ** تتحاگر الصحبَ اتتميحلَ الحالَ

اتروكل اجِّنبَ واغان والعـــلب ** اتمور الگرب اتخورد ارسـال

إعود ما يغب واشوايلُ لعــــبَ ** واِعو دلك لعب واِگولّْك: اتعال.

ذ. إشدو: في أدب النهضة من الانحطاط الذي ذكرته لك من قبل أبيات ربما رأيتها في الديوان، في رثاء الأمير اعلي شنظوره.

أتقانا: صقر مغفر؟

ذ. إشدو: نعم.

وهناك أيضا أبيات كنت قد بعثت بها إلى صديق لي أقول فيها:

يا من يعالج في "إگيدي" معتــــكفا ** ما كنت أرغـــبه فـــيه وأهـــواه

وفِّرْ عليك عناء البحث عـن وطـــر ** لا هــــو هو ولا دنـــياك دنـــــياه

لم يبق في العرب العرباء منه شذى ** أو "في الزوايا بقايا من بقاياه"!

هذا كما ترى بكاء على زمن مضى.

وهنا "گافان" من أحسن ما يمكن أن يفيد في الخدمة الاجتماعية المنشودة. 

أتقانا: ما هما؟

ذ. إشدو: الأول:

للناس المعلومه زلَّــه ** تُخَلَّه، ماهي معصـومه

والناس الماهي تُخَلَّه ** فاخلاگ الناس المعلومه.

لم يقل: "الناس الأخرى" وإنما اكتفى بالقول: "الناس الماهي.."

أتقانا: هذا رزين.

ذ. إشدو: قال لي الشيخ ولد مكي إن الأدب الحقيقي هو ما يمكن إنشاده في مختلف المواطن دون حرج.

تجري محاولات لتشويه العديد من الأعلام الذين كانوا قدوة من قبيل من ذكرنا. من أهداف الانحطاط ومحاربة الإصلاح القضاء على أمثالهم ومحاولة تحطيمهم. وفي ذلك يقول القائل:

أمنادم عاد أمنادم فــات ** گد ال فيه أولاد آدم

گالت من لقوال أوسات ** من لفعال إتم أمنادم.

من المستحيل تحطيم الشيخ سيديا بابه والمختار ولد داداه وأمثالهما.

أتقانا: لا جدوى من ذلك. نحن - بحمد الله- في دولة تعترف لرموزها بالفضل، ولا يضرهم كلام السوقة والرعاع.

ذ. إشدو: لاحظت محاولات يقوم البعض بها للحد من جهود النهوض، منها عدم تكاتف الأجيال، وبحث البعض عن وسيلة للقضاء على البعض، ومحاولة تحطيم الرموز ومن يقتدى بهم كما قلت.

لدي تجربة يمكن أن أختصرها لك مع بعض الشباب الأدباء اتصلوا بي قبل سنوات بحثا عن موطئ قدم على الساحة، فنصحتهم بإنشاء هيئة ففعلوا وعينوني رئيسا شرفيا لها، وبذلنا جهودنا جميعا.

بعد زمن غابوا عني جميعا وأصبح كل منهم يدعى "الأديب الكبير" ولما يبلغ الثلاثين من عمره!

إذا وُصف من لم يبلغ الثلاثين من عمره بالأديب الكبير فلا أعرف بما ذا سيوصف أحمدُ ولد عبد القادر والخليل النحوي ومحمد كابر هاشم! مثل هذا تسرع وخطل. من واجبنا جميعا عونهم بما استطعنا وفسح المجال أمامهم، وهم – جزاهم الله خيرا- عليهم أن لا يتسرعوا. الآية العاشرة من سورة الحشر تقول: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}. هؤلاء هم الفئة الثالثة. الأولى المهاجرون، والثانية الأنصار، وهؤلاء الذين جاؤوا من بعدهم.

هذه الآية ينبغي أن يتمثلها الشباب وينتبه لها.

أتقانا: عليهم أن يعلموا أن الأسلاف بنوا قيما وأجيالا ومنظومة أخلاقية ترجموها إلى رجال لله الحمد منهم أنتم وأمثالكم، وإلى نصوص منظومة ومنثورة، فهم كما قال الله تعالى: {فبهداهم اقتده}.

ذ. إشدو: الأمر كما قلت، وأيضا لا يمكنك الانبتات من أصلك، فلا يمكنك – مهما كان نبوغك- أن تبني على فراغ.