ضيف الأسبوع (العلامة المختار ولد حامدٌ)
الجمعة, 20 أبريل 2018 07:17

 

altالإعلامي الشاعر محمد كابر هاشم رحمه الله: سيداتي وسادتي السلام عليكم ورحمة الله.

العلامة المختار بن حامدٌ رحمه الله: ولدت سنة 1315هـ، وليس 1904 كما في المراجع الفرنسية، وفي سنتي السابعة حفظت القرآن على شيخ من قبيلة المدلش، ثم راجعته على خالي عبد الرحمن بن بِيدَحْ، وأخذتُ رسمه عن خالي الآخر حامدٌ بن بيدح في التاسعة. وأخذت تجويد القرآن على أحد عمومتي؛ وهو الشيخ الصالح عبد الرحمن بن أحمد بن محنض بابه في العاشرة. وتعلمت العروض على أحد تلامذة والدي؛ وهو الأستاذ محمد الأمين سيسي السنغالي، ثم بدأت دروس النحو على عمي بارك الله فيه بن محمذ بن محنض بابه.

كابر: إنه الأديب الكبير الشاعر المؤرخ الأستاذ المختار ولد حامدٌ.

 المختار.. ما هي المنازع التي دفعتكم إلى الاهتمام بالتاريخ الموريتاني؟

المختار: كنت في عام 1936م أعمل تاجرا في كولخ، فجئت ذات عشية إلى تاجر سوري فاشتريت منه كيسا من الصابون، فدخل علينا شامي يسمى إميل، فقال لي التاجر: هذا شاعر العرب، فقلت له: وهل يوجد شاعر العرب إلا في البيضان؟! فقال لي إميل: لعلك شاعر، فقلت: نعم، فقال: أنشدني، فأنشدته أبياتا، فقال: عندي أحسن من هذا، وأنشدني أبياتا، فقلت له: هذا أحسن من أبياتي، ولكن من أين لي أنها من إنشائك؟ فلنصف هذا الكيس، فأينا أسرع بديهة وأحسن شعرا فهو شاعر العرب، فقال لي: ما ذا يقول واصف كيس الصابون؟! فقلت: يعرفه الشاعر، فقال: لا يعرفه الشاعر ولا الناثر، فقلت: أنا أعرفه، قال: ما ذا تقول؟ قلت: أقول إنه في صندوق من الخشب، مكعب معصوب، وفيه انكسار يبدو منه صابون رديء غال عندك ولا تسلفه لعملائك، فقال لي: أنت ظريف، وأريد منك لقاء الليلة في دار الحاج علي بيضون السوري، فجئناه ونحن خمسة نفر فوجدنا معه جماعة من أدباء العرب السوريين واللبنانيين فسمرنا معهم، وكان من حديثنا أنهم سألونا عن مذهبنا في الدين، فقلنا: مالكيون أشعريون جنيديون.

فقالوا: لِمَ لَمْ تتمذهبوا بمذهب جعفر الصادق؛ فإنه ابن الرسول وهو أعلم بسنته.

فقلت: إنكم سميتمونا أهل السنة وتسميتم بالشيعة؛ وهو لقب عنصري.

فقالوا: نحن لا نخالف أهل السنة إلا في مسألتين: نفضل عليا على أبي بكر، ونلعن معاوية.

فقلنا: أما تفضيل علي فلا نناقشكم فيه، لأن علم ذلك عند الله، ولا إجماع فيه إلا عند أهل السنة، وأما لعن معاوية فما حجتكم فيه؟

فقالوا: إن الرسول قال لعلي: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ومعاوية عاداه؛ فإذن هو عدو لله. وقال الرسول أيضا: «عمار تقتله الفئة الباغية» ومعاوية هو قاتله؛ فهو باغ.

فقلت لهم: إن عليا خطيب فصيح؛ فإذا كان سيخاصم معاوية يوم القيامة فهو ألحن بحجته، وإن كان لا يريد خصومته فلا نفتات عليه.

فقالوا: هذا جوابٌ أديب ومسكت.

ثم بعد عدة محاورات مع هؤلاء العرب لقيني الأديب زكي بيضون فقال لي: اكتب عن البيضان لتعرّف العالم العربي بجزئه هذا الذي ليس له علم به. فبدأت من ذلك الحين - على عُجري وبُجري- ألتقط من أفواه المسنين ومن بطون الأوراق ما استطعت، وكان تحصيلي قليلا لاشتغالي بمهنة البيت والكد للمعاش، مع قلة ذات اليد وكثرة المؤنة، فتوظفت في التعليم خمس سنين، وفي المعهد العلمي لإفريقيا السوداء سبع سنين، ثم في المعهد العلمي بأبي تلميت سنتين، ثم فرغني الرئيس المختار ابن داداه للبحث التاريخي على حين بلغت من الكبر عتيا.

وكانت تتخلل أبحاثي أشياء تعرقلها، أهمها بحثي عن المخطوطات الموجودة في موريتانيا، التي استغرقت وقتا طويلا. ومنها مقابلة الزوار الأجانب الباحثين الذين شغلوا وقتا هم أيضا، والذين زودتهم بكثير من معلوماتي، كما زودت الأديب محمد يوسف مقلد بجمهور ما كتبه في كتابه "شعراء موريتانيا".

هذا إلى عرقلة المرض المزمن الذي شغل وقتا في المستشفيات. وبفضل فخامة الرئيس استطعت أخيرا مقاومة المرض بتسهيل الاستجمام في الكناري وفي الرباط، وبالإعانات المادية المشجعة.

كابر: سيدي الأستاذ، أول ما يتبادر إلى ذهن من يريد استجوابكم هو طرح سؤال حول التاريخ؛ وبالذات حول تأليفكم في التاريخ الموريتاني. فماذا عن هذا الموضوع؟

المختار: كتبت هذا الكتاب – وغالب ما كتبت- بالأسلوب القديم، إلا في فقرات من هذا الكتاب؛ راجيا أن يقوم باحثو الجيل الحاضر بإعادة صياغة المادة الخام التي قدمتها في هذا الكتاب. وتحريت فيما أخذته عن الحكايات الشفهية -  التي تختلف رواياتها غالبا- ما رأيته أقرب إلى صحة، بعد المقارنة؛ تاركا للباحثين رأيهم ورواياتهم. ورائدي في كل ذلك صيانة تاريخ هذه البلاد {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.

كابر: الأستاذ، الحديث عن هذا الكتاب يجرنا جرا للحديث عن مؤلفاتكم.

المختار: في الحقيقة ليس عندي شيء مهم، ولكن لمساعدتكم أذكر لكم:

1. معجما مدرسيا للهجة الصنهاجية البربرية.

2. مؤلفا في علوم البلاغة استشهدت فيه بشعر الشناقطة وأدبهم.

3. أنظاما متعددة في المنطق؛ منها:

أ. احمرار لنظم الأخضري المسمى بالسلم المرونق في المنطق.

ب. احمرار لنظم ابن طيب في المنطق أيضا، مع تعليق عليهما.

ثم جمع قصائد الشعر العربي التي وردت أبيات منها شواهد في تعاليق نحوية؛ مثل طرة محنض بابه على الخلاصة.

ثم هذا الكتاب الموسع الذي يشتمل على تاريخ الملثمين الذين في موريتانيا، وهم لمتونة وگدالة ومسوفة، وعلى [تاريخ] السودان المجاورين لهم، ووصف بلادهم. وعلى ملوك الملثمين في أول دخول الإسلام إلى هذه البلاد، وعلى ذكر غانة وسير أهلها وملوكها، وعلى طرق الفاتحين والتجار إلى موريتانيا، وعلى قيام دولة المرابطين ورؤسائهم وفتوحهم وحضارتهم، وعلى تاريخ القبائل المنحدرة من الأنصار أو من شتى بطون قريش، من فهريين وبكريين وهاشميين، وحياتهم الدينية والثقافية، وعلى تاريخ بني حسان من عرب المعقل، وإماراتهم ورؤسائهم وحروبهم في موريتانيا.

ويقع الجزء الجغرافي من هذا الكتاب في مجلد تذكر فيه الجغرافيا العمرانية والاقتصادية والتاريخية والبشرية، وفي هذه الأخيرة تذكر لائحة جميع القبائل والمديريات التي تتبعها هذه القبائل بتفصيل واف.

كابر: هل اهتمامكم بالتاريخ مقصور على التاريخ الموريتاني كما رأينا، أم هو اهتمام تجاوز القطرية والإقليمية؟

المختار: في الحقيقة إنما أفردت التاريخ الموريتاني لأن أوائلنا للأسف لم يهتموا به، لأنهم لا يعتبرون غير الحياة الدينية والأدبية، ويرون الأنساب والتاريخ حشوا، وتسود عندهم العبارة التي قيلت إن "علم الأنساب علم لا ينفع وجهالة لا تضر".

كابر: ما هي أهم المصادر التي استعنتم بها في بحثكم التاريخي؟

المختار: اعتمدت من المصادر المطبوعة أو المخطوطة على زهاء سبع وخمسين مخطوطة، منها مثلا شيم الزوايا لليدالي، وكُتب والد الديماني، وتواريخ ولاته والنعمة.. وغير ذلك. واعتمدت من الكتب المطبوعة على زهاء واحد وأربعين، إلا أنها لم تزودنا إلا بالقليل من تاريخ هذه البلاد. هذا إلى ما أخذته من أفواه المسنين ومن الحكايات الشعبية التي هي – في الحقيقة- أكثر وأهم مصادر هذا الكتاب وغيره من الكتب القديمة.

كابر: عرفنا منذ دقائق أنكم حفظتم القرآن وما يتعلق به من رسم وضبط وتجويد على يد والدكم وبعض أعمامكم وأخوالكم، وعلمنا كذلك أنكم قرأتم مبادئ من العروض والفقه والتصوف، ثم ما ذا؟

المختار: ثم علمني والدي مبادئ من السيرة والفقه قليلا، ثم أخذت الإعراب عن عمي بابه بن محموداً بن محنض بابه، ثم عن عمي الآخر بارك الله بن محمذ بن محنض بابه. ثم أقرأني والدي التركة من العاصمية، والتصريف من الألفية. وقرأت الألفية على عمي بارك الله، وعلى خالي عبد الرحمن بن بِيدَحْ. ثم قرأت التجويد على عبد الرحمن بن أحمد؛ أحد أعمامي.

وفي الثالثة عشرة من عمري دخلت المدرسة الفرنسية "مكرها لا بطلا" ثم جاءت الحرب العالمية الأولى فأغلقت المدرسة وخرجت منها، وهكذا كنت أحضر دروس والدي، وأطالع الكتب؛ وكنت مولعا بالمطالعة، فأولا طالعت كتب التصوف للغزالي، وكتب زروق، ثم قرأت ديوان المعري بشرحه، ثم ديوان الحماسة، وطالعت كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. ولما قرأت النحو كنت مولعا بجمع القصائد التي منها الشواهد، فجمعت من ذلك ما شاء الله بمطالعة خزانة الأدب للبغدادي.

ثم كان الاقتصاد يفرض علي تقطع التعلم، إلا أني في أوقات متقطعة قرأت الأصول؛ أولا على المختار بن محمد امبارك بن سليمان، ثم أتممتها على والدي، وقرأت عليه المنطق، وحضرت درسه للعاصمية ثانيا، وحضرتها أيضا عند بابه بن محموداً بن محنض بابه، واستفدت من مدرسة الشيخ يحظيه بن عبد الودود، وأخذت تحقيقات عن الشيخ محمد عالي بن عبد الودود والشيخ المختار بن ابلول الحاجي.

ثم خرجت إلى آل محمد سالم المجلسيين فحضرت دروسهم الفقهية والتوحيدية والسيرية.

هكذا كنت أقرأ متقطعا، ولكن أظن كل ذلك لم يحصل عندي منه إلا الشعور فقط.

عمر هذه الحلقة يزيد على 40 سنة؛ فقد توقف هذا البرنامج أواخر عهد الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 1 زائر  على الموقع