| من تاريخ الكادحين(5) |
| الجمعة, 05 مارس 2021 07:30 |
|
حدّث الرفيق بدّن قال: عطفا على الحديث السابق عن صيحة المظلوم وبدايات صدورها ومحرريها وفرقة المهمات الخاصة الدائرة في فلكها، أعود لذكريات تلك الأيام حين كنا نعيش تجربةً جديدةً حيث نقوم بالطباعة والنشر في ظروف معقدة.. ففي ليلة من ليالي الشتاء الباردة من سنة 1971، دخلنا غرفةً صغيرة بابها ضيق، فراشها قليل زهيد، تتوسط أرضيتها آلة طباعة قديمة بجانبها بعض صفائح "استنسيل" الخاصة بالسحب المستعملة قِدْما، جلس صديقي يسلم ابن عبدم (شفاه الله) أمام الطابعة، حركها وأدخل فيها صفيحة ثم بدأ يكتب وأُملي عليه. كان مبتدئا ً بما في الكلمة من معنى! ينقر على آلته ببطءٍ شديد وبإصبع واحد! لا يمتلك سوى عزيمة أقطعُ من السيف. ولئلاّ يسمع الجيران والمارة صوت الآلة أحضرنا مذياعا وضعنا صوته على الدرجة الأعلى ، ولما تأخر الليل وقل العابرون في الشارع دخل علينا الشاعر أحمدو عبد القادر، مهمته الطواف حول البيت يُراقب المارة ويضمن أمن الساهرين بداخله. سلم وقال همسا: توقفا قليلا، أجبناه: خيراً إن شاء الله؟ أشار إلى المذياع: حوّلوهُ إلى "صوت أمريكا إنجليزي" ضجيجهم وصراخهم أفضل غطاءً، يزمجرون مثل العفريت "باهوش" (المُتيمِ بحب العربية وسماع الأذان والقرآن الكريم وقد وردت قصته في حلقة سابقة) وما أن قمنا بالمطلوب حتى تحسن الوضع وارتاح "الشاعر الحارس" وابتسم، ثم واصل المراقبة والدوران حولنا. ولما اكتملت عملية الطباعة بعد جهدٍ جهيد وعناءٍ كبير، تحولنا في الليلة الموالية إلى أمر آخر يُزاحمُ صعوبةً سابقه. انتقلنا الى فرقة المهمات الخاصة التي تولت التكثير والنقل، عتادها آلة سحبٍ قديمة وحمارٌ لحمل البضاعة المحظورة. تتكون الفرقة من ثلاثة شبان يتميزون برباطة الجأش والشجاعة. بعد إتمام السحب وإتقانه قُرِّب الحمار من طرود "صيحة المظلوم" استعداداً لرحلة عبر الأزقة والشوارع لتصل الى غرفة التصفيف. كان الوقت فجرا. في مُنطلقِ الرحلة، صلينا الصبح تضرعنا إلى العزيز الجبار أن يقينا بطش البوليس والجواسيس ومن على شاكلتهم من مليشيات حزب الشعب. جرى تحميل الحمار ووضع اللمسات الأخيرة على ديكور تمويه الحمولة واكتمل ارتداء الأزياء الخاصة بالأفراد حيث ارتدى أحدهم فضفاضةً ووضع عمامةً على رأسه وحمل تسبيحاً طويلا في يده أخذ يُديرُه استغفاراً فصار شيخاً جليلاً مهيبا تهوى إليه الأفئدة، أخذ " شيخُنا زمام الدابة، انقادت له بيُسْرٍ وسهولة. بدأ تلاوة القرآن جهراً، يتبعه مرافقه في صورة مُريدٍ بحمل عصاهُ يهشٌ بها على حماره. كنتْ أتقدمهم بمسافة تسمح بمتابعة المستجدات والتدخل عند الحاجة. تقلص الفارق بيننا عند تقاطع الطرق غير بعيد من قيادة أركان الحرس، مرت سيارة للبوليس توقف الحمار برهة فقال "الشيخ" لصاحبه بهدوء أعصاب عجيب ألم أقل لك إن حمارنا ذكي يعرف قانون المرور، ويدرك أن الأولوية لليمين؛ لذا ترك سيارة الشرطة تمر. وبعدها تابع سيره وواصل الشيخ "أغباده" وحل الجميع في المكان الموعود. نقلا عن معالي الوزير عبد القادر ولد أحمدو |
