| ضيف وقضية (11) |
| الجمعة, 08 يناير 2016 11:05 | ||||||
|
بادئ ذي بدء..
نجدد الترحيب بالضيف الأستاذ محمدٌ ولد إشدو، أهلا بكم معنا في هذه الحلقة. ذ. إشدو: أهلا بك وبالمشاهدين الكرام. وكما ذكرت لكم قبل قليل وللمدير هذا المساء، فإننا سنبدأ بمحطات تكميلية للفترة التي تكلمنا عنها؛ أي فترة تصفية الاستعمار. هذه الفترة لها ما بعدها، وكانت – حسب رأيي- من أهم الفترات التي تلت الاستقلال السياسي؛ وبالتالي لا بد من محاولة إعطائها ما تستحقه. ولدي بعض الملاحظات يجب أن نكمل بها ما ذكرناه في الماضي. لحسن: إذن نتناول الملاحظات ثم ننتقل بعد ذلك إلى موضوع الحلقة. ذ. إشدو: نعم. الملاحظة الأولى تتعلق بالتعذيب والقمع خلال هذه الفترة. كما ذكرت لكم وللمشاهدين في الحلقة الماضية فإن هذه الفترة مثلت قمة الصرع بين الحركة الوطنية الديمقراطية وبين النظام، وقد قلت في مرحلة لاحقة لأحد الصحفيين إن الصراع في هذه المرحلة بين الحركة الوطنية الديمقراطية والنظام كان صراعا على الربح، لكن رأس المال كان في مأمن. الدولة الموريتانية كانت في مأمن.الشباب في الحركة الوطنية الديمقراطية يقولون: يجب – ويمكن- أن يتم ما هو كذا وما هو كذا وكذا.. وخاصة مراجعة الاتفاقيات وتأميم "ميفرما".. إلى آخره. واليمين وجل أركان النظام يقولون: هذا لا يمكن، وينبغي أن نتوقف هنا. الصراع إذن صراع على الربح والخسارة، وليس صراعا على رأس المال. احتدم الصراع في هذه الفترة وَوُوجهت الحركة الوطنية الديمقراطية بالتعذيب والقمع بشكل مخالف تماما للقانون ومخالف للأخلاق والقيم الدينية والموريتانية. وقد سجلت هذا نصوص أدبية سوف أتناول بعضها، لكني أود قبل ذلك أن أحدد الأماكن التي كان يجري فيها التعذيب والقمع، وكانت مواقعه كالآتي: أولا انواكشوط: مفوضيات الشرطة، الدرك الوطني، الحرس الوطني؛ وخاصة سجن بيله سيئ الذكر، الذي تجب الكتابة عنه. أطلب من جميع نزلائه – ومنهم كتاب ومؤرخون ومثقفون- أن يكتبوا لنا مذكرات عنه وعن تلك الفترة. الشاعر أحمدُ ولد عبد القادر - أطال الله بقاءه- كتب نصوصا كثيرة عن هذا الموضوع، ولكن أبرزها نصان سبق أن تعرضنا إلى بعض أحدهما؛ وهو "ليلة عند الدرك" في اعتقال النقابيين سنة 1971: قالوا له: ما ذا تضيف؟ لا تُخْفِ عنا أي شيء فالنار والكرباج ينتزعان من رأس السجين ما لا يريد وتحلقوا من حوله مثل الكواسر والوحوش يتكالبون على انتزاع ثيابه عن جلده ... "سيطول هذا الليل إن لم تعترف" بالأمس قدت مظاهرات لم تكن لولا عنادك وانجذابك للفساد.. *** فاستحضر المسجون من أعماقه: آراءه، أفكاره، أهدافه.. وتذكر الوطن المكبل بالقيود والثائرين على السلاسل والجمود وتذكر الأبطال كيف يواجهون شراسة المتوحشين وتذكر المستعمرين ومحنة المستعمرين ونذالة المستعمرين وقوة المستعمرين ويحدث النفس المليئة بالتفاؤل والثبات: العسف والتعذيب والترهيب والجو البهيم ليست سوى فجر انعتاق الشعب من كل الهموم هذا النص (ليلة عند الدرك) كان يعكس بداية النزال الوطني الديمقراطي ضد الاستعمار الجديد. لديه قصائد أخرى من أهمها قصيدة "رسالة إلى رفيق":
وفي هذه القصيدة أبيات جميلة جدا حول التعذيب. يقول فيها عن زملائه:
لحسن: وصف دقيق جدا. ذ. إشدو: نعم. كنا حينها نصف النظام بالرجعية وبالفاشية وبالجهل.. إلخ، لكن الدولة كانت في مأمن كما قلت.
أوكار التعذيب كان من بؤر التعذيب أيضا في الداخل مدينة تجگجه. وهي مدينة عريقة في تاريخ موريتانيا، ويمكن أن يقال أيضا إنها هي منبع الحركة الوطنية الديمقراطية، وهي التي مدت هذه الحركة بمعين لا ينضب من الشباب المناضلين. وكانت المذرذرة أيضا بؤرة من بؤر التعذيب ومن نظر في ديوان "أغاني الوطن" يجد فيه قصيدة بعنوان "المذرذرة المناضلة" تذكر ذلك. وكذلك كيفه وأماكن أخرى في الشمال والجنوب. كانت المظاهرات شبه اليومية تواجه بالقمع الشديد، وبالاعتقال والتعذيب، وبالسجن. قل يوم وقعت فيه مظاهرة أو مهرجان إلا وجوبهت بما ذكرت. مظاهرة ومهرجان ضد ماذا؟ ضد مظاهر الاستعمار الجديد التي يريد الشباب القضاء عليها. لحسن: والتي كان من أبرزها ما يحدث في "ميفرما". ذ. إشدو: وكان من أبرزها الاتفاقيات المذلة التي كانت بين بلادنا وبين فرنسا، والتي تقضي – على سبيل المثال- بأن يدخل الطيران الفرنسي الأجواء الموريتانية متى شاء ويدخل الطيران الموريتاني الأجواء الفرنسية متى شاء. موريتانيا لا طيران لها! (الطيران العسكري مثلا). منها أيضا التبعية في كثير من الأمور؛ وخاصة المجال الاقتصادي الذي بقي تابعا للمستعمر. لحسن: كل هذا كان قبل أن يؤمم النظام "ميفرما". ذ. إشدو: نعم، قبل التأميم. وأذكّر بأنه في نهاية سنة 1972 وبداية سنة 1973 ضخت دماء جديدة في الحزب والحكومة؛ ألا وهي جماعة التكنو قراط كما سبق أن قلت، وذكرت بعضهم كالمرحوم عبد الله ولد اباه، والأستاذ محمذ ولد باباه أطال الله بقاءه، والرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله أطال الله بقاءه، وأحمد ولد أعمر رحمه الله، وجماعة ربما نسيت بعضها. دخلت جماعة التكنوقراط هذه من أجل التكيف مع الحركة التي اجتاحت الوطن مطالبة بالتغيير، ومن أجل التغيير، لكن أي تغيير؟ التغيير على مقاس معين، ليس المقاس الذي يريده الشباب. روجعت الاتفاقيات وأنشئت العملة الوطنية، ولكن لم تفهم الحركة الوطنية الديمقراطية (وخاصة حزب الكادحين الذي كان يقودها) أنه قد طرأ جديد فيتكيفوا مع هذا الجديد ويتعاونوا مع الذين قاموا به من أجل إكماله، وإنما اعتبروه مجرد تلاعب ومناورة، وكان هذا خطأ كبيرا كما أسلفت. خلال هذه الفترة اشتد الصراع حول نقاط معينة منها تأميم "ميفرما" بطبيعة الحال، وترسيم اللغة العربية، والديمقراطية، والكثير من المطالب، فكانت النتيجة ما سبق ذكره من صدام بلغ حد كسر العظم دون رحمة. |
