| "لـــم يمـــت" |
| الخميس, 14 أغسطس 2014 08:17 | |||
|
مرت بنا في التاسع من الشهر الجاري الذكرى السادسة لوفاة الشاعر الكبير محمود درويش، لذا نعيد نشر هذا المقال الذي كتب تأبينا له غداة رحيله.
في خضم صراعنا الأبدي ضد عزلة القرون، زارنا في أواخر السبعينيات المرحوم مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية فأشعل جذوات النفوس بـ"لهبـه المقدس".. وقد درج على خطاه شاعر ثورة فلسطين الخالد محمود درويش في بداية التسعينيات. لست أدري لماذا شن مفدي زكريا في ساحتنا حملة شعواء على نزار قباني، وعلى الشعر الحر الذي يجيد قرضه وينكره في آن، ويسميه "بوليزاريو الشعر"؟! يومها دافعت في وجه صديقي مفدي عن الشاعر الشامي وإن كنت أخالفه الرأي في قوله في قصيدتـه "إفادة في محكمة الشعر:" "عندما تبدأ البنادق بالعـــــ ــز ف تموت القصائد العصماء" فالقصائد العصماء لا تموت؛ لأنـها تزخر بإكسير الحياة: الحب والجمال والثورة، ولأنـها هي التي تخلق وتوجه وتحمي البندقية؛ وأتفق مع مفدي زكريا فيما ذهب إليه في الموضوع في قصيدتـه "نطق الرصاص" حين يقول: والحق والرشاش إن نطقا معا عنت الوجوه وخرت الأصنام.
سيدي محمود، تذكرت هذا الحدث وأنا أقف في حفل "منتدى القصيد" الذي أقيم لتأبينك وأصغي في أعماق نفسي المضطرمة إلى هدير كلماتك التي تفجرت حمما قبل أن تبدأ البنادق الفلسطينية بالعزف:
"بأية أسلحة ترد الروح عن تحليقها؟ خذوا أرض أمي بالسيف.. ولكني لن أوقع باسمي عقد الحب بين المقتول والقاتل".
...إنـها الثورة والثأر إذن! لا "وضع الندى في موضع السيف"! سلام عليك يوم ولدت أمس، ويوم ولدت اليوم من جديد، ويوم تولد غدا وغدا وغدا.. وتبعث صدّيقا نبيا! محمود، يا من تحب عمرك لأنك سوف تملؤه نضالا وحبا وشعرا، ولأنك "إذا مت تخجل من دموع أمك"! لا تخجل. أنا قادم من "... يافا" وحده دمع الكرمل يهمي عليك مدرارا! أما أمك (الحاجة).. وأمتك الثكلى، فلا تذرفان عليك إلا المواويل.. أمهات فلسطين لا يبكين الشهداء بل يغنين للموت كما قال شاعر موريتانيا:
محمود، عجيبة هي هذه العلاقة المبـهمة القائمة بين الضحية والجلاد! إن جلادك الذي مات حيا منذ سنوات، كان يرتعد رعبا منك وأنت في أصفاده؟ وكان يغبطك في شموخك وكبريائك واستشرافك لخيوط الفجر الصادق وهي ما تزال تعتمل في رحم القرون! ويتمنى لو أن الغيتو أنجب درويشا إسرائيليا واحدا يتغني بكيانـه"العابر"! وهذا ما جعله يبنى جدار عار وفصل عنصري يحمي شتات الأغراب من حمم قصائد يراها أشد فتكا بكيانـه من جحافل الاستشهاديين!
محمود، أنت لم تمت.. "ستخرج".. "من غبار القوافل" "من فضة الموت الذي لا موت له" قم "إلى ظل عينيها".. "قبل سقوط القمر" فـ "ما زال على السفح صهيل"
أولست القائل:
فإن سقطت.. وكفي رافع علمي سيكتب الناس فوق القبر "لم يمت".
نشر في جريدة "السفير" العدد 777 الأربعاء 27/ 8/ 08. (من كتاب "أزمة الحكم في موريتانيا) |
