في شعراء البلاط ح 4
الاثنين, 22 مايو 2017 08:11

 

altوفي عصر الثورة العربية الحديثة: ثورة الضباط الأحرار في مصر، وإعلان الجمهورية فيها، وجلاء الإنجليز عنها، وتأميم قناة السويس، وهزيمة العدوان الثلاثي، وسقوط حلف بغداد، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، واندلاع ثورتي الجزائر واليمن.. الخ، بزغت نابتة شعرية عربية ثورية وحدوية جديدة أفرزتها و"أنطقتها رماح قومها": صالح جودت، عزيز أباظة، كامل الشناوي، الشيخ محمد سالم ولد عدود، نزار قباني، مفدي زكرياء، محمود درويش، أحمدو ولد عبد القادر، هاشم الرفاعي، عبد الرزاق عبد الواحد.. وآخرون.

وكان صالح جودت وعزيز أباظه وكامل الشناوي ونزار قباني والشيخ محمد سالم ولد عدود وأحمدو ولد عبد القادر وعشرات غيرهم "شعراء بلاط" بالمفهوم العام لدى البعض؛ أي أنهم كانوا يؤيدون تلك الثورة وقائدها، ويتغنون بأمجادها ومنجزاتها، وبالوحدة العربية التي تسعى إلى تحقيقها.. وبهذا المعنى كان ذلك الجيل من الشعراء - طوبى لهم- "شعراء بلاط جمال عبد الناصر" وسادة الشعر والشعراء!

كانت قصائد صالح جودت تتفجر ثورة وقومية واستنهاضا، وتشيد بالرئيس جمال عبد الناصر كتلك التي مطلعها:

لا تقولوا غدا فعمري قليل ** هده اليأس والعناء الثقيل.

فقد كانت تمجد القائد العربي الذي ألهم الأمة العربية وشعوب العالم ووحدها وقاد معاركها ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية وغير وجه التاريخ:

إنه القائد الذي عاهد اللـــ**ـــه فأوفى وعهده المسؤول.

        أما الشاعران الكبيران عزيز أباظة وكامل الشناوي فيكفي في هذا المقام ذكر قصيدتيهما الرائعتين في معجزة السد العالي، اللتين غنتهما أم كلثوم وهما:

"على باب مصر" و"كان حلما فخاطرا فاحتمالا"

ومن هذه الأخيرة لعزيز أباظة نقتطف ما يلي:

كان حلما فخاطرا فاحتـــــــــمالا ** ثم أضــــــحى حقيقة لا خـــــيالا

عمل من روائع العقل جـــــــئنا ** ه بعــلم ولــــــم نجئه ارتـــــجالا

إنه السد فارقبوا مولد الـــــــسـ** ـد وباهــوا بيــــــومه الأجــــيالا

يفتح الرزق وهو ســــد فيــنسا ** ب جنـــــوبا في أرضنا وشمالا

ويشيع الحــياة تنــــبض نبــــتا ** يغمر الجـــــــدب نوره والرمالا

حقق المعــجزات عـــزم جــمال ** فاحمـــدوا الله أن حباكم جمالا

هو والنيل واهــبا الســــد هــذا ** سال تبــــرا وذاك فاض نضالا

حين ألوى بعهده مقــرض الما ** ل وحاد الصــــــديق عنا ومالا

واستدار التاريخ ينظر هل يسـ** تسلم الليث أم يصـــــــول، وصالا

قال: إني بانيه وأعــــــتز باللـ**ـه وبالحق فاســــــــــترد القنالا

قالها من صميم أفئـــدة الشعـ**ـب فكانت أقواله أعـــــــــــــمالا

وإذا هبت الشعوب إلـى الغا ** يات شقت لِنَيْلِهن الجـــــــــــبالا.

وفي أقصى ثغر عربي محتل على ضفاف الأطلسي لامست صيحةتأميم قناة السويس والتصدي للعدوان الثلاثي سَمْع فتى عربي بدوي، لكنه شاعر وثائر؛ هو الشيخ محمد سالم ولد عدود فهب يحدو ثورة العرب الجديدة ويذكر أمجادها وأمجاد قائدها في قطعة شعرية جميلة هي باكورة الشعر الثوري والقومي في بلانا:

ومدلة بالحسن قلت لها: اقصري ** إن الجمالَ جمالُ عبد الناصر

بطل تفرد مصره في عـــــصره ** بجـــــماله من بين كل معاصر

وقد شفع تلك القطعة الرائعة الرائدة بقطع وقصائد أخرى نذكر من بينها مثلا رائعته التي مطلعها:

ليس للرجعي فينا من نسب ** كل رجعي دَعِيٌّ في العرب

ومنها في تحليل الوضع السياسي يومئذ والتعريف بطبيعة العرب وحتمية انتصار ثورتهم مهما طال الليل:

لم نــزل في الشأو نمشي قدما ** ليس يثنينا لغوب أو نصب

كلــــما جزنا ثــــــــــــنايا أرب ** بحثـــــيث السير تقنا لأرب

قد رجونا مظهرا فوق السما ** لا نرى الجعدي إذ قال كـذب

سوريا قد مزقت وحــــدتنا ** بانفــــصال لكن الوعد اقترب

قاسم أقسم لا يصــــــحبنا ** سوف يرضى قاسم بعد الغضب

وسعود وحسين معـــــنا ** في لجاج وجــــــــــــدال وعتب

سحب قد عكرت أجواءنا ** سنرى الشمس إذا الغيم ذهب

وعلى خطى الفتى الشيخ والشيخ الفتى سار فتى عملاق ثائر آخر هو الشاعر أحمدو ولد عبد القادر الذي يقول من بين قصائد قومية كثيرة في ذكرى هزيمة العدوان الثلاثي:

كتب النــصر للزعــــيم وشــــعب ** يعشق المجد لا يهاب الحـماما

 آه لو أحضر الصــراع فأحـــــيا ** لحــظات بها الفؤاد استــــهاما

فأرى النصر كالقـــــــلاع وكالنو ** ر وكالــــحق يصرع الأصناما

يوم عادت لأمتي ذكـــــريات الـ**ـعز تاجا لفـــــــــخرها ووســاما

وانبرت ترقص السنا بنـــــشيد ** أبدي على الحقــــــــيقة قــــاما

وطن العرب منذ قام جـــــــمال ** ما توخاه وحدة لا انقــــــساما

يا بني مصر يا سموم الأعادي ** يا رحيقا لقومهم وســــــــلاما

هاهنا حيث تنتهي أرض قومي ** بشطوط المحيط كنت غـــلاما

يحرق الدمع مقلتي حــــــماسا ** إذ نصــرتم على العدو وخاما

أي معنى ترونه خلف هــذا الـ ** ـدمع والدمع يســـتهل جماما؟

وفي حقبة من تاريخ ثورة العرب الحديثة أصبح نزار قباني، ذلك الدمشقي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بعد المتنبي وشوقي "شاعر بلاط" الثورة العربية والقضية العربية في القاهرة ودمشق.. بعد أن كان صريع غوان وشاعرا للمرأة والحب. ومن أسباب هذا التحول العجيب اكتواؤه بذل هزيمة حزيران 1967 الذي جعله يصرخ مفجوعا في وجه حبيبته على غير عادته:

كيف أهواك والحمى مستباح ** أمن السهل أن يحب السجين؟

كيف أهواك حين حول سريري ** يتفشى اليهود والطاعون؟

 ولعلاقة نزار ببلاط الزعيم جمال عبد الناصر حكاية بديعة تتلخص فيما يلي:

بعد هزيمة حزيران كتب نزار قباني قصيدته الرائعة "هوامش على دفتر النكسة" يرمي من خلالها إلى تقديم مساهمته في تشخيص أسباب الهزيمة حتى يستطيع أولو أمر الأمة التغلب عليها وخلق ظروف النصر الممكن. ولكن المنافقين والمتملقين في بلاط الثورة بمصر حرفوا القصيدة عن مواضعها وشيطنوا نزارا لحد اتخاذ قرار بمنعه من دخول مصر. ولما علم الرئيس جمال عبد الناصر بذلك طلب نسخة من القصيدة، وبعد الاطلاع عليها ألغى الإجراءات الظالمة في حق الشاعر واستدعاه لزيارة مصر مكرما. فكتب فيه الشاعر قصائد عديدة نذكر منها - على سبيل المثال لا الحصر- تلك التي كتبها بعد وفاته: "إليه في يوم ميلاده" وفيها يقول:

زمانك بستان وعـــصرك أخـــــــــضر ** وذكراك عصـــــــــفور من القلب ينقر

ملأنا لك الأقـــداح يا مــــــــــن بحــبه ** سكرنا كما الصــــــــوفي بالله يســــكر

دخلت على تاريــــــــخنا ذات ليـــــلة ** فرائحة التاريخ مــــــــــسك وعنـــــــبر

وكنت فكانت في الحــــــــقول سنابل ** وكانت عــــــــصافير وكـان صنــــــوبر

لمــــــــست أمانينا فكانت جــــداولا ** وأمطـــــــــرتنا حــبا ولا زلت تــــــمطر

أحبك لا تفسير عندي لصــــــبوتي ** أفسر ماذا؟ فالهـــــــوى لا يفـــــــــــسر!

أتسأل عن أعمارنا؟ أنت عــــــمرنا ** وأنت لنا المهدي أنــــت المــــــــــحرر

وأنت أبو الثورات أنت وقــــــــودها ** وأنت انبعاث الأرض أنت التـــــــــــغير

رفيق صلاح الدين هل لك عــــــودة ** فإن جيوش الروم تنــــــــــــهى وتأمر

يحاصرنا كالموت ألــــــف خلــــيفة ** ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر

يثير حزيران جنـــــــوني ونقــمتي ** فأغــــــتال أوثاني وأبــــــــــــكي وأكفر

وأترك خلفي ناقتي وعــــــــباءتي ** وأمشي أنا في رقبة الشمس خنـــــــــجر

وأصرخ يا أرض الخرافات أحبلي ** لعل نبيا آخرا ســـــــوف يظـــــــــــــــهر.

وفي نشوة نصر أكتوبر المجيد كتب نزار قباني نونيته الرائعة "ترصيع بالذهب على سيف دمشقي" التي يقول فيها:

جاء تشرين يا حبيبة عـــــــــمري ** أحسن الوقت للهوى تشـــــرين

ولنا موعــــــــــد على جــبل الشيـ ** ـخ كم الثـــــلج دافئ وحـــــنون

هزم الروم بعد سبع عـــــــــجاف ** وتعافى وجـــــداننا المطــــــعون

وقتلنا العنقاء في جــــــــبل الشيـ ** ـخ وألقى أضــــــراسه التنـــــين

صدق السيف وعده يا بــــــلادي ** فالسياسات كلــــــها أفيــــــــــون

صدق السيف حاكما وحكـــــــيما ** وحده السيف يا بلادي اليــــــقين

وطني يا قصيدة النار والــــــور ** د تغنت بما صنعـــــت القــــــرون

يا دمشق البسي دموعي سوارا ** وتمنَّيْ فكل صــــعب يهـــــــــــون

اركبي الشمس يا دمشق حصانا ** ولك الله "حافظ" وأمـــــــــــــين.

وكان شاعران عظيمان من شعراء هذه الحقبة "شاعري بلاط" أيضا وهما:

- شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء؛ فهذا الشاعر الذي حدا الثورة الجزائرية حتى انتصرت، وغنى لها "اللهب المقدس" وكتب نشيدها الخالد، وظل يقف معها بوفاء عندما واجهت مؤامرات وأزمات داخلية وخارجية مثل صراع الأجنحة وحرب الحدود، كان شاعر بلاط الثورة والرئيس أحمد بن بلله. ومما قاله في ذلك قصيدته التي ألقاها أمام الرئيس أحمد بن بلله بحضوري فاتح نوفمبر 1963 والتي مطلعها:

لوجهك بعد الله أعنو وأسجد ** وإياك يا شعب الجزائر أعبد

وبوركت تربا ضم مليون خالد ** كأنك من أرواحهم تتـــوقد

إلى أن يقول فيها:

وإن تسألوني في الحدود فإنني **  سألتــــــــــكمُ بالله أن لا تحددوا

ذروها كماء البحر ما في عبابه ** حدود ولا خصم به يــــــــــتوعد

وما خاب فلك يهتدي بدموعــه ** إذا كان ربان السفينة أحــــــــمد

وقد زار مفدي زكرياء موريتانيا وأنشد أجمل قصائده في محافلها الأدبية، فعرفه وأحبه يومئذ أدباء ومثقفو موريتانيا، وزاد من قدره عندهم ولاؤه للثورة وللرئيس أحمد بن بلله.

- وشاعر عراق صدام حسين عبد الرزاق عبد الواحد، الذي تغنى بعز ومجد العراق في أوج ثورته ونهضته، وامتشق سلاح الكلمة دفاعا عن وطنه في مواجهة الاستعمار الأمريكي والصهيونية والرجعية والشعوبية، وظل وفيا لبلاده وثورتها وقيادتها. وقد زار موريتانيا بعد احتلال العراق وغنى في محافلها أعذب قصائده، فعرفه وأحبه وقدره حق قدره أدباء ومثقفو موريتانيا الذين زاده عندهم علوا كبيرا التزامه بقضايا أمته وكونه شاعر بلاط الرئيس الشهيد صدام حسين.

ومن روائع شعر عبد الرزاق عبد الواحد قصيدة "يا صبر أيوب" الشهيرة، ومطلعها:

قالوا وظل.. ولم تشعر به الإبل ** يمشي، وحاديه يحدو.. وهو يحتمل

وقصيدة:

كبير على بغداد أني أعافها ** وأني على أمني لديها أخافها

يتبع            

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 2 زوار  على الموقع