| الحرب على الفساد في موريتانيا.. ما لها وما عليها (ملف ح6) |
| الخميس, 29 سبتمبر 2016 07:46 |
|
عن الفساد
حتى نكون واقعيين أكثر في حكاية الفساد، لنضع الأمور في نصابها. إذا لم يكن للإدارة العمومية في موريتانيا من أجهزة الرقابة سوى المفتشية العامة للدولة فهذا فساد بحد ذاته، لأنه إفراغ للمفتشيات الداخلية في الوزارات من محتواها وإغفال لأدوار محكمة الحسابات والرقابة المالية، وحتى النيابة العامة والبرلمان والمجالس العليا للفتوى والمظالم و"الإسلامي". ثم إن المفتشية العامة للدولة نفسها تضم أطرا اكتتبوا أو عينوا أو انتدبوا من قبل السلطة التنفيذية بطرق تحتاج هي نفسها إلى تفتيش. الطريق إلى مكافحة الفساد يبدأ بدرء المفاسد أولا وأخيرا. فبالله كيف نعين آمرا بالصرف يحمل شهادة أو شهادات عليا ويتمتع بعقل راجح ونطلب منه تسيير المليارات مقابل راتب زهيد لا يغطي ثمن ربطات عنقه! أحرى بذلاته وحوائج عائلته الكبيرة والصغيرة. وللواقعية أيضا وقع على الأنفس والأرواح حين أقول إن صديقي يعمل مستشارا لوزير وله راتب لا يغطي تكاليف دراسة أطفاله وإيجار منزله! فكيف إذا طلبنا منه غدا أن يحمل نفس الراتب إلى مؤسسة عمومية؟ كلنا يعلم أن الأحوال تتغير، وأن الرواتب في بلادنا تزداد بشكل سلحفاتي احتفالي في وقت تستذئب فيه الأسعار والمسلكيات. لاشيء يزيد المجتمع هشاشة وفقرا أكثر من امتهان الطبقة المتوسطة وابتذالها وإفقارها.
وليتنا درأنا الفساد بعيدا عن التزمير والتبويق واستعنا بمبدإ إبعاد الموظف العمومي أيا كان من الحاجة وإبعاد الحاجة منه. ألم يكد الفقر أن يكون كفرا؟
نحن من يدفع الناس إلى مد أيديهم إلى ما ليس لهم. نجعلهم على خزائن الأرض فارغي الجيوب في حالة افتتان وقحة، ونحاسبهم على شيء متوقع. لقد أبعدنا القضاة وأساتذة الجامعة والأطباء وأطر القطاع الخاص ونواب البرلمان والحكومة عن الحاجة، لكن هيهات.. ما كل المناصب لدى هؤلاء. إذا خرجت عشرات آلاف الوحدات السكنية للنور وسيق الخبراء للنظر بواقعية في مدخلات الطبقة المتوسطة ومخرجاتها؛ وزيدت الرواتب طرديا ونفخ الروح في القطاع الخاص، واتخذت إجراءات مركبة لمشكل مركب نكون درأنا الفساد وخرجنا بحل مقاصدي مرض للجميع. أما إذا بقينا في المربع الأول ننزع الروح ممن نشاء ونولجها فيمن نشاء، من ساسة النظم السابقة أو اللاحقة؛ ونتغنى بشيء لم نلحنه أصلا ولم نكن آخذيه إلا رياء فإن علينا أن نسجن شعبا كاملا أو نحول أوراق المفتشية العامة للدولة إلى كرابيج. |
