مفهوم الوطن والتغني به وبأمجاده في الشعر الموريتاني (ح4/ 4) |
الأحد, 11 مارس 2012 15:07 |
ج: التغني بالوطن وأمجاده لدى الصعاليك والأمراء
كل شبر به سجدتُ زمانا ** وتلظيت فى صلاة الخلود ومن أبرز وجوه ذلك الجيل شاعر الجماهير الشيخ ولد ببانه (أبو شجة) وعروة الصعاليك ببها ولد بديوه. ومن معاصريهم عبد الله السالم ولد المعلى والبو ولد أوفى ومحمد ولد عبدي وسيدي ولد الأمجاد.
ويتجلى إبداع بعض الشعراء الصعاليك في استطاعتهم إسماع حدائهم الشجي البهي وتغنيهم بأمجاد وطنهم المقهور واستنهاضهم للهمم في وقت كانت الكلمة الحرة فيه جريمة تقود صاحبها إلى السجن وتمنحه صك الحرمان والإقصاء. وهذه نماذج من حداء الصعاليك: يقول ببها ولد بديوه مخاطبا الطغاة:
هذا هو الدم مظلوما ومنسفكا ** هاتوا الكؤوس وهذا اللحم والعرق! ويقول أيضا وهو يناجي الوطن المضام: إلام يهدك الأسف المبرح؟ أيها الوطن الذي تتقلب اللحظات.. فوق لهيب جمر جراحه الخرساء.. في الأغوار من لجج العناء! مغلفا بمحارة الماضي المُدَمَّى كيف تخرج من محارتك الكفيفة.. أيها الوطن المضام! .. إلخ. ويقول شاعر الجماهير الشيخ ولد ببانه أبو شجة
ألا أيها النخل المغرب بالضحى **جواهر آل ومضهن كليل ويقول أيضا: في طلول الهوى يمارسني المو ** ت وحيدا على ضفاف الرحيل حيـن ذكـراك لا تـزال نخيــــلا ** عشويـــــا ظلالـــه كالسيـــول
كم تهاديت في فؤادي خليجاً ** أريحياً من العذاب الجميل
وقد تميز عصر الصعاليك باقتحام المرأة الموريتانية ميدان الشعر. ففيه كان نبوغ الشاعرة باته بنت البراء وانطلاق مسيرتها الشعرية الجميلة، وصعود نجم فقيدة الشعر والثقافة والقيم الفاضلة الشاعرة خديجة بنت عبد الحي. وهذه نماذج من شعرهما:
تقول باته بنت البراء:
ضمي إليك حبيبًا هدّه الزمنُ ** حلّت به محنُ ما مثلها محنُ
كل الطعام بحلقي علقم نزق ** كل الشراب بحلقي آجن أسن
بنيت عمري جهلا خلف أشرعة ** في لجة الموج لم تثبت بها سفن
وتقول خديجة بنت عبد الحي: ... فبالأمس زارت جحافل زرق العيون من الغرب تمتص ماء الغصون تُناول سما بطعم الرحيق وحلوى بطعم الحريق فأغلقت كهفي علي ولذت بنوم عميق *** أطلت الهجود بليل الكهوف أناجي الضريح وأدعو المطر وأحرس سجادتي رغم كل الظروف *** عراجين نخل أبي ذاويه يحاصرها الرمل في ساحة الكهف فتحنو على واحة الذكريات وسجادة الأم ضاعت فأين تكون؟ *** ولكنني ضعت بين الدروب وبين الطلول وقاع السراب فيا زورقي أين منك الشراع؟ شراع يهز القلاع ويبني القلاع وتقول: طارت الخيمة خلف الزوبعه نضب الينبوع من عين السحاب وبقينا ننزح البئر الضنينه تترامى تحت أقدام الحصى قطرات من عيون الضارعين حمما نامت بشطآن الضريح مرقصا للجن في ليل الشتاء *** وسألت الرمل عن أطلال قومي قال: أيضا سافرتْ وسألت الهدهد الراحل عني فرّ مني هدهدي إذ قال إني لم أعد أسطيع ذبحه *** هبط الطائر من كف السحاب معلنا لي أن إكسير الجروح في يد الجني مبتور الذنب ودعاني للنزول بين أكوام الرماد نزل الطائر بي في ساحة الجن سبيه ودعاني سيدي للمائده سيدي يخبرني أن سوف يعطي سوف يعطي الأمر للغيث بأن ينزل في أرضي البعيده سوف يعطي الأمر للتفاح أن ينبت في صحراء قومي عند ما أعمل في القصر وصيفه.. وأما الأمراء، فإنهم وإن كان يصعب تحديد تاريخ ظهورهم بالضبط. خاصة أن جل دواوينهم المطبوعة التي ظهرت لحد الآن، لا يؤرخ لشعرهم؛ فإن برنامج "أمير الشعراء" الإماراتي الرائد هو الذي أعثر عليهم وأظهر طلعتهم البهية، فأماط بذلك الستار عن طيف جديد من الشعر الموريتاني الواعد بعد بياته الصيفي تحت زحف الرمال وتصحر الفساد والقهر.
وإذا كان أبو شجة – وهو من جيل الصعاليك – قد أصبح من أبرز أمراء وفرسان برنامج "أمير الشعراء" الذي تألق فيه ونال لقب "شاعر الجماهير"، فإن فتية من أمثال محمد ولد الطالب وسيدي محمد ولد بنب وادي ولد آدبه وجاكيتي سك وليلى بنت شيغالي وأضرابهم، هم ـ بلا منازع ـ جيل "أمراء الشعر" الصاعد الذي أسعفه الحظ مرتين: مرة لأن أسباب التكنولوجيا قدمته إلى كل بيت من بيوت العرب فقلدوا موريتانيا إمارة الشعر في طبعتيها الأولى والثانية. ولأن صعوده القوي قد تزامن مع انعتاق الوطن وانبلاج صباحه. فهذا الجيل رغم حداثة سنه، وقلة تجربة بعضه، وغلبة جانب الغرور على جانب الطموح والجد لدى بعض، وما يقف في وجه صعوده ورسوخه من عقبات أبرزها ما تعانيه الساحة الأدبية والثقافية من نسيان وإهمال وجفاف، هو أمل الشعر ومستقبله في موريتانيا، شريطة أن يجدّ، ويجدَ من يأخذ بيده ويحميه من الزيغ والسقوط. وها هي ذي نماذج من شعر بعض الأمراء: يقول محمد ولد الطالب: أيا أودغست الجميله.. أين الطريق إليك؟!
إلى من سنحدو الجمال غدا؟! إلى من؟! وأطفالنا.. القادمين مع الفجر ماذا سنروي لهم؟! ماذا سنروي لهم؟! وهل يستطيعون قراءة ما قد كتبنا على طنب الليل وفوق جدار الرياح هو البدء في المنتهى يغازل أحلامنا ويجمع مما تساقط دمع المدائن ريش قوادم كل جناح نعم لم تضع أودغست ولم ندر من قد أضاع جواهرها!! ومن باع أقراط.. تلك الأميرة للغرباء!! *** أيا أودغست.. الجميلة أيا الوطن.. ومنفى هو الوطن المقتفى نابتا في العراء جواز سفر ضريحا كبيرا.. تناثر فيه المساء *** هناك.. وراء الخيام.. وراء الوراء تهب رياح الجنوب.. على أودغست.. رخاء تداعب من شعرها.. خصلة وتنشر بين يديها.. بريد الصباح هناك.. وراء الوراء تغني الزنابق كل مساء لمن عبروا.. خوفهم لمن كتبوا صمتهم.. بالدماء ويقول أيضا: وعاد الغريب يفتش عن هدأة لدى سدرة الوطن عن أغاني الرعاة ونوق الشواطئ.. من قد رعاها وعن أهله من أداروا المواجد في شعرهم ومن حملوا أرضهم على كاهل الصلوات.. وصانوا حماها. ويقول الدي ولد آدبه:
رَكْبُ الشناقِطةِ الألى صنعُوا اسْمَنا ** أبْـنــاءُ هذا الرَّمْـل.. أهْلُ اللهِ ***
نَصَبُوا خِِيامَهُمُ تطُـولُ شوَامِخَ الــ ** ـعُمْـرَانِ.. مَجْـدًا في السمـا مُتَنَاهِِ ويقول عثمان بن عمر لي: تغربت في ذاتي فأنهكني السرى ** إليك وأنفاس الرمال هجير
كأني على كف الزمان فراشة ** يَلف رؤاها من خطاك غدير ***
أيا وطني أُتعِبت بالوجْد راحلا ** فأي كؤوس العاشقين أدير ***
مسافة ما بيني وبينك مُهجة ** تضمِّدها بالذكريات زهور
محمدٌ ولد إشدو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
|