العطاء ابن ابوه         

رحم الله شيخنا وشيخ مشايخنا العلامة الورع لمرابط الحاج.. 
إنا لله وإنا إليه راجعون.
أنا في غنى عن التعريف أو التذكير بعلم الشيخ وورعه، وقد طبقت شهرته الآفاق من قبل نشأتي تبارك الله؛ غير أني أود الإشارة الى مسألتين من علمه وعبادته تعدان من مناقبه وكراماته (فما لا يدرك كله لا يترك كله)إحداهما مشاهدة، والأخرى سماعا ممن كانوا أحق بها وأهلها:
-الأولى: ما سمعت من تلامذته الخلَّص من اشتغال الشيخ بالعلم مبكرا - درسا وتدريسا- فقد قضى الله أن توفي شيوخ في منطقته (منهم شيخاه العلامة أحمد فال "هدال" بن آدو الجكني والشيخ محمد بن أبات النزاري، وكذلك الشيخ صدف بن دي اليعقوبي رحمهم الله جميعا) فرجعت طلبة هذه المحاظر على لمرابط الحاج وهو شاب فاضطره الحال إلى تفرغ أكثر.

هذا بالإضافة لمحظرة والده السالك رحمه الله (وكان خريج محظرة العلامة لمرابط بن أحمد زيدان الجكني رحمه الله، وكان يحفظ "نصيحته" فيما يذكر؛ وهي شرح لمختصر خليل).
وكان الشيخ السالك رحمه الله ذا دعابة وكان يعاتبه أحيانا في شأن التفرغ للنسك وعدم الاكتراث بدنياه، ولعل إدراك سبب هذا الصيت المبكر للشيخ يساعد في تفسير الفجوة الحاصلة بين ما يعتقده أهله في شأن سنه وما هو شائع في غير محيطه بغض النظر عن العمر الحقيقي المتفق على مباركته؛
فالشيخ صرف في العلم والعبادة الأوقات التي يصرفها أمثاله - عادة- في اللعب في الصغر والطلب الدنيوي في الأشد، فصدق عليه قول الشاعر:

بلغت لعشر مضت من سنيـ ** ك ما يبلغ السيد الأشيب 
فهمّك فيها جـــسام الأمــور ** وَهَـــمُّ لــداتـك أن يلعبوا.

فطار صيته مبكرا.
-الثانية كرامة في عبادته؛ فقد تشرفتُ بأول زيارة له سنة 2003 وكان الوقت في شدة الصيف، فلم يثن ذاك همة الشيخ عن العبادة، وكان قد بلغ به الكبر مبلغا، فكان لا يستطيع القيام بنفسه في غير أوقات العبادة، فيحتاج - في إيقافه والذهاب به إلى المسجد- إلى اثنين على الأقل، من طوال الطلبة، فيوقفانه ويحرم ويأتي بالأركان والصلاة على أحسن حال، ثم يأتيان لنفس المهمة وهو في مكان جلوسه لا يستطيع القيام بنفسه!
وقد سقت هذه الحكاية مرة للوالد والداعي الى الله: بدادٍ رحمه الله فأثنى على الشيخ، وذكر لي أن مثل هذا يوجد كرامة ويُعهد لأولي الشأن ممن تعودوا على العبادة وشابوا فيها. وذكر قصة شيخ رحمه الله (أظنه من أبناء أهل محمد سالم) كان يخرج وحده من آخر الليل إلى المسجد، ولا يستطيع الرجوع ضحوة إلا بقائد!
رحم الله العلامة وبارك في خلفه الطيب.