| كورونا.. وأخلاقيات الغرب الرأسمالي، ظلمتم كورونا.. وأنتم الظالمون |
| الأحد, 12 أبريل 2020 07:31 |
|
د. باسم عثمان (كاتب وباحث)
السؤال هنا، هل الشعوب الإفريقية والآسيوية أصبحت "فئران تجارب" لمختبرات "الأخلاقية" الفرنسية والنيوليبرالية الغربية الجديدة؟!! هذا بحد ذاته ينعش السوس في خشبة ذاكرتنا القديمة, عن أخلاقيات الاستعمارية القديمة - الجديدة للفرنسيين وأمثالهم من النيوليبرالية الأمريكية والغربية على حد سواء، ونظرتهم الاستعلائية واللا أخلاقية واللا إنسانية اتجاه الشعوب الأخرى. واقع الحال يقول: إن سياسية كورونا لا تستقيم مع سياساتكم وأطماعكم الاستعمارية: كورونا.. لا يستعمر الناس ويصادر ثرواتهم ويستبيح سيادتهم فوق أرضهم! كورونا.. لا يحتوي "قاموسه الوبائي" على مصطلح "التمييز العنصري"! كورونا.. لا يسرق " الكمامات" من مطارات العالم مثل ترامب ومخابراته! ولا يسعى للاستحواذ على العلاج المرتقب كصفقة تجارية ربحية احتكارية!! كورونا.. لا يقصف الآمنين بالصواريخ العابرة للقارات! كورونا.. ليست من "سياسته المعهودة" حروب الحصار والعقوبات الاقتصادية وتجويع الشعوب!! ولا يتفنن في حياكة "أقذر" المؤامرات الدولية في أقبية مجلس الأمن ضد الشعوب وحريتها وسيادتها وينهب ثرواتها. كورونا.. لا ينتمي إلى دين أو معتقد أو أيديولوجيا، وأنتم "تسيسونه" وفق مصالحكم السياسية الداخلية والخارجية، في مواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية في أوروبا وجنوب شرق آسيا، لاحتوائها وتفتيتها ومن ثم الانقضاض عليها. كورونا.. قالها بصريح العبارة، إن الأرض ومواردها المستنزفة والمنهوبة، تحتاج إلى "استراحة" المحارب القديم، لتستجمع قواها وتعيد إنتاج دورة حياتها الطبيعية وتوازنها من جديد، في وجه كل الطامعين والمستغلين لسيرتها الأولى, فقد أرهبها الاستخدام الجائر لمواردها, ولوثت جوها غازات وعوادم المصانع العملاقة ونفاياتها. وقال أيضا: إن الجامعات والمعاهد الدولية ومختبراتها تحتاج إلى "قيلولة علمية" لتعود من جديد؛ وبروح مختلفة وقيمة علمية تحاكي الإنسانية روحاً وشعوراً، ولا تحاكي "الغريزة" والإرادة الاستعمارية "للترامبية الجديدة" بإنتاج أدوات القتل والتدمير والأوبئة الفتاكة في حروبها المستعرة ضد الإنسانية جمعاء. وفي السياق نفسه, أعلن كورونا بانه قد اَن الأوان لمجلس "الأمن الدولي" أن يغلق أبوابه وقاعته دون أصنامه المتحجرة، الذين ما انفكوا عن نسج المؤامرات والحروب والقتل، كسيناريوهات لأفلام "هوليودية" تحاكي خيالهم الاستعماري في شكله وأنموذجه الجديد، في الحصار والعقوبات الاقتصادية وتجويع الشعوب وإفقارها. ويرى أيضا أن المساجد والمعابد والكنائس عزمت على طرد روادها وزوارها لحين تعقيم قلوبهم وأرواحهم قبل أجسادهم؛ حيث أعلنت هذه المعابد "حالة حجر صحي وأخلاقي" على مكنونها القيمي والروحي، ورفعت شعار "بكفّي" الاتجار بالدين وقبلته وفتاوى نصوصه، فأغلقت أبوابها تمرداً على زيغ القلوب والأنفس، حتى ترتدي العقول قبل الأجساد من جديد ثوب الطهر والنقاء. والبحار والمحيطات, التي أقلقها هدير البوارج الحربية وأساطيل الموت العملاقة، ولوثتها سموم التجارب النووية ونفاياتها - التي غيرت من طبيعتها وصيرورتها وأعلنت الموت لسكانها- تحتاج إلى حالة من التوازن والاستجمام؛ فأطلقت رسالتها الأولى "تسونامي" الإنذار، ومن رحمتها بنا قررت أنها لن تكرر مأساته ثانية، فدعتنا إلى إعمال العقل والتدبر وحوار"القيمة للقيمة" للحفاظ على "قريتنا الصغيرة" من الهلاك والاندثار. وكورونا.. تعاطف مع العصافير والطيور المهاجرة، التي حلمت بأن تفتح أجنحتها على مَداها، وبحرية كاملة في سماء موطنها الأصلي؛ غير آبهة بالمعادن الطيارة وزحمة مرورها وسمومها، ولا بالصواريخ العابرة للقارات التي تخفي تحت أجنحتها الموت للاًمنين والدمار للحضارات القديمة والعريقة؛ لتعلن تحرير السماء من الغزو البشري وتماديه اللا أخلاقي لموطنها السيادي. والفقير ربما احتاج أيضا إلى الإحساس به وباًلامه، ليعزي حرمانه الطويل من متاع الأغنياء ورفاهيتهم، بنكهة المساواة والعدالة" الكورونية". إن "العقلانية العالمية" ولغة الحوار الواعي تتطلبان إعادة النظر في كل المنهج الاقتصادي العالمي، سياساته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتعامل مع البشرية انطلاقا من قيمتها الإنسانية، والتخلي عن الجشع والنهب الأناني للمجتمعات المتقدمة على حساب الفقيرة، وإسقاط "العولمة" وكل آثارها واستحقاقاتها التي حولت الإنسان إلى سلعة تبادلية في السوق العالمي القائم على سباق التسلح بكل أشكاله، والحصار والعقوبات الاقتصادية وسياسة التجويع، وأولوية توفير الضمان الاجتماعي والصحي والعيش الكريم. إن "العقلانية العالمية" ولغة الحوار تتطلبان، حراكا ثوريا عالميا لإصلاح النظام العالمي القائم، بما يضمن مصالح البشرية جمعاء، والحفاظ على ثروات الطبيعة ومخزوناتها، نظام عالمي (سياسي – اقتصادي) يقوم على التعاون والسلم العالميين، وحوار الثقافات وليس تصارعها؛ بما ينهي كل أشكال العنصرية والتمييز والتسلط السياسي والاقتصادي والثقافي.. كل آثار العولمة ونتائجها الكارثية على المجتمعات؛ وخصوصا التنموية منها والفقيرة. نحتاج أن نتعلم ونتدبر ونتعظ ونحترم الطبيعة وقوانينها، لندافع عن آخر معاركنا في تقديس إنسانيتنا، ونعيد ترسيخ القيم والأخلاق التي غادرتنا. أخيرا, شكرا كورونا.. لقد أعدت الناس إلى بيوتهم, ليكتشفوا معنى الأسرة وروابطها الاجتماعية الحميمية والأصيلة من جديد، بعد أن غيبتها "عولمة" الفكر والثقافة والاستهلاك. كورونا.. وباء سيكتشفون له دواء، أما أمراض البشرية فلا شفاء منها إلا في السماء. ظلمتم كورونا.. وأنتم الظالمون. (عن "رأي اليوم") |
