هامش على ذكريات ولد ابريد الليل
السبت, 21 نوفمبر 2020 08:44

 

محمد محفوظ ولد أحمد      

altالأستاذ محمد یحظیه ولد ابرید اللیل شخصیة مرموقة، غني عن التعریف؛ صاحب قلم سیال ومواقف مثیرة للجدل والحیرة، له مع كل نظام انقلابي زواج حب وطلاق قلى!

یعده البعض مفكرا ومنظرا سیاسیا، واشتھر بتزعمه لتیار حزب البعث العراقي في موریتانیا، ولكنه كثیرا ما یبتعد عن البعثیین، ابتعادا عمودیا من قبیل الارتفاع، أو الترفع، على الأقل عن مستوى القاعدة العریضة للتیار البعثي الموریتاني وأنصاره.

ولولد ابرید اللیل ككاتب سیاسي واسع الثقافة، میزة نادرة بین الفرانكفونیین الموریتانیین ھي التمسك بالقلم الفرنسي البارع والاتجاه العروبي الناصع.

قرأت من آخر ما كتب ولد ابرید اللیل الحلقات الخمس عن ذكریاته مع المرحوم المصطفى ولد بدر الدین. وقد ركز فیھا على علاقات وتجارب تصل حد التطابق والتماھي بین الرجلین، رغم الاختلاف المعروف بین اتجاھیھما الفكري والسیاسي، وبصورة أخص بین شخصیتیھما؛ لأن المرحوم بدر الدین معروف بالوضوح والصراحة وثبات المواقف...

وبالطبع تحدث ولد ابرید اللیل في مقالاته عن المصطفى براحة من یتحدث عن شخص لن یلقاه أحد قبل یوم القیامة! ولكنه كان حدیثا طیبا، فیه ما یلیق من الثناء والاحترام لشخص الراحل ومواقفه السیاسیة.

ولكن الكاتب - وھذا ھو ما یھمنا من حدیثه- أدرج تأبین صدیقه الكبیر في مواضیع سیاسیة وتاریخیة أشمل وأعمق، تناولت الأوضاع في موریتانیا منذ الاستقلال إلى یومنا ھذا، تناولا مباشرا یتقاسم فیه الكاتب وتیاره القومي مع الراحل وتیاره الیساري، دور البطولة والنصر، بانسجام قد یفاجئ بعض شھود عصرھما!

أعجبني جدا حدیث ولد ابرید اللیل عن التعلیم وتشخیصه لما یعانیه من فساد وانحطاط، وكذلك حدیثه عن الرق وقرار إلغائه إبان حكم ولد ھیداله، وثناؤه الحار على أعمال التطوع الواسعة والمفیدة في أیامه كذلك.

وبالطبع فإن للكاتب وحزبه والتیار الیساري، "الجامع" له مع بدر الدین، أفضالا وأدوارا یزكیھا ھو في كل تلك الأعمال والقرارات الإیجابیة!

غیر أن الجانب المعتم والمنطق المائل للكاتب، تركز على المبالغة في نقد المرحوم المختار ولد داداه، وسلق نظامه ووصفه - تصریحا وتلمیحا- بكل ما یتصوره المرء من البوائق والصواعق!

وفي ھذا المجال ركز الكاتب على حرب الصحراء، وتحدث عنھا بمنطق وموقف تحسده علیه جبھة بولیساریو أیام 1978، ویقصر عنه إعلامھا یومئذ!

ویبدو أنه لم یدر في خلده أبدا، وھو من رجال الدولة، أن الضباط والجنود الموریتانیین الذین سقطوا في تلك الحرب، دفاعا عن دولة لیسوا ـ في ذلك الوقت ـ مسؤولین عن حكمھا وسیاساتھا... كانوا مواطنین موریتانیین من كل فئات وطبقات الشعب.

لقد تحدث عن تلك الحرب بقسوة، وعن أبطالھا ومعاركھا باستھزاء وتشف غریبین، ولم تذرف عینه دمعة واحدة على ضحایاھا الموریتانیین من العسكریین والمدنیین! بل قلل من أھمیة الجیش الموریتاني یومھا، وصور كل أدواره في تلك الحرب، التي أدى فیھا واجبه كما ینبغي، بالھزائم والانھیار... وأقام في ذلك قیامة عظیمة تظھر أن الدولة الموریتانیة قد انتھت واختفت من الوجود، بینما الواقع أنھا ظلت ـ على علاتھا الكثیرة ـ صامدة؛ ما استطاع الغزاة احتلال شبر من أرضھا ولا حتى من الأرض التي یعتبرون أنھا تحتلھا عدوانا.

ولكن احتقاره للجیش الموریتاني، ما عتم أن أصبح إعجابا وتعظیما ووطنیة... حین أطاح بالنظام المدني في أول انقلاب عسكري 1978، الذي تولى الكاتب في حكومته حقیبة وزاریة مناسبة (وزارة الإعلام)!!

 تحدث الوزیر السابق بإعجاب عن ذلك الانقلاب الذي قام على سواعد، أو مدافع، الصف الثاني من ضباط الجیش الموریتاني الذین نالوا وظائفھم ورتبھم وبواكیر ثرائھم... من تلك الحرب حصریا؛ ولولاھا لما كان لھم دور كبیر على الأرجح!

وطبعا لم یلاحظ أن معظم كبار قدماء الجیش الموریتاني ومؤسسیه قد رفضوا المشاركة في ذلك الانقلاب، الذي اعتبره الیسار خاصة، فتحا مبینا وثمرة لكفاحه (ویتبین حتى الیوم أنه كان بئس الحصاد!).

نذكر من أولئك الضباط الكبار، فیاه، وكادیر، وبوسیف... وقد اضطر الانقلابیون لإسناد وظائف سامیة لھم في حكوماتھم الأولى، قبل أن یشتد الصراع بینھم على السلطة، وتقبر محاولة ولد بوسیف إعادة الأمور إلى نصابھا، ثم تنبعث من ذكراه محاولة 16 مارس 1981 التي أدت لإعدام عدد من أبطال الجیش الموریتاني المشھود لھم بالشجاعة والكفاءة والوطنیة.

أخیرا على ھامش الھامش: ختم الأستاذ الكبیر ولد ابرید اللیل مقاله المسلسل بھذه الخاتمة:

"لیس بالإمكان قول شيء ذي معنى، في ھذه المناسبة، سوى مضمون ما قاله شاعر عربي قدیم: إن وفاة ھذا الرجل، لیست موت شخص، وإنما ھي عبارة عن ھلاك قوم."

 فتساءلت أنا: لما ذا لم یورد بیت الشاعر عبدة بن الطبیب یرثي قیس بن عاصم المنقري، في المرحوم بدر الدین (حتى لو كان كتب أصلا بالأعجمیة) فھذا مقام ذلك البیت المشھور، بنصه الجمیل غیر المشوه بنعوت مولییر الغریبة المستغربة:

فما كان قیس ھلكه ھلك واحد ** ولكنه بنيان قوم تھدَّما.

؟؟!! 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 8 زوار  على الموقع