| مارون عبود.. العروبي المستنير (4/4) |
| السبت, 19 مارس 2016 08:14 |
|
أسعد: بشارة الخوري ذهب من بيروت إلى القاهرة ليلقي قصيدة في رثاء أحمد شوقي. نحن المتلقين العاديين أعجبنا بها، بما فيها من التفاتات رائعة! مثلا: يبدؤها بالقول: قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره فسدرة المنتهى أدنى منابره! عندما عاد من القاهرة كتب مارون عبود "إن بشارة يفصل من كيس غيره فيطلق ويتبحبح.." وسدرة المنتهى حضرتك أدرى أنها أعلى شجرة في الجنة؛ فإذا كانت أعلى شجرة في الجنة أدنى منابر شوقي هل هذا يعقل؟! ويثني بالقول: والحور قصت شعورا من غدائرها وأرسلتها بديلا من ستائره! هذه المبالغات كان مارون عبود يحاول أن يبتعد بشارة عنها إلى حقيقة الشعر. غسان: ولكنه أيضا انتقد أحمد شوقى! أسعد: أحمد شوقي أيضا.. أريد تناول قصيدة لبشارة حتى لا نكون ظالمين. في القصيدة التي قالها في رثاء سعد زغلول كان أيضا يخوض مباراة مع غيره من الشعراء أيهم يفوق في المغالاة. يقول بشارة: قالوا: دهت مصر دهياء فقلت لهم: هل غيض النيل أم هل زلزل الهرم؟ قالوا: أشــــــد وأدهى! قلت: ويحكمُ إذن لقد مات سعد وانطوى العلم! هذه أيضا من المبالغات التي لا يستطيع العقل تصديقها. غسان: أنت تعلم أن في أغلبية الشعر العربي المبالغات، ابتداء من امرئ القيس في وصفه للحصان: مكر.. أسعد: أنا معك، ولكن ينبغي أن نفرق بين مغالاة ممكنة الحصول ومغالاة مستحيلة الحصول. غسان: ورأيه في أحمد شوقي؟ أسعد: كان يطلق عليه صفة "الشاعر المجنون" لأنه قبل الألقاب التي أعطيت له. أُمِّر على الشعر وصدق أنه أمير فصار يتصرف كما تتصرف الأمراء.. غسان (مقاطعا): سيدي ضاق بي الوقت. ما رأيه في الشعراء الشباب؟ وتحديدا نزار؟ معي أقل من دقيقتين. أسعد: آه لا أستطيع أن أوفيه حقه! أحتضن الشعراء الشباب لأنه حقق فيهم وظيفة النقد الثانية؛ وهي توجيه الحركة الأدبية وحمايتها من الالتواء، فاحتضن شعرهم، وأحسن ما يمكن أن ينقل لنا دور مارون عبود في رعاية نزار قباني ونازك الملائكة وخليل حاوي وبدر شاكر السياب.. وغيرهم، رسالة وجهها نزار قباني ردا على نقد تناول به مارون عبود ديوانه "قصائد". أتمنى على كل محب للعربية أن يقرأ هذه الرسالة. أقتطف منها سطرين: أستاذنا الكبير؛ كل الناس الذين يكونون في عصر واحد مع عباقرة أعطوا الإنسانية من ثمار عبقريتهم، وما تزال تشرب منه فتسكر، كبتهوفن ولست.. وسواه، يعتقدون أنفسهم محظوظين، ونحن عندما تأتي الأجيال غدا وتسألنا: مَن الكبيرُ الذي كان يزن الريش الطالع في أجنحتكم؟ سنقول لهم بكل اعتزاز: كتبنا الشعر في عصر مارون عبود! غسان: كنت أتمنى أن أسألك عن موقفه من جبران، ما رد فيه على خليل تقي الدين، عن علاقاته بالكنيسة، وقد كانوا يقولون إن تلك العلاقة ملتبسة. لكن في كلمة هل كان ضد الكنيسة أم ضد رجال الدين؟ أسعد: مارون عبود؟ غسان: نعم. أسعد: ينبغي أن نفرق بين الإكليروس وبين الكنيسة. غسان: كان ضد الإكليروس؟ أسعد: كان ضدهم وليس ضد جميعهم. الإكليروس في المسيحية يُكَوِّنون طبقة تتعاضد وتتعاون مع الطبقة الحاكمة في غالب الأحيان. غسان: وهذا رأيك أيضا. أسعد: هذا رأيي. غسان: أنا أشكرك. أعزائي؛ في عام 1905 كتب مارون عبود في جريدة "المنار" البيروتية تحت عنوان "يسوؤني": يسوؤني من يدعي الشرف ويحتال كأن أموال الناس محلة له. يسوؤني من يسمون أبناءهم أسماء إفرنجية زاعمين أن ذلك ضرب من التمدن. كم أمورا كانت ستسوء عبود لو كان في عصرنا؟! شكرا للدكتور أسعد سكاف على حضوره معنا في "أجراس المشرق" وعلى سعة اطلاعه على أدب مارون عبود. شكرا للزميل والصديق جان داي على ما قدمه لي من وثائق من أرشيفه. شكرا للزملاء في البرنامج، الذين يقرعون معي هذه الأجراس، وللزملاء في "الميادين" بشكل عام. شكرا لكم على لطف متابعتكم، وسلام عليكم، وسلام لكم. |
