معن بشور
في الذكرى 99 لميلاده، وبعد 47 عاما من رحيله، يجب أن يسأل كل واحد منا: "ما الذي يبقي جمال عبد الناصر حاضرا بهذه القوة في حياة العديد من المصريين والعرب وأحرار العالم؛ بل ما الذي يجعل مصريين كثرا يترحمون على من كان نصيرا للغلابى بينهم ورمزا للكرامة والعزة والسيادة الوطنية، وما الذي يجعل عربا كثرا ممن يعيشون المحن القاسية في بلادهم يعتقدون أنهم سيكونون في مأمن لو كان ناصر موجودا، وما الذي يجعل من قادة كبار في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يرون في ناصر نموذجا، وفي أفكاره مدرسة، وفي تجربته قدوة يقتدون بها".
إنه باختصار انسجام الفكر والممارسة في سلوك الرجل الذي عاش قناعاته الوطنية والقومية والتحررية كما عاش إيمانه الروحي العميق والتزامه الخلقي الرائع.
حين رحل جمال، في 28 أيلول/ سبتمبر 1970 كتبنا (المفكر الراحل منح الصلح وأنا) مقالا بعنوان "الفراغ الكبير" أثار لغطا في بعض الأوساط التي كانت تعتقد أنها ستملأ الفراغ الذي خلفه جمال عبد الناصر وراءه، فإذا بالوقت يمر ليكتشف المصريون والعرب والعالم حجم الفراغ الذي تركه الرجل الكبير؛ والذي روى صحفي فرنسي فوجئ بقبائلي جزائري أيام الثورة الجزائرية يحمل جهاز ترانزستور في أعالي الجبال ويستمع إلى خطاب يلقيه عبد الناصر.
سأل الصحفي: "هل تعرف العربية؟" أجابه الجزائري: "لا، لقد حرمنا الاستعمار من تعلم لغتنا العربية، لغة القرآن الكريم". استغرب الصحفي وسأل: "ولكنك تستمع إلى خطاب بالعربية، فكيف تفهمه؟" أجابه الجزائري بعزم يجيده شعب المليون ونصف المليون شهيد: "إنني أسمعه بقلبي وأفهمه بقلبي أيضا".
ومنذ رحيله عرفت أن جمال عبد الناصر قد سكن القلوب والعقول معا.
رحمه الله وألهمنا السير على نهجه الوحدوي التحرري التقدمي الإنساني الجامع.