رحلـة الشتــاء (ح 1) |
الأربعاء, 22 أغسطس 2012 15:44 |
في إطار أدب السجون ننشر تباعا هذه المذكرات التي كتبت في محنة مخطوفي بو امديد 1998-1999. ونبدأ بالمقدمة.. تمهيد
عندما غادر الرئاسة، حيث عمل، نحو سنة، ملحقا صحفيا لا يقوم بدور يذكر في ظل الطاقم الفرنسي المسيطر، كان عمر الدولة الموريتانية أقل من ثلاث سنوات. كان خطؤه المشاركة، بصورة عفوية، في نشاط وطني تقف وراءه عصبة من الطلاب، قدمت من فرنسا، وبعض الشخصيات السياسية، هدفه التعريب، ومناهضة مطالب تبناها أطر، ترمي، من جملة ما رمت إليه، إلى إضافة "مواد جديدة" إلى الدستور، تتعلق بشكل الدولة ولون العلم. ومن ذلك اليوم، إلى هذا اليوم، وقف، بثبات ووعي، في القطب الموازي للسلطة. قطب يتسع ويضيق ويقوى ويضعف، حسب موازين القوى، وتعرج مسار التاريخ البشري في وطننا وفي العالم. سمة مشتركة طبعت مختلف الأحكام التي تداولت البلد، ألا وهي اضطهاده: خمس عشرة سنة من عهد الرئيس المختار ولد داداه، كل حكم العقيد محمد خونا ولد هيداله،.. و"الآن.. هنا.." والله المستعان! التحويل التعسفي، المنع من العطلة السنوية، التعليق من العمل، الطرد من الوظيفة، ثم السجن والنفي... أسلحة جربتها جميع الأحكام في مواجهته! وأصرت كافة، إمعانا منها في قهره، على أن يتم "عقابه" ـ وهو ابن القبلة ـ في المناطق الشرقية الحارة النائية المعزولة: انبيكه، بو امديد، تجگجه، كيفه، تجگجه مرة أخرى، كيهيدي، النعمة، تيشيت، باسكنو (تلمسي)! ثم النعمة أيضا.. أولم تحمل قصائد مثل تلمسي، أميرة الفن، أسير أغمات وفي ذمة الحق عبقا من تلك المحن؟ بلى.. وها هو، في إحدى "عرائس البحر" (نواذيبو) يناغي نسمات جنوب لامست كبده الحرّى بعدما اكتوى بسموم صيف قائظ في منفى شرقي ناء:
هبي كحضن الحبيـب ** هبي برغم الخطـوب
ما للسمـوم وما لي؟ ** قد آذنت بشحوبي
إني من الگبله نضـو ** علق سليل نجيب
وفي أثر آخر، يخاطب نديمه: ألا فاترعي كأسي شتـاء فإنـني على موعد في كل صيف مع الشرق!
.. في هذه المحنة، عاجله الموعد! لم ينتظر قدوم الصيف، كالمعتاد، بل دهم شتاء! .. فكانت رحلة الشتاء.
بو امديد، يناير 1999
|