محطات مضيئة في حياة كمال جنبلاط
الأحد, 20 مارس 2016 08:02

 

المحامي عمر زين

altكمال جنبلاط، الذي احتمل وتحمّل مبكرا مقاليد الزعامة والقيادة في عائلته وفي طائفته الدرزية التوحيدية الإسلامية في عمق الجبل اللبناني ومنارته "المختارة" والذي ما كاد يُتمّ الخامسة والعشرين من عمره حتى انتخب نائبا في المجلس النيابي اللبناني بعد الاستقلال مباشرة سنة 1943، والذي اكتشف من هذا الموقع مبكرا مدى شراسة النظام السياسي الطائفي اللبناني وأيقن مدى استحالة إمكانية إصلاحه أو تطويره - في المدى المنظور- إلى نظام سياسي عصري مرتكزه الأساس المواطن/ الفرد بعكس ما هو عليه النظام الطائفي، نظام قطعان القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب، فكان تأسيسه لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" 1949 بقيادة طليعية بعناصرها العابرة للطوائف والمذاهب وبميثاق أعمدته: المواطنة، والعلمنة، وفصل الدين عن الدولة، والمجتمع المدني الديمقراطي.

وكمال جنبلاط، الذي انفعل بكارثة فلسطين وقيام إسرائيل كيانا صهيونيا عنصريا فوق ترابها في 15 /5/ 1948 بعد اقتلاع شعبها العربي الفلسطيني ورميه في الشتات على امتداد القارات الخمس، والذي تفاعل مع ثورة الضباط الأحرار في الجيش المصري بمبادئها الستة، التي أكدت منذ لحظتها الأولى أنها حركة ثورية أصيلة (وليست أبدا عملا انقلابيا) غيّرت وجه مصر والعرب، واحتلت مكانها في محافل ومحاور السياسة الدولية بالحياد الإيجابي وعدم الانحياز، واستولدت مع دول "مؤتمر باندونغ" سنة 1955 حركة التحرر الوطني العالمية التي غطت بثوراتها وانتفاضاتها الشعبية قارات آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية وفي طليعتها ثورات فيتنام والجزائر وكوبا.

اكتشف كمال جنبلاط بكل ذلك العروبة أو الحركة القومية العربية الداعية لوجود الأمة العربية المتميّز والمستقل، والعاملة على تجسيد هذا الوجود في مؤسسات توحيدية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وانخرط لبنانيا في حركتها فكان أبرز القادة اللبنانيين الذين هبوا في صيف 1958 بوجه النظام اللبناني ورئيسه كميل شمعون الذي انحاز إلى المحور المعادي للحركة القومية العربية وجمهوريتها الوحدوية الأولى (الجمهورية العربية المتحدة) وقائدها جمال عبد الناصر، أي المعسكر المتمثل بـ"حلف بغداد".

وكمال جنبلاط، الفيلسوف والمعلم والمؤمن بالسلم، صعب عليه أن يلجأ إلى العنف الثوري بوجه العنف الرجعي، وهو القائل: "مجرم ذلك الذي دفعني إلى حمل السلاح، أنا الذي أومن بغاندي". وعند هذه الزعامة المتجددة بدمها الوطني اللبناني والقومي العربي أقدم على تعديل نوعي في دستور الحزب وفي ميثاقه، وصار بذلك "الحزب التقدمي الاشتراكي" بثالوثه (عروبة، حرية، اشتراكية) رافدا من روافد الحرية الوطنية اللبنانية من جهة، ورافدا من روافد الحركة القومية العربية على مستوى ساحة النضال القومي العربي من جهة أخرى. فترأس في لبنان جبهة الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والتقدمية اللبنانية على مدار الستينيات من القرن المنصرم، التي بتحركاتها الجماهيرية حققت إنجازات في العديد من القضايا الاجتماعية، لا سيما منها قانون الضمان الاجتماعي وتقنين الصرف التعسفي في قانون العمل، وتفعيل عمل الحركة النقابية اللبنانية، وتعزيز وحدتها في إطار الاتحاد العمالي العام في لبنان.

altوكمال جنبلاط، الذي زادت سنوات النضال اللاحقة لعقد الستينيات من تجذّره في ميادين النضال العربي واللبناني اكتشف أيضا أن قضية فلسطين هي أمُّ القضايا القومية العربية وهي محورها، فقضايا الوحدة والتحرر والحرية والديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية والدولة المدنية العلمانية وفصل الدين عن الدولة (على المستوى القطري العربي أو على المستوى القومي العربي) منفردة ومجتمعة، كلها مهددة دائما وممنوعة من التحقق في كل مكان وزمان عربيين، طالما أن فلسطين أسيرة الحركة الصهيونية وفي قبضتها. هذا إلى جانب تحالفها العضوي بهذا الاتجاه مع الاستعمار على اختلاف مراحله ومع الرجعية العربية. ولهذا انحياز كمال جنبلاط مبكرا إلى جانب المقاومة الفلسطينية وثورتها المسلحة التي انطلقت في 01 /01/ 1965 بقيادة "حركة التحرير الوطني الفلسطيني" (فتح).

وكمال جنبلاط، هزّته كارثة 05 /6/ 1967، كما هزّته جماهير 9 و10 /6/ 1967 في مصر معلنة رفض الهزيمة ورفض استقالة عبد الناصر. وعندما ضرب القدر ضربته بالموعد المحدّد في 28 أيلول 1970 ورحل عبد الناصر، كان كمال جنبلاط كمن تلقّى شخصيا ضربة القدر هذه.

وفي السادس عشر من آذار 1977، كان رحيل كمال جنبلاط. سقط برصاص قوى الغدر والخيانة، وبعد سنوات سبع من رحيل عبد الناصر الذي كان قد توجّه إليه بالقول: "لقد حلا الموت من بعدك"!

واليوم، في الذكرى التاسعة والثلاثين لرحيل كمال جنبلاط، ونحن في لحظة من أقسى وأمرّ اللحظات التاريخية التي يمر بها لبنان وبلاد العرب، نستعيد كمال جنبلاط بهذه المحطات النوارة التي ملأت حياته، والتي كان فيها متسع لهذا القول المأثور: "الحق بيّن والباطل بيّن، وما عليك إلا أن تختار الطريق" ولقد اختار طريقه ومشى.

 

جريدة السفير

16 /3/ 2016

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع