الدولة الموريتانية واحتضان الرموز
الثلاثاء, 18 أبريل 2017 08:05

 

فاطمة (النجاح) بنت محمد بن محمذن فال  

altانهارت العلاقة الحميمة- التي يفترض أن تكون بين أي دولة مع رموزها- بعد انقلاب العاشر من يوليو 1978حيث تم اختزال المكاسب المنجزة في أشخاص بعينهم (الرئيس المختار ولد داداه خاصة) إلا أن اللعان بين سلطات العاشر يوليو ورموز الدولة لم يصل إلى حد النسف مثل النشيد العلم اسم العملة.

وحيث إن التأسيس لفكر جديد يدعم بناء ذاكرة جمعية من شأنها أن تنتج نسيجا فكريا مشتركا إليه يتم الرجوع لاستلهام مواقف وبنى أساسية فإن الحديث عن المقاومة ورموز الاستقلال يعد أساسيا ونحن في خضم الجمهورية الثالثة بعد انقلاب الثالث من أغشت، حيث محاولة خلق فكر جمعوي موريتاني.

إلا أن هذه المحاولات عرضة لنفس الأخطاء التي وقعت فيها سلطات الاستقلال التي تجاهلت في تدوينها للمناهج التربوية المقاومة الأولى؛ وهي المقاومة التي كانت ردة فعل على مشروع Fedherbفي القرن التاسع عشر، والتي شكلت إمارتا الترارزة ولبراكنة مسرحا لها؛ متجاوزة تلك المقاومة إلى المقاومة الثانية في القرن العشرين، والتي كانت ردة فعل على مشروع كبولاني.

واضح أن سلطات الاستقلال تجاهلت المقاومة الأولي لأسباب سياسية، حيث كانت في خصام سياسي مع الأمير محمد فال ولد عمير الذي كان أحد قادة النهضة، وبما أن أجداده كانوا من أهم قادة تلك المرحلة (أعمر ولد المختار، محمد لحبيب) فقد كان استحضار هذا الجانب من تاريخ المقاومة يصب في مصلحة محمد فال الذي كان بايع العرش المغربي.

ثم إن إمارتي الترارزة ولبراكنة اللتين قادتا الكفاح ضد مشروع فيدرب وغيره كانتا على علاقة خاصة بالمغرب الذي بعونه وسع الأمير اعلي شنظورة نفوذ إمارة الترارزة، كما توجد علاقة قوية بين المغرب وإمارة لبراكنة، من أبرزها زواج السلطان مولاي إسماعيل باخناثة بنت بكار والدة الأمير مولاي عبد الله بن مولاي إسماعيل.

ورغم ذلك فقد تصالحت مع المقاومة الثانية، حيث استلهمت يوم 28من نوفمبر من وقائع المقاومة؛ فهو يوم عملية لگويشيشي قرب انواكشوط، وانتيد قرب أطار. كما اختارت النشيد الوطني من كلمات باب ولد الشيخ سيديا الذي هو حفيد الشيخ سيديا أبرز مؤسسي المقاومة في القرن التاسع عشر؛ حيث كان من قادة معركة الركبة (ألاگ حاليا) ضد الفرنسيين سنة 1856وبعد إجلائه من قبل الفرنسيين نظم مؤتمر تندوجة 1858بحضور معظم الأمراء الموريتانيين.

وهذه هي الالتفاتة الوحيدة للمقاومة في القرن التاسع عشر؛ علما بأن غيابها من مدونتنا التاريخية جعل البعض يتعرفون على مؤلف النشيد من زاوية كونه من دعاة المهادنة مع الفرنسيين، في حين لا علم لهم بأن جده كان من أبرز قادة المقاومة ضد مشروع فيدرب (Fedherb).

وإذا كنا في الجمهورية الثالثة بعد الثالث من أغشت نشهد تقدما في اتجاه صلح سياسي بين أجهزة الدولة ورموزها؛ خاصة فيما يتعلق برموز المقاومة والاستقلال فإن هذا يدعونا إلى القول بأن استحضار هذا الجانب من تاريخ المقاومة يجب أن يكون على رأس الأولويات، كما أن كتابة التاريخ الموريتاني يجب أن لا تكون مهمة هواة فقط. في حين نجد إقصاء للأكاديميين الذين أخرجوا هذا التاريخ من الظلمات إلى النور (ولد السعد، عبد الودود، الناني ولد الحسين، ولد أميين، إزيد بيه، محمد سعيد، سعد بوه كمرا.. وغيرهم).

وفي إطار هذا التصالح بين الدولة ورموزها نذكر بأن النشيد يشكل موضوعه محل إجماع عقدي، مع أن آخره يتعرض لجدل قد تضيق صدور الأطفال والعامة عن استيعابه ولذلك لست ضد حذف جزئه الأخير.

أما العلم فله رمزيته، لأنه ارتبط بأشعار مؤسسي هذا البلد؛ فقد وصفه العلامة العبقري المختار ولد حامدٌ (أبرز أعضاء اللجنة التي اختارت النشيد والعلم) بمقطوعة بديعة أدعو إلى تدريسها تثمينا لرمزية قائلها:

 

خضراء تحوي هلالا
ترى عليها وقـــــارا
تقول للعدل: إي إي
ولا ترى الفـضل إلا
ولا ترى في سـواه
تحنو على الشعب أُمًّا
وللـــــــــتآلف تدعو
تختار بين الضميريـ
 وفي الضـمائر تأبَّى
تسالم القــــــوم كلا
فلا يباعَد قـــــــــطر
وفـــــوق ذلك نرجو
ولا يــــــــزال سناه
يزداد يوما فيــــوما

 

وكـــــــــوكبا يتلالا
وهيبة وجــــــــلالا
تقول للجــور: لا لا
تقوى الإلـــه تعالى
لأي خير مـــــــثالا
 حينا وتعطف خالا
أطفالها والرجــــالا
ـن كيف كان اتصالا
تدابرا وانفـــــصالا
يمينها والشـــــمالا
في شرعهابل يوالى
والبـــدر يبدو هلالا
وضوؤه يتـــــــعالى
حتى ينال كـــــمالا.

 

كما وصفه الشاعر محمدي ولد أحمد فال مخلدا من خلاله ذكري الاستقلال بقوله:

فعد لي رعاك الله لا زلت عائدا

 

على راية خضراء تحميك حرة.

 

كما يقول الشيباني ولد محمد أحمد؛ وهو من مؤسسي الدولة:

ثقي بالنصر راية موريتاني

 

ولا تخشي فإنك في أمان.

 

ويقول في مقام آخر:

رفعت لدي الحرمين راية مجدها

 

تسمو هنالك في الحجاز وتعتلي

 

وإذا كانت الأمم الراقية تقاس بمدى إنفاقها على العِلْم لا بلون أعلامها فإن رمزية العلم أيضا لها معياريتها، لأن الخصام حوله ظاهرة صحية بدأ جني ثمارها الآن؛ فلأول مرة تذكر الموريتانيون أن لهم علما ونشيدا، لكن المهم الآن هو الدفع باتجاه قيمة العلم والنشيد الوطني وكل رموز الدولة؛ بحيث تدرس الأشعار المخلدة لها في المدارس وتدون بشكل لائق. ولا يمكن لهذه الرموز أن تكون ذات قيمة عند المواطنين دون دفع عجلة التنمية بحيث يصبح المواطن يمتلك الشعور بالرضي عن أداء الدولة لرسالتها.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع