العدالة والسيادة في قضية خاشقجي
الجمعة, 02 نوفمبر 2018 07:31

 

منذ مطلع الشهر الماضي قام العالم ولم يقعد، حيث استحوذت حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي

(رحمه الله) على الاهتمام، وتصدرت الأخبار والتحليل والتعليقات دون منازع حتى الآن.

وقد تباينت الآراء والمواقف من هذه الحادثة إلى حد التناقض الصارخ؛ 

 وهو ما نرجو أن نعرض نماذج منه في هذا الملف بإذن الله.

نايف معلا     

altكانوا يتباكون على جمال خاشقجي رحمه الله، وينشرون المراثي شعراً ونثراً، وينوحون نواحاً تظن معه أنهم أحزن الناس على فراقه، ولكن ما إن أعلن النائب العام السعودي نتائج التحقيقات الأولية التي أظهرت اتهام 18 سعودياً بقتله وفق الوصف الذي تضمنه البيان، حتى تحول بكاؤهم إلى قهقهات، وحزنهم إلى فرح، ومآتمهم التي أقاموها في كل مكان إلى أعراس!

لماذا؟ لأن جمال خاشقجي عندهم ليس إلا ذريعةً يتذرعون بها للنيل من السعودية التي يسعون سعي الوحوش لتقويض أمنها واستقرارها، وتأليب الرأي العالمي عليها، ويصدون تقدمها المتسارع نحو التنمية المستدامة.

لماذا أخرى؟ لأنها باختصار كشفت زيف شعاراتهم، وأفشلت مخططاتهم، وقهرت إرهابهم، وهددت مصالحهم ونحو ذلك من الاعتبارات الآيديولوجية والسياسية وغيرها.

عندما نتحدث بلغة القانون التي يجهلها - أو يتجاهلها- أولئك رغم أنهم أكثر الناس ترديداً لمصطلحاتها ومفرداتها، بشأن هذه الواقعة، فالمتعين أولاً: تجريم مثل هذه الأعمال والتواطؤ والمشاركة فيها.

ثانياً: أن تكون هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات تتناسب مع خطورتها.

وأخيراً: إقامة الولاية القضائية وفق مبدأ الشخصية باعتبار أن المتهمين والمجني عليه مواطنون سعوديون. وهذا ما طبقته السعودية حرفياً! إذْ إن قانونها الوطني يجرّم مثل هذه الأعمال (أحكام الشريعة الإسلامية ذات الصلة، والمرسوم الملكي 43 لعام 1958 وغير ذلك من الأسس القانونية) وقد تم توقيف المتهمين والتحقيق معهم، ونشر نتائج التحقيق أولاً بأول بكل شفافية، وسيتم إنزال العقوبات التي تتناسب مع خطورة الجرم الذي ارتكبوه عليهم عند إدانتهم وفق محاكمة عادلة، فلا مجال للمزايدة على العدالة!
أما عن طلب تسليم المتهمين إلى الجانب التركي فهذا يعود للسعودية؛ إذ إن لها كامل الحق في استمرار إقامة ولايتها القضائية، أو التنازل عنها.

واتجاه البعض إلى المطالبة بتسليم المتهمين بلغة المُحق، ورهن تحقيق العدالة بذلك، مسألة لا تجد لها سنداً في القانون الدولي؛ فضلاً عن أن التمادي فيها قد يفهم منه تشكيك في نزاهة واستقلالية القضاء السعودي، وهنا ندخل في حيّز السيادة باعتبار أن الأقضية الوطنية من الشؤون التي هي من صميم السلطان الداخلي للدول؛ والتي حظر ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 بشكل صريح التدخل فيها.
ومن المستقر قانوناً وعملاً أن المطالبة بالتسليم في القضايا الجنائية ذات البعد الدولي، تتم عندما لا تتصدى الدولة المطلوب منها التسليم للقضية، أو عندما لا يجرم قانونها الوطني تلك الأعمال التي ارتكبها المراد تسليمه، إضافة إلى حالات أخرى لا مجال لذكرها في هذا السياق.

أما إذا تصدت الدولة المطلوب منها التسليم للقضية وفقاً لقانونها الوطني، وشرعت في اتخاذ الإجراءات القضائية فلا مسوّغ قانونياً للمطالبة بالتسليم، وتكون المطالبة بالتسليم في هذه الحالة غالباً خروجاً من حيّز القانون إلى حيّز التسييس؛ وهذا ما حدث في قضية خاشقجي بالفعل! الجميع "يتكلم" عن بشاعة جريمة قتل خاشقجي، ولكن - مع الأسف- قلَّ أن تجد أحداً "يتألم" من بشاعة تسييس قضيته!
خلاصة القول، إن "العدالة" أخذت مجراها في هذه القضية، وأي تدخل فيها من قبل أي دولة هو مساس "بالسيادة".

(عن صحيفة "الحياة")

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 2 زوار  على الموقع