يحيى بيان
شهوة الانتقام والغدر شهوة حيوانية تصحب المنحطين من حيوانات البشر والكلاب السائبة، وحدها النفوس الصغيرة تجهش بالأذى لأنها لا تقدر إلا عليه.
أما الشرفاء والأماجد فالشهامة ديدنهم متفوقون في الصفح والكرم فعاشوا أمراء بالصفح والعطاء.. قال الشاعر أبو العميثل يمدح عبد الله بن طاهر، ويوصي مصعب بن عبد الله بن طاهر أن يسير على منوال أبيه:
يا مَنْ يحاول أن تكونَ خـــــــلالُه ** كخلالِ عـــــــــبد الله أنصتْ واسمعِ
فلأقصدنك بالنصـــــــــيحة والذي ** حجَّ الحجـــــــيجُ إليه فاقْبل أوْ دَعِ
إن كنت تطمع أن تحلَّ محـــــــلَّه ** في المجد والشـــرف الأشم الأرفعِ
فاصْدُقْ وعفَّ وبرَّ وارفقْ واتَّئدْ ** واحْلُمْ ودارِ وكافِ واصبرْ واشْجُع
والطفْ ولِنْ وتأنَّ وانصُرْ واحتملْ ** واحْزِمْ وجدَّ وحامِ واحمل وادفعِ
هذا الطريق إلى المكارم مهـــيعاً ** فاســلك فقد أبصرتَ قصدَ المهيعِ.
قال علي بن عبد الرحمن بن هذيل: لقد جمعت هذه الأبيات خلال المكارم، وموجبات السؤدد، وتفاريق المروءة.
والشيء الذي يعجبني أنه ما زال من بيننا من هو جريء جدا وواثق من نفسه بأعلى درجة. إنه من الجيل الطيب الذي يرى أن القامات لا تنحني أبدا، فبها رسموا دروب الخير منهجا.. فخلد التاريخ بهم ما توارثته الأجيال من مجد تليد وفخر منيف منير، تمثل في عظيم الصنائع ليشهد لهم الجميع بالكمال.
همه الأوحد تحسين وتلميع الوجه المشرق لذلك الكيان والحفاظ على عزته وقوته وشموخه.
إن الحديث عمن يرعى الفقراء المتعففين ويتلمس احتياجاتهم في سبيل إدخال البسمة على أسرهم المعدمة؛ متحملا في ذلك قطع الفيافي وارتكاب الشدائد، يمثل - في أقل حالاته- إنصافا ورد جميل من أصحاب الأقلام الصادقة.
قد يرى البعض أنني بهذا المقال وضعت نفسي في الحرج حين أتحدث عن قامات الرجال العالية والهامات التي لا تنحني، لكن هذا من باب أن نقول للمحسن: أحسنت حتى تصل كلمة الحق.
يقول الشيخ الداعية محمد ولد سيدي يحي إنه يعطي الوصف دون أن يسمي الأشخاص، فليجد القارئ من اعنيه بين هذه السطور.
يقول المرحوم كابر هاشم:
عودتني أن لا أروم انحناء ** وليك الجدب لو يشاء طويلا
قدر النخل أن يظــــل دواما ** رافع الــــهام أو يكون قتيلا.
