| العـبـيــد الجـدد |
| الخميس, 20 ديسمبر 2018 12:15 |
|
بقلم: حذيفة العمقي* (ننصح بالقراءة حتى النهاية لفهم الفكرة بشكل صحيح)
ولاحقاً علمنا أن هذا الحكيم المُعمر له أتباع ومحبون كُثر؛ لدرجة أن البعض قد أتى من بلدان كالصين واليابان والهند لرؤيته. كان الحضور جميعاً - بمن فيهم نحن- منتظرين بلهفة وحماس لحظة وصول الحكيم أوشوا، وبعد حوالي نصف ساعة صعد وزير الثقافة السريلانكي ليعلن وصول الحكيم، وأنه خلال دقيقة واحدة سيدخل من باب خاص موجود بجانب العرش المخصص له، وقف الجميع وعيونهم شاخصة والصمت يخيّم على الجميع في مشهد نادر يصعب وصفه، عندما وصل الحكيم دخل وهو يلوح بيده اليمنى للجمهور والهدوء والوقار والسكينة تظهر على مُحياه. الغريب أن المهرجان الثقافي استمر لمدة 30 دقيقة فقط، وبعدها غادر الحكيم أوشوا، دون أن يلقي كلمة واحدة، وغادر الجميع. دفعنا الفضول لمعرفة ما الذي قد يجعل مئات الأشخاص من بلدان عدة أن يأتون لمجرد رؤية هذا الحكيم (نعم رؤيته فقط) لأنه لم يلق أية كلمة ولا يُسمح لأحد بالاقتراب منه أو مصافحته!!
بدأنا البحث أكثر عن سر هذا الحكيم، وما الذي يجعله مؤثرا ومحبوبا لهذه الدرجة! بعد شهر من انتهاء زيارتنا لسيرلانكا قررت أن أبحث أكثر وبجدية كبيرة حول هذا الأمر (الصمت) وهل فعلاً للصمت فوائد قوية أم إنه فقط مجرد وهم وخرافة!
أمضيت أكثر من 10 أيام متتالية في البحث والقراءة والتنقل بين صفحات الكتب وبعض المجلات العلمية والمواقع الطبية المتخصصة، والتواصل مع بعض المختصين في عدة جامعات عربية وأجنبية، وفي النهاية توصلت للحقائق المبهرة التالية: 2. مجلة "هارفارد توداي" في عددها الصادر في شهر سبتمبر 2016 تؤكد الشيء ذاته؛ بل وتضيف أن أمراضا كثيرة كأمراض القلب والسكري والقرحة يمكن علاجها والتقليل من تأثيراتها عن طريق الصمت لمدة تتراوح من 6 إلى 10 أسابيع. 3. في كتابه "شموس الصالحين" يسرد العالم الرباني النعمان بن إدريس الأندلسي، ما يزيد عن 100 قصة لمجموعة من الصحابة والتابعين، وكيف كان الصمت دواءهم الشافي وعادتهم الدائمة، وأنهم جميعاً كانوا يتمتعون بصحة العقل والجسد، وكانت أعمارهم طويلة مقارنة بغيرهم.
4. مجلة "الأسرة والحياة الكويتية" في عددها رقم 106 الصادر في شهر مايو 2017 تؤكد في مقال علمي طويل "أن الأشخاص الأكثر كلاماً يكونون أقصر عمراً وأضعف مناعةً والعكس صحيح" وتم هذا البحث على أكثر من 5000 شخص في 48 دولة مختلفة.
وقبل أن أختم هذا المقال!
لكن مهلا! الطلب هو أن تحاول البحث عن الحكيم "أوشوا نماكي" وهل ـوجد أصلاً مجلة اسمها "هارفارد توداي" أو "الأسرة والحياة" الكويتية، واستمر في البحث وحاول أن تجد كتاب "شموس الصالحين" أو كتاب "السر الأعظم للصحة" ولا تنس صديقنا البروفسور جوزيف ماندل. إن جميع الأدلة والأسماء والبراهين التي ذكرتها ليس لها أي أساس من الصحة، وجميعها نابعة من مخيلتي ليس إلا.
لكن السؤال الأهم!
إن خداع عقول غالبية البشر اليوم أصبح أسهل من أي وقت مضى! معظم البشر تتشكل حياتهم وقناعتهم واعتقاداتهم المختلفة طبقاً لما يسمعونه أو يشاهدونه أو يقرؤونه، ولا يبذلون أي جهد لمحاولة التأكد من صحة ما يتلقونه من معلومات هنا وهناك. إن حياة الإنسان كلها تتشكل وفق ما يصله من معلومات تؤثر بدورها بشكل مباشر في تكوين قناعاته وتحديد توجهاته وتشكيل عاداته واعتقاداته، ونظرته لنفسه وللآخرين وكل تفاصيل حياته.
وهناك سؤال آخر مهم!
إليك بعض الأمثلة: إن جميع المعلومات التي تتلقاها يجب أن تُخضع للفحص والنقد والبحث والتأكد، بغض النظر عن صاحبها أو مصدرها؛ بما في ذلك المعلومات التي قد تأتي من أشخاص أو مصادر تثق فيها. لا تبع عقلك لأحد، ولا تسمح لأيٍ كان باختراق عقلك واللعب به. إن "العقول القابلة للبيعط هي تلك العقول التي يرفض أصحابها استخدامها، وهؤلاء فقط هم الأشخاص الذين يسهل عليك خداعهم والتلاعب بهم وتجييشهم حسب ما تهوى وكيفما تريد. كل من لا يستخدم عقله هو باختصار أحد "العبيد الجدد" الذين شعارهم "سمعنا وأطعنا" اتجاه أسيادهم أو مثقفيهم أو إعلامييهم، أو حتى اتجاه تلك العادات والثقافات والاعتقادات والموروثات البالية لأسلافهم ومجتمعاتهم. في كل يوم تتوقف فيه عن التساؤل والنقد والبحث والاعتراض ومحاولة التأكد، تكون بذلك قد أصبحت أكثر قرباً من هؤلاء "العبيد الجدد".
من هو العبد إذن؟ ________________ * محاضر ومدرب دولي. |
