حوار الساعة (ح 5)
الجمعة, 10 مايو 2019 08:35

 

altالمختار باب: هل كان لزيادة الرواتب تأثير إيجابي على عطاء القضاة؟

ذ. إشدو: لها تأثير إيجابي وقد بُذِلَتْ جهود كبيرة لإصلاح القضاء الموريتاني؛ خصوصا منذ مجيء الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لكن يمكنني القول إن قليلا منها كان موفقا، والسبب هو الإطار البشري. ومع ذلك أود أن أسجل أمرين:

1. استقلالية القضاء سياسيا. ما معنى استقلالية القضاء سياسيا؟ معناها عدم تدخل الدولة في عمل القاضي. وحسب علمي فالدولة لا تتدخل للقاضي، لكن القضاء غير مستقل من جوانب أخرى، وأول عقبة في طريق استقلاله هي العقبة الاجتماعية: تأثير القبيلة، الجهة، الأصدقاء (وخاصة من القضاة!) الشريحة. وهناك عقبة أخرى انتبهت لها مؤخرا، هي قلة مهنية بعض القضاة لضعف الضمير المهني، وعدم المبالاة بما يصدر عنهم. ربما بسبب اليأس، وربما بسبب الإحباط.

العامل الثالث ربما كان العامل المادي؛ فقد يؤثر، لكن يسبقه العامل الاجتماعي وعدم المبالاة.

إذن الاستقلال السياسي موجود، وهذا عنصر مهم.

2. توجد مجموعة من القضاة داخل هذا القطاع لا بأس بها، شباب ومخضرمون، ويبذلون جهودا، وبإمكانهم تكوين نواة أو رأس حربة للإصلاح. لكن من أين جاءت المشكلة؟ لم تأت من نقص في النصوص فهذه موجودة، ولا من نقص في عدد القضاة فهم موجودون. مكمن المشكلة الأساسي هو انعدام الرقابة.

المختار باب: ألا توجد هيئة للرقابة؟

ذ. إشدو: توجد هيئة كبيرة جدا للرقابة، وتوجد مفتشية.

المختار باب: لما ذا هي غير نشطة ولا يُعرف عنها الكثير؟

ذ. إشدو: أوجّه معكم هذا السؤال إلى الوزير.

 

الثواب والعقاب

المختار باب: نلاحظ أننا لا نسمع في الفترات الأخيرة تجريد قاض أو سجنه أو نحو ذلك. أين هيئة الرقابة؟

ذ. إشدو: العقبة الكبرى في وجه إصلاح القضاء هي انعدام الرقابة وانعدام الثواب والعقاب. انعدام الثواب لمن أحسن، والعقاب لمن أساء، وقد يكون هذا من أسباب عدم المبالاة الذي ذكرته لك.

المختار باب: يقال إن الرقابة موجهة أساسا إلى القضاة غير المؤيدين للنظام. ما مدى صحة ذلك؟

ذ. إشدو: ليتها كذلك.. هي لا توجه إلى أحد أصلا للأسف.

لقد جرت في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز – وبإشرافه- محاولة جدية لإصلاح القضاء حين وضع المجلس الأعلى للقضاء نحو 60 قاضيا تحت تصرف وزارة العدل. وهذا – في حد ذاته- نوع من العقاب، لأنه عزل عن مزاولة الحكم وممارسة القضاء الذي هو مهنتهم الأصلية! إنهم لم يطردوا من الوظيفة وإن كان من بينهم من يستحق الطرد! ولم تتم إقالتهم إذ لا تمكن عمليا إقالتهم من حيث الملاءمة، لأن لكل منهم قبيلتين أو ثلاثا، وستثار ضجة ويوصف القرار بأنه فساد وكذا وكذا. وأنا لا أدعو إلى إقالتهم أو طردهم.

لقد وضعوا إذن تحت تصرف وزارة العدل وعُين مكانهم آخرون يُرى أن بإمكانهم تقديم الأفضل. وذلك باقتراح وتزكية من رئيس المحكمة العليا يومئذ. وبعد سنة كان المعينون الجدد، وخاصة من وُضِع تسييرُ القطاع تحت تصرفهم، قد أفسدوه تماما ولم يظهر فرق بينهم وبين سابقيهم، فأعيد أولئك واختلط الحابل بالنابل! وأخبرني بعض الذين التقوا الرئيس أنه شبه يائس من إمكانية إصلاح القضاء. وربما كنت شخصيا قد لاحظت ذلك.

المختار باب: هل أنتم ممن يرى ضرورة كون هذه المفتشية التي تحدثتم عنها تابعة للمجلس الأعلى للقضاء  لكي تقوم بواجبها على نحو أفضل؟

ذ. إشدو: هي ينبغي أن تكون مستقلة بنفسها، وبإمكانها إنجاز الكثير، لكن لا أدري هل أغلق المجال أمامها ولا من أغلقه؟ لا أفهم أمرها، لكن الأمر كما قلت لكم. وأقول لكم إن ثمة قضايا تجارية كبرى فيها مستثمرون أجانب تمكث هنا سنة وسنتين وثلاثا وأربعا وخمسا، وربما وصلت إلى عشر سنوات، فييأس المستثمر الأجنبي ويكتفي من الغنيمة بالإياب ويسب موريتانيا عند ذكرها. وأنا شخصيا عند ما طرح وزير المالية استراتيجيته للتنمية لقيته فأعربت له عن استحسان الاستراتيجية، ولكن قلت له: هنالك حلقة مفقودة تنقصها هي إصلاح القضاء؛ فلا تنمية بدون قضاء. فهل سمعتم بمعاقبة قاض على جوره وقضائه بخلاف القانون والعدل؟ أو سمعتم بمكافأة قاض على عدله؟

المختار باب: من يقيم أداء القضاة؟

ذ. إشدو: بعضهم تنقّط المحكمة العليا عمله، وبعضهم ينقطه المدعي العام. لكن ما جدوى كل ذلك!

المختار باب: هل لهذا التنقيط من فائدة؟

ذ. إشدو: لا أعتقد! وأدهى من ذلك أنه ومنذ انتزعت من المحامين هيئتهم وفتحت أبوابها لكل من هب ودب أصبح قطاع المحاماة – الذي هو نصف العدالة الآخر- فاسدا ويفعل الكثير من أفراده ما شاؤوا دون أن تسمع أن مجلس هيئة المحامين أدب محاميا على الفساد؛ أحرى أن يؤدبه على مخالفته لأخلاق المهنة!

المختار باب: أليس من آليات الرقابة نشر الأحكام والتعقيب عليها بعد صدورها؟

ذ. إشدو: لم أر ذلك، ولن أحدثكم إلا بما أعلمه. لدينا ثلاث حلقات قائمة من دولة القانون؛ إحداها عدم تدخل الدولة سياسيا للقضاة. والثانية وجود النصوص، فلا ينقصنا نص. والثالثة وجود بعض الشباب - وبعض الشيوخ- الصالحين الذين يمكن أن يكونوا نواة للإصلاح. هذا هو ما لدينا من دولة القانون، والباقي حلقات مفقودة.

المختار باب: لماذا لا تنشر كل الأحكام الصادرة للرأي العام وتكون متاحة للتعقيب؟

ذ. إشدو: سبق أن بذلت المحكمة العليا جهدا في هذا المجال وأصدرت دوريات تحوي فقه القضاء الموريتاني وسمحت بالتعليقات، لكنا ما زلنا بعيدا من المطلوب في هذا المجال.

المختار باب: هل أنتم راضون عن العدالة الآن؟

ذ. إشدو: لا.

المختار باب: هل أنتم راضون عن حرية الصحافة الآن؟

ذ. إشدو: لا. حرية الصحافة إيجابية، لكنها لم تعد حرية وإنما صارت فوضى! وتشبث السيد رئيس الجمهورية بها وبعدم عقاب الصحافي الذي يتجاوز حدوده؛ هي أحد أسباب هذا الفساد! فحريتك – كما تعلمون- تنتهي عند حدود حرية غيرك. فإذا كانت حريتك لا حدود لها، وتهجو من لم يعطك وتمدح من أعطاك وتثلب خصمك السياسي ظلما وعدوانا، بدل النقد البناء والحوار وامتثال الآية الكريمة {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.. إذا كان الحال هكذا ولا يوجد عقاب فلن تكون هناك حرية؛ بل فوضى!

 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع