ملاحظات أولية حول عدم قابلية تسليم السنوسي
الثلاثاء, 20 مارس 2012 18:11

 

altيدور اليوم جدل ساخن في الساحة الموريتانية والعربية والدولية حول مسألة مشروعية تسليم ضيف موريتانيا الثقيل السيد عبد الله السنوسي الذي تسور عاصمتها في جنح الظلام لاجئا إليها ومستجيرا بها، من الذين يطلبون القبض عليه بحق أو بغير حق.

وعلى الرغم من أن بعض العاملين في الحقل القانوني والمتأثرين بثقافة "حقوق الإنسان" على الطريقة الغربية الشكلية قد حسموا الأمر منذ الوهلة الأولى فأفتوا دون كبير عناء أو بحث أو تعليل بوجوب تسليم الرجل إلى من يريدون رأسه ولا هم يحزنون.

إلا أن آخرين ما يزالون يحاولون التوصل من خلال ما بوسعهم من بحث، سواء أكان ذلك في المجال القانوني أو المجال الأخلاقي إلى موقف يكون أقرب إلى الحق والعدل وأحمى للشرف وأصون للأخوة وأقل إساءة إلى التاريخ والجوار!

 

مسألة التسليم من الناحية الإجرائية

بالرغم من تعدد الجهات المطالبة بتسليم الرجل إليها؛ وهي ليبيا، وفرنسا، وبريطانيا، ومحكمة الجنايات الدولية، ويجرى الحديث كذلك عن صدور بطاقة اعتقال من الشرطة الدولية (الأنتر بول). فإننا لا نعتقد أنه قد تم حتى الآن توجيه طلب تسليم مستوفي الشروط من أي من هذه الأطراف إلى الدولة الموريتانية. وذلك لما يتطلبه الأمر من إجراءات فنية دقيقة لا يبدو أن بعضهم يرى أنه في حاجة إليها ما دامت البضاعة في أيد موريتانية تعودوا ليها بسرعة في ماض قد لا ينتبهون إلى أنه ولى كغيره إلى غير رجعة.

وفي حالة ما إذا كان مثل هذا الطلب قد تم توجيهه فعلا إلى السلطات الموريتانية، فإن الرد عليه لا يكون مباشرا وفوريا. بل يتطلب وقتا ودراسة وتمحيصا للملف بعد تعهد القضاء الموريتاني فيه؛ واتخاذ الرأي السيادي الأكثر انسجاما مع القوانين الموريتانية والاتفاقات الدولية الموقعة من طرف موريتانيا والأكثر ضمانا لمصالحنا وحفاظا على كرامتنا.

وفي هذا المجال لا بد من التذكير بأن الشكل المطلوب حسب القانون الموريتاني هو طلب مكتوب موجه إلى الحكومة الموريتانية بالطريق الدبلوماسي، ومرفق بما يلي:

·    حكم أو قرار يقضي بعقوبة، ولو كان غيابيا.

·    أوراق الإجراءات الجزائية التي صدر بموجبها الأمر رسميا بإحالة المطلوب أمام القضاء الجزائي في البلد الطالب.

·    أمر بالقبض أو أية ورقة أخرى تقوم مقامه صادرة من السلطة القضائية في البلد الطالب.

ويجب أن تتضمن أوراق الإجراءات أو أمر القبض أو ما يماثله بيانا دقيقا للفعل الذي صدرت من أجله تلك الأوراق وتاريخ ارتكاب ذلك الفعل.

كما يجب أن تكون الأوراق المصحوبة بالطلب أصلية أو نسخا مصدقة.

وبعد أن يتم تكوين هذا الملف بصورة صحيحة وسليمة وإبلاغه للحكومة الموريتانية كما ذكرنا آنفا، يتعهد به القضاء الموريتاني. ويكون الاختصاص بالبت فيه للغرفة الجنائية بالمحكمة العليا التي يمثل المطلوب تسليمه أمامها في أجل أقصاه ثمانية أيام. ويجوز منحه ثمانية أيام أخرى قبل المرافعات، وذلك بناء على طلب من النيابة العامة أو من المعني، ثم يجري بعد ذلك استجوابه ويحرر محضر بذلك وتكون الجلسة علنية ما لم يتقرر خلاف ذلك بناء على طلب من النيابة أو المطلوب.

وتسمع أقوال النيابة العامة والمطلوب تسليمه الذي يجب أن يؤازر من طرف محام وترجمان. ويجوز أن يفرج عنه مؤقتا ـ إذا كان معتقلا ـ في أي وقت أثناء الإجراءات وفقا للقواعد. ثم "تقوم الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا بإبداء رأيها المعلل في طلب التسليم. ويكون هذا الرأي في غير صالح الطلب إذا رأت المحكمة وجود خطأ جلي، وأن الشروط القانونية غير مستوفاة" (المادة 726 إجراءات). وهذا الرأي نهائي وغير قابل لأي طعن. وتجب إعادة الملف إلى وزير العدل في أجل ثمانية أيام.

وفي الحالة المغايرة، أي إذا أصدرت الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا رأيا مسببا بالتسليم، "يعرض وزير العدل، لتوقيع رئيس الجمهورية عند الاقتضاء، مرسوما بالإذن بالتسليم، وإذا انقضى أجل شهر من تاريخ تبليغ هذا المرسوم إلى حكومة الدولة الطالبة دون أن يقوم ممثلوها باستلام الشخص المقرر تسليمه، يفرج عنه.

وفي هذا المجال لا بد من التذكير بأن اعتقال السيد عبد الله السنوسي على التراب الموريتاني غير شرعي إن لم يكن سببه ارتكابه على التراب الموريتاني فعلا يجرمه القانون الموريتاني؛ ما لم تراع فيه ترتيبات المادة 729 إجراءات التي تنص على ما يلي: "يجوز للمدعي العام لدى المحكمة العليا، في حالة الاستعجال، وبناء على طلب مباشر من السلطات القضائية للدولة الطالبة، أن يأمر بالقبض المؤقت على الأجنبي (المطلوب تسليمه) وذلك إذا أرسل إليه مجرد إخطار، سواء بالبريد أو بأي طريق من طرق الإرسال الأكثر سرعة، التي يكون لها أثر مكتوب مادي يدل على وجود أحد المستندات المبينة في المادة 719.

ويجب أن يرسل إلى وزارة الخارجية في الوقت ذاته إخطار قانوني عن الطلب بالطريق الدبلوماسي أو البريد أو البرق أو بأي طريق من طرق الإرسال التي يكون لها أثر مكتوب. ويجب على النيابة العامة أن تحيط وزير العدل مباشرة علما بالتوقيف".

 

مسألة التسليم من الناحية الجوهرية

ومن الناحية الجوهرية، فإن تسليم السيد عبد الله السنوسي إلى طالبيه تقف دونه عقبات عديدة، حتى ولو توفرت صحة وسلامة إجراءات تقديم الطلب. من تلك العقبات على سبيل المثال ما يلي:

1.      فيما يتعلق بطلب محكمة الجنايات الدولية، فإن موريتانيا غير ملزمة بتلبيته، لأنها ببساطة ليست طرفا في اتفاقية روما المنشئة لتلك المحكمة. يضاف إلى ذلك ما تشتهر به محكمة الجنايات الدولية من ازدواجية في المعايير جعلتها لا تتابع سوى العرب وغيرهم ممن يناصبهم الغرب العداء. وعندما تجتمع العداوة والتحيز في الحَكَم تنتفي العدالة. وبالتالي يستحيل توفير المحاكمة العادلة التي هي شرط أساسي في قبول أي تسليم. ولموريتانيا سابقة مشرفة في عدم الاستجابة إلى طلبات محكمة الجنايات الدولية تمثلت في تجاهلها لأمر القبض الصادر منها ضد الرئيس البشير الذي قام بزيارة رسمية إلى موريتانيا.

2.      وقد ينطبق نفس الشيء على طلبي فرنسا وبريطانيا لأسباب من بينها، أن تصريحات كل من الرئيس ساركوزي ووزير خارجية بريطانيا السيد هيغ ظلت عائمة دون أن تذكر ارتكاب المطلوب تسليمه جريمة أو جنحة محددة يعاقب عليها القانون الموريتاني، واكتفيا بالقول إن المعني ركن من أركان نظام القذافي وهذا في حد ذاته اتهام سياسي ولا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون. والأهم من ذلك بخصوص فرنسا التي تربطها بموريتانيا اتفاقية تعاون قضائي، أن الفقرة د من المادة 51 من هذه الاتفاقية قد نصت من بين الحالات التي يتعين فيها رفض التسليم على حالة "ما إذا كانت الأفعال المتابع بموجبه الشخص قد تمت خارج تراب الدولة طالبة التسليم، وكان الشخص المطلوب تسليمه أجنبيا على تلك الدولة، وكانت قوانين الدولة المطلوب إليها التسليم لا تسمح بالمتابعة على أفعال مرتكبة خارج ترابها من أجنبي". ومعلوم أن القانون الموريتاني لا يسمح بمتابعة شخص أجنبي على جريمة مرتكبة خارج التراب الموريتاني.

3.      أما الطلب الليبي فلا تتوفر فيه شروط القبول هو الآخر لأسباب عديدة منها:

ـ أن تصريح رئيس الوفد الليبي المطالب بالتسليم يراوح حيث تصريحات الفرنسيين والانجليز، إذ قال "إن السيد السنوسي ارتكب جرائم ضد الشعب الليبي" دون أن يحدد طبيعة تلك الجرائم أو يبين أن القضاء قد اتصل بها. وفي هذه الحالة نكون أمام تهمة سياسية بغض النظر عن صحة إجراءات طلب التسليم. ومن المعلوم أن المادة 49 من اتفاقية رأس لا نوف المغاربية، والفقرة 2 من المادة 715 من مدونة الإجراءات الجنائية الموريتانية تُدخلان ضمن من لا يقبل تسليمهم حالة ما "إذا كانت للجناية أو الجنحة صبغة سياسية أو إذا تبين من الظروف أن التسليم مطلوب لغرض سياسي".

ـ أن ليبيا التي نتمنى لها كل خير لا تتوفر فيها اليوم ضمانات إجراء محاكمة عادلة، لعدم قدرة الدولة الليبية على بسط سيطرتها وسيادتها على التراب الليبي، وعدم انتظام عمل مرافق الدولة بما فيها مرفق العدالة. ولعل المصير الذي لقيه القذافي أبرز دليل على ذلك. وكذلك مصير سيف الإسلام الذي ما يزال تحت رحمة الفصائل المسلحة.

يضاف إلى كل ما سبق ما يمتاز به المجتمع الموريتاني من كرم ضيافة، وشهامة، ومروءة، تمنع تسليم اللاجئين والمستجيرين. وإن الدين الإسلامي والقيم الموريتانية تزخر بالنصوص والأمثلة على ذلك.     

 

محمدٌ ولد إشدو

 

         

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع